Al Jazirah NewsPaper Friday  27/08/2010 G Issue 13847
الجمعة 17 رمضان 1431   العدد  13847
 
هل فننا التشكيلي ضعيف الشخصية عديم الهوية؟
أحمد فلمبان

 

يعاني واقعنا التشكيلي من غزو بعض أدعياء الفن الذين يألون جهدا كي يصبحوا نقادا ومحكمين ومعلمين، لقد اغُتصب الفن بأسلوب مسرحي هزلي أبطاله هؤلاء المتطحلبون، الذين أقحموا أنفسهم القيام بدور المعلم والمدرب لأساليب الفن الحديثة وطرقها، وهم حديثي عهد بالفن ولا يملكون التأهيل الكافي لممارسة هذا العمل، نعم لتعليم الرسم وقواعده والأساليب الواقعية، ولكن الأساليب الحديثة، لا، لأن هذا خطأ كبير وجناية على الفن، حيث تجعل المتدرب في حيرة وتضارب وخمول فكري وفني، بل يصل إلى حد العجز عن تعريف أنماطهم الفنية والهدف الذين يسعون لتحقيقه من خلال الإنتاج الفني، لأن المفردات والأفكار وفلسفاتها في الفن الحديث تختلف من نهج لآخر كذلك معاني الألوان واستعمالاتها، فما هو صالح لمن ابتكرها وفكر فيها لا يمكن بأي حال من الأحوال تنطبق على أي شخص آخر، ويذكر بيكاسو عندما سُئل عن توضيح التسمية التي نتجت عنها المدرسة التكعيبية، فيقول (عندما كشفنا النزعة التكعيبية لم يكن عندنا أي قصد لكشفها بل لم يكن هدفنا حينئذ إلا التعبير عما هو مكنون في أنفسنا) ويتضح من العبارة السابقة أن طراز الفنان له فرادته وطلاقته الإبداعية ذات معدلات نمو خاصة يدركها بالدرجة الأولى عندما يعبر بصدق بعيدا عن التمدرس أو التصنيف تحت مسمى أو اتجاه، سيما أن لتلك المدارس مناهج وأساليب متعددة ودلالات معقدة وتداخلات مع المدارس الأخرى، لا يفهما إلا النقاد المتعمقون في تاريخ الفن والحضارات الإنسانية وعلم الجمال والفلسفة الفنية، فلو أخذنا مثلا المدرسة الانطباعية، هل سيتم تعليم هذه المدرسة على نهج أو أسلوب (رينوار أو مونيه أو مانيه أو بازيل وسيزلي أو بيسارو أو جورج سورا أو بول سيناك،وهنري كروس)؟؟ وعلى أي طريقة يتم التعليم؟ هل من بداياتها في المرحلة الرومانتيكية؟ أو إلى النظريات العلمية الخاصة بتحليل الضوء إلى ألوان الطيف؟ أوالطريقة التنقيطية؟، أو إتباع طريقة التركيب والتقييد بالنماذج الإغريقية واليونانية في رسم الطبيعة الصامتة؟ أو على انطباعات الضوء واللون؟

أو تعليمهم المرحلة مابعد الانطباعية المعروفة عن المظاهر البصرية المحضة، التي اشتهر بها كل من (سيزان وغوغان وفان جوخ ورؤول)؟؟ لأن لكل منهم طريقته وفلسفته وأسلوبه وهم رواد هذه المدرسة.

أمر معقد جدا (في رأي) لا يمكن تعليم المدارس الفنية الحديثة بهذه السهولة،، بل بعقد محاضرات منبرية عنها وعرض نماذج من الأعمال الفنية كوسيلة توضيح، من قبل أشخاص مؤهلين علميا وفنيا، لأن الأمر ليس مجرد ورشة عمل والقيام بتلطيخ الألوان وبعثرة المفردات على أكتاف الانطباعية!!

فالمتأمل لما يحدث في دهاليز الساحة الفنية يرى المشهد بصورة جلية هذا الخلط في المفاهيم، سببها غياب الرقيب والحسيب لهذه الأنشطة التي أصبحت متاحة لمن هب ودب وكلها عديمة الفائدة ولا تلبي طموحات وأحلام المتدربين لتدني تأهيل المعلمين والمدربين فيها.

وهذه المعضلة أحدى الأسباب الذي جعل فننا التشكيلي ضعيف الشخصية،عديم الهوية . فالطابع مفقود والأصالة « ممحاة عبارة عن تشويش وخلط بسبب التعليم العقيم والمعلومات الخاطئة، ومعظم الأعمال محاكاة أو نقل واقتباس من هنا وهناك، ولا تحرج عن دائرة الرموز والمفردات والأشكال الهندسية والزخرفية والطلاسم الغامضة وتلطيخ الألوان، تحت مسمى الانطباعية أو التجريدية .

لذا فالمطلب ملح بإنشاء معاهد خاصة متخصصة لها برامجها ومناهجها ومدربيها المتخصصين وبما يتناسب متطلبات الواقع التشكيلي وتحقيق الفائدة المرجوة من صقل وتنمية المواهب والمهارات على أساس علمي سليم في كل المجالات الفنية.

أو إيجاد تنظيم لضبط هذه الحالة، منعا للاستغلال، والتدريب الخاطئ والاجتهادات العقيمة.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد