Al Jazirah NewsPaper Sunday  29/08/2010 G Issue 13849
الأحد 19 رمضان 1431   العدد  13849
 

على مرافئ التراث
تأليف الدكتور أحمد بن محمد الضبيب

 

قراءة: حنان بنت عبدالعزيز آل سيف (بنت الأعشى)

تحيرت فيما استهل به شعري

وقد راعني حول المقام فما أدري

جلال ونور شعَّ من كل جانب

فأخرس أرباب القوافي والنشر

التراث هو ماء الحياة الجاري المتدفق في عروق الأمة، وأمة بلا تراث هي أمة بلا تاريخ ولا حضارة ولا ذكر، التراث هو نماء الأمة الحقيقي وهو الذي يمدها بالحياة، فتظل سامية متطاولة لا تعصف بها الرياح الهوجاء، ولا التيارات والأعاصير المدمرة.

التراث يغذي جذور تاريخ الأمم، يمدها بالنماء العقلي والإدراك الذهني، ولمعالي الدكتور الأديب الفاضل أحمد بن محمد الضبيب -حفظه الله ورعاه- يد طويلة، في خدمة التراث العربي، ذلك بكتبه وأبحاث ومحاضراته الشيقة، وتتميز أبحاثه بالأصالة حيث أخذت تتجه إلى طبقات ثقافية، وشرائح علمية، فأمد تراثنا العربي بيد قصر عن مدها إليه سواه، وبين يدي وأمام ناظري كتاب جليل في شكله ومضمونه، ولفظه ومعناه وهو المعنون بالعنوان التالي: (على مرافئ التراث) والطبعة التي أقرأ فيها هي الطبعة الأولى لعام 1401هـ - 1981م وقد جاءت به الأيادي البيضاء لدار العلوم للطباعة والنشر .

وكما يظهر من عنوان الكتاب نه من كتب التراث المجيدة ويحوي أبحاثاً تراثية، ودراسات نقدية أدبية، يقول المؤلف حفظه الله في مقدمته مع فحواه: (إن تراثنا العربي يحكي محليا واسعاً مترامي الأطراف، بعيد الغور، كثير العطاء، وهو يمثل تراكمات العصور الحضارية المختلفة التي مرت على الأمة العربية والتي أصبحت بعد الإسلام جزءاً لا يتجزأ من تراث الحضارة الإسلامية الشاسعة والكشف عن معطيات هذا التراث العظيم، وإبرازها للجيل الحاضر هي مهمة رجال أخلصوا لأمتهم ونذروا أنفسهم لخدمة هذا التراث وذلك بدراسة مظاهره وظواهره وحقائقه وأساطيره وغربلة مواده، وجلاء نفائسه، فأخذوا يمولون هذا المحيط، وينوصون أعماقه، وينتسبون عن مصاعده، ثم يجلبون هذه البضاعة إلى مرافئ التراث ليفيد منها الخاصة والعامة، ويضيف بها الإنسان العربي إلى معرفته بماضيه أبعاداً جديدة). ويضم الكتاب بين دفتيه مجموعتين من الأبحاث يقول المؤلف -رعاه الله- (المجموعة الأولى تضم دراسات عالجت بعض قضايا التراث العامة سواء من حيث ارتباطه بفكرنا المعاصر، وما طرأ على هذا الفكر من تغيير أو من حيث ظواهره الخاصة المتمثلة في بعض موضوعاته، أو من رجاله أو مصادره أما المجموعة الثانية فتضم وقفات نقدية كتبت حول بعض ما نشر من أعمال تتصل بالتراث سواء كانت هذه الأعمال تتناول دراسة بعض مناحي التراث، أو تعتني بجمع مواده المتفرقة أو تعالج تحقيق نصوصه أو غير ذلك، وغني عن الذكر أن الهدف من نشر هذه الدراسات هم المشاركة بجهد المثل في العناية بهذه المؤلفات عن طريق التصحيح والتقويم وخدمة المؤلف والقارئ من أجل إنتاج أفضل).

هذا وقد لعب الدكتور الضبيب دوراً هاماً في سد كل فجوة تتعلق بتراثنا وموروثنا العربي، فهو يقدم مصادر ومراجع تراثية علمية أنا ومنها الباحثون وطلبة العلم والدارسون.. والمتأمل بين بردى الكتاب يقدر هذا الجهد العظيم الذي بذله مؤلفنا الفذ على طول مسيرته التراثية، ولا يخفى على أحد أن اهتمامه بالتراث نابع من وعيه القوي، وفراسته التي لا تجارى بأهمية التراث العربي ومن لا قديم له ليس له جديد، كذلك قلة المطبوع التراثي في ذلك الوقت الذي كتبت فيه هذه الدراساة القيمة، والأبحاث المتعددة، فنذر نفسه لخدمة تراثنا العربي وفتح باب مجلة العرب على مصراعيه لكل محب للتراث مبرز فيه، ولهذا يعد الدكتور الفاضل والأديب الفاضل أحمد بن محمد الضبيب من أعلام التراث العربي والإسلامي خاصة وعامة، ومن هنا أخذ معاليه على عاتقه جمع ما تبدد ن تراثنا دراسة وحفظا وخدمة وجمعا وفق خطة مدروسة أدق الدراسة يظهر هذا جليا واضحاً من تتبع كتبه، وقراءة نوادره، يطرح سؤالا هاما ويجيب على نفسه بقوله: (ما موقف علمائنا المعاصرين الذين يدرسون العلوم التطبيقية والتجريبية من هذا التراث؟ وكيف يمكننا أن تستلهم هذا التراث الهائل ذي الإنجازات الضخمة بحيث نجعله صوتا لنا على اجتياز التحدي الذي نواجهه من الحضارة الحديثة، إن الإجابة على هذا السؤال تملؤنا بالحسرة والأسف إذ إن أكثر علمائنا المتخصصين في العلوم يجهلون أو يتجاهلون هذه المآثر الخالدة)، ثم ما الحل من وجهة نظره يقول: (هنا يأتي دور الثقافة المتوازنة.. تلك الثقافة التي تكون الشخصية المستقلة الواثقة المطمئنة، فلو درس علماؤنا تراث الأجداد لأدركوا أنهم كانوا سادة في هذه المجالات وقادة في مختلف المضامين، ونحن لا نطالب هؤلاء بأن يتخذوا هذه الإنجازات مادة للتفاخر، والمباهاة وإنما نريدها أن تكون حافزاً لهم على مواصلة الطريق الذي سار فيه الأجداد).

وفي الكتاب محطات جميلة حرية بالوقوف عندها والنهل من مضامينها من ذلك: ترجمة حافلة للميداني تذكرني بالذهبي في سير أعلام النبلاء أو ياقوت الحموي في معجم الأدباء، كذلك تاريخ الجمل عند العرب، ورصد الشعراء لأحاسيس الناقة، وكيف أنها شغلت العرب في أكثر من ألف وخمسمائة عام، ثم كيف بدأت علاقة الجمل العربي بالنثر العربي؟ وهذا عن طريق الأمثال العربية.

وأخيراً: تتضح قوة الذاكرة عند المؤلف -حرسه الله- والدقة العلمية والتتبع الحثيث لمادة كتابه، ثم إن نقد الضبيب نقد عالم باللغة بحر فيها وهو يدلي بالجانبين السلبي والإيجابي على السواء بنفس علمي دقيق وموثق وآخراً: هو موسوعة شعرية لا تجارى.

ص.ب: 54753 - الرياض 11524

hanan.alsaif@hotmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد