Al Jazirah NewsPaper Wednesday  01/09/2010 G Issue 13852
الاربعاء 22 رمضان 1431   العدد  13852
 
ايقاعات
أنصفوا هارون الرشيد!
تركي العسيري

 

لا أظن أن أحدا من خلفاء المسلمين وولاتهم قد تعرض للظلم والتشويه، وإلصاق التهم المخلّة بسيرته، كما تعرض الخليفة العباسي الأشهر «هارون الرشيد»؛ هذا إذا استثنينا «بهاء الدين الأيوبي» الملقب ب(قراقوش)، حاكم مصر في زمن «صلاح الدين»، والذي لم تشفع له سيرته الحميدة، وإنجازاته العظيمة، كبناء سور القاهرة، وتشييد قلعتها، وإقامة قناطر الجيزة، فألصقوا به تهما يندى لها الجبين.. حتى قالوا: «أحكام قرقوش»، سخرية وغرابة! هو ذا «مأزق التاريخ» حين يكتبه (المنتصرون)، «والطارئون»، و»أصحاب الثأرات»؛ وقليلا ما يكتبه المنصفون والمحايدون. ولعل المتتبع لسيرة «هارون الرشيد» في كتب التراث سيصاب بالحيرة جراء هذا التشويه المتعمد الذي ران على سيرته النقية، فأظهرته كرجل فاسق، ماجن، تتبارى في حضرته الجواري، وتدار في مجلسه كؤوس الطلا، وأقداح المدام المعتّق! هذا المشهد القميء الذي حاولت بعض كتب التاريخ أن تروج له عن هذا الخليفة الذي أشرقت في عهده شمس الحضارة والتقدم، وبلغت في زمنه دولة العرب والمسلمين أوج عظمتها وتألقها، بحيث أصبحت (بغداد) حاضرة العالم « وأم المدائن»، يفد إليها من كل أصقاع الدنيا طلبة العلم، والباحثون عن المجد العلمي، والإشعاع الحضاري. كانت بغداد في عصره مدينة تضم المكتبات، والمشافي، والمدارس، وفي زمنه أنشئت في بغداد شبكة للمجاري، وسواقي للماء النقي، ونالت اهتمامه حواضر المسلمين، فقد أمرت زوجته السيدة الفاضلة (زبيدة) بإيصال الماء من العين التي سميت باسمها (عين زبيدة) إلى مكة المكرمة، بعد أن رأى ما يعانيه السكان والحجاج من الظمأ والمعاناة؛ وما كان ذلك ليحدث لولا صلاح الخليفة واستقامته! ولعل من الإنصاف أن نعيد كتابة تاريخ هذا الخليفة العملاق المؤمن المحب للعلم، والمشجع للعلماء والأدباء، فمن المعيب أن تبقى هذه الكتب المشبوهة التي تصف الخليفة الذي كان يحج عاما، ويجاهد عاما، بالرجل الماجن، المحب للنساء والخمر، والذي تدق في مجلسه الطبول والأوتار.تراثنا مليء بالأكاذيب والتجني والظلم، بخاصة ضد أولئك الرجال العظماء الذين يشكلون نقاط الضوء في الذاكرة العربية. تسألونني من تسبب في تشويه سيرة هذا الخليفة الكبير؟ أقول لكم: «الشعوبيين»، «ومرتزقة البرامكة» و»الأعاجم» الذين ما تركوا للعرب وجها مضيئا، ونقيا، إلا وألصقوا بسيرته التشوية، والتخريب، وقد بدأوا فعلتهم إبان العصر العباسي المتأخر، وحين لم يعد للخليفة سلطة فعلية تمكنه من محاسبتهم، والاقتصاص منهم! التاريخ ليس كتابا مقدسا يحرم المساس به، وإعادة صياغته وتهذيبه، وتنقيته؛ بل هو كتاب مفتوح يحتاج إلى علماء أجلاء «منصفين» يعيدون كتابته وتطهيره من «أدران» الشعوبيين وأعداء العرب. «هارون الرشيد» عريس التاريخ، وباني مرحلة خالدة من مجدنا الغابر، ومن العدل أن ننصف هذا الخليفة العظيم.. فهلا فعلنا؟



alassery@hotmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد