من المقولات التي كثيراً ما تتردد على الألسنة وعبر مختلف وسائل الإعلام بما في ذلك الإنترنت أيضاً مقولة نحن أمة لا تقرأ أو ونحن عرب لا نقرأ أو أمة اقرأ لا تقرأ وهكذا دواليك، وتبيان لحقيقة هذه المقولة وما تعنيه من دلالات لفظية مجانبة للصواب بحق هذه الأمة يطيب لي أن أشير إلى عدد من النقاط المهمة لذلك لعل أولها عدم دقة هذه المقولة فيما ترمي إليه فمسوغها العام وذلك لأنها جاءت بصيغة العموم وهو ما لا يعتمد عليه في الحكم العادل إذا ما أخذنا في الاعتبار أن الناس في المجتمع الواحد ليسوا سواء في قدراتهم وميولهم وتوجهاتهم وبالتالي فإنه من غير الصواب والمنطق أن نحكم على مجتمع بأسره بأنه لا يقرأ. وثانيهما أن هذه المقولة أو هذه العبارة لم تنطلق بحسب علمنا من أسس أو دراسات وأبحاث علمية بحيث تتضمن اختيار عينة كبيرة من الأفراد من كل وطن عربي وإجراء ما يلزم للوصول إلى نتائج صادقة وموضوعية في هذا الشأن. أما ثالث هذه النقاط والأخيرة فإن هذه المقولة لم تشمل في اعتقادنا الشخصي ما يداوم عليه العرب والمسلمون خاصة ويحرصون على قراءته بين الفينة والفينة وهو القرآن الكريم والذي لا يتوقف الاهتمام به من قبل هؤلاء الناس عند حد قراءته فقط لأجل الاستفادة منه في بناء السلوك القويم وما ينفعهم في دنياهم وآخرتهم فضلاً عن إعمار الأرض وإنما أيضاً لكسب الأجر والمثوبة من عند الله تعالى كما جاء في الحديث إن بكل حرف يقرأه المسلم بهذا القرآن العظيم له حسنة والحسنة بعشر أمثالها.
من جهة أخرى لو تتبعنا حالة العرب والمسلمين في هذه المسألة منذ فجر التاريخ وبزوغ الإسلام فيما بعد لوجدناهم من السباقين في القراءة والكتابة والتدوين لكل ما تطالب إليه أنظارهم أو يقع تحت أيديهم من علوم ومشاهدات وتجارب وابتكارلات واختراعات ناهيكم عن الاهتمام بالترجمة وهي الجوانب التي كان لها الأثر الكبير في تطور الفكر الإنساني على مر العصور ليتبدد بذلك ظلام الجهل وينتشر العلم بمختلف صوره وأنواعه في أنحاء معمورة من الأرض بما في ذلك المجتمعات الغربية التي استفادت كثيراً من هذه المجهودات العظيمة لهؤلاء العرب والمسلمين الأوائل بشهادة الغربيين أنفسهم، فلو لم تقرأ هذه الأمة لما وصلت إلى هذا المستوى المشرف في هذا المجال.
أما ما ذهب إليه بعض المصنفين في هذا الصدد والذين ربما استخدموا استطلاعات مباشرة أو استبانات معينة لتحقيق هذا الغرض من أن الفرد في المجتمع العربي هو أقل الناس قراءة قياساً للفرد في الشعوب الأخرى، فهذا الرأي أو الاستنتاج ربما يكون قريباً من الصواب ولكن في نفس الوقت لا يعني بالضرورة أن تنتفي القراءة عنهم جميعاً زد على ذلك وهو ما يجب علينا أن نعرفه في هذا الصدد هو ما نوعية القراءة أو الكتب التي استند عليها في هذا التقييم هل هي كتب متخصصة أم عارف وثقافات عامة؟ أم ماذا؟ على صعيد آخر لا بد وأن نعرف جميعاً ضمن هذا السياق المقتضب بأن هذه المقولة التي نحن بصددها قد جاءت أصلاً من ناتج فكر يهودي قديم لا نرى ما يبررها سوى ما يكنه أصحابها الضالون من عداء صارخ وبغيض متجذر لهذه الأمة العربية والإسلامية وبالتالي لا نرى مناسبتها أو التمثل بها أو اتخاذها شعاراً في كل مناسبة لا يحلو حديثنا إلا بها، فالعرب أو أمة أقرأ لا شك أنها تقرأ فعلاً وإن كان أقل من المطلوب وللأسف الشديد غير أنها مع هذا كله يكفيها فخراً أن تقرأ كتاب الله العزيز والذي يضم بين دفتيه مختلف علوم الحياة والإنسان والكون وما يُصلح من شأن عامة الناس في دنياهم وآخرتهم ومفاتيح ذلك كله أعمال العقل بالتفكير والتدبر في هذه العلوم بمختلف صورها وأشكالها والتي هي في الواقع مبعث كل تطور وتقدم يجنيه الإنسان على هذه البسيطة.. بقي أن نقول في الختام بأن ما نشاهده ونلمسه اليوم من تزاحم شديد ومنقطع النظير لأعداد كبيرة من المفكرين والأدباء والمثقفين في مجتمعنا العربي على معارض الكتاب أينما أقيمت فضلاً عن مشاركة كثير منهم في البرامج الإذاعية والمتلفزة وإثرائها بالمعلومات والتجارب يبين لنا بما لا يدع مجالاً للشك مدى اهتمام هذه الشريحة بالقراءة وجودة الاطلاع ولو لم يكونوا كذلك وهم جزء لا يتجزأ من أمة العرب لما حدث منهم مثل هذا التوجه الهادف والبناء. هذا ما أحببت إيضاحه وفوق كل ذي علم عليم.
باحث تربوي