Al Jazirah NewsPaper Saturday  04/09/2010 G Issue 13855
السبت 25 رمضان 1431   العدد  13855
 
بين الكلمات
لوحة الإبداع البيئي في وادي حنيفة والجشع العقاري
عبد العزيز السماري

 

سأعود مرة بعد مرات للحديث عن البيئة، وعما تعنيه من قيم حضارية؛ فالاهتمام بالبيئة علامة على الاستقرار، ودلالة على أن الإنسان له علاقة راسخة وإيجابية مع المنطقة التي يعيش فيها، ويظهر ذلك في مظاهر المحافظة على بيئة جميلة وصالحة للسكنى، والجهود الرسمية تضافرت في الآونة الأخيرة في مجالات العمل البيئي، برغم من اختفاء أسابيع الشجرة التي كان يشارك فيها المواطن منذ عقود، وندرة حملات الوعي لطلبة المدارس في نظافة البيئة..

على سبيل المثال ظهر بوضوح اهتمام أمانة مدينة الرياض بتشجير الشوارع وإدخال مفاهيم جديدة مثل أسابيع الزهور والورود إلى حياة سكان الرياض خارج أسوار منازلهم، لكن الكمال في خدمة البيئة ربما لن يصل إلى حده إلا بإيجاد حلول جذرية لمدافن النفايات العشوائية في الأدوية، التي تعتبر صورة في منتهى البشاعة حول مدينة الرياض.. كذلك في إيجاد حلول جذرية لتصريف مياه الأمطار وإكمال تنفيذ مشاريع تصريف مياه الصرف الصحي..

يستحق التصميم والتنفيذ الإبداعي الذي تم تنفيذه في وادي حنيفة من قِبل الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض التقدير والإشادة، والذي برهن على إتقان وحسن تنفيذه، على أن الهيئة تملك الرؤية والقدرة على الإبداع من خلال تحويل مدينة الرياض إلى مثال نموذجي لمدينة الصحراء الجميلة، وذلك عبر فلسفة الإتقان في خطط المحافظة على جاذبية وجمال ونظافة البيئة في مختلف الأودية حول المدينة.. ما تم إنجازه في وادي حنيفة بكل تأكيد عمل حضاري، ويدل على أننا ندخل مرحلة جديدة في مسيرة الاهتمام بالبيئة، فالتصميم والتنفيذ كانا تحفة فنية، ظهر من خلالها جمال البيئة الجميلة في طبيعتها الصحراوية، وليس من طبائع مستوردة، فاختيار النباتات الصحراوية وإظهار البُعد الصحراوي في الوادي كانا شاهدَيْن على أن البيئة النظيفة مهما كانت طبيعتها تحمل في ظاهرها سمات الجمال البيئي الأخاذ.. لكن التحدي الأكبر أمام الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض سيكون في قدرتها على المحافظة على هذا النموذج البيئي؛ ليستمر بوصفه دلالة على جمال البيئة الصحراوية.. والحذر يأتي دائماً من نزعة الجشع العقاري وعنفه التي تُعدُّ من أسباب تدهور الجمال والبيئة في الوطن - حسب وجهة نظري؛ إذ سيحاول العقاريون استغلال وادي حنيفة الجديد واستثمار جاذبيته لرفع أرباحهم المادية بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى؛ لذلك أتوقع أن يزداد ضغطهم على الهيئة العليا طلباً للاستثناءات في وادي حنيفة من أجل تحويل مزارع الوادي إلى مساكن ومخططات عقارية..

إن حدث ذلك فتلك ستكون نهاية العمل الإبداعي في وادي حنيفة، الذي سيتحول خلال سنوات قليلة إلى مخططات مكتظة بالسكان داخل الوادي، وفي انتظار يوم موعود للكارثة الإنسانية بسبب الفيضان المائي القادم للوادي، الذي أثبتت الدراسات حدوثه كل 20-25 عاماً، كان آخرها في 1417 هجرية.. كذلك سيتم إفساد رئة الرياض الجديدة بعدما شعر سكانها بالانفراج قليلاً من ضغط الزحمة ومن لهيب الإسفلت وحرارة الكونكريت..

نتمنى ألا تتوقف جهود الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض عند وادي حنيفة؛ فالنموذج في الوادي يستحق تعميمه على مختلف الأودية التي تمر داخل الأحياء وحول المدينة من مختلف الجهات، على أن يتم استنساخ هذه اللوحة البيئية المتقنة ليتم تنفيذها أيضاً في القرى والمدن الأخرى، وأن يتم سَنّ القوانين والأنظمة التي تمنع التلاعب بطبيعة الأرض داخل المدن والقرى، وتُحدّ من تعديات قراصنة العقار على الأودية والجبال؛ وذلك من أجل ألا يقضي الجشع العقاري على ما بقي من جمال بيئي داخل الوطن.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد