Al Jazirah NewsPaper Saturday  04/09/2010 G Issue 13855
السبت 25 رمضان 1431   العدد  13855
 
ساركوزي يختار الخزي والعار
دومينيك مويزي

 

(لقد كان لزامًا على بريطانيا وفرنسا أن يختارا بين الحرب والعار. ولقد اختارا العار. وسوف يضطرا إلى الحرب).

كانت هذه عبارة الاستنكار الشهيرة التي ألقى بها ونستون تشرشل في إدانة أساليب المماطلة التي لجأ إليها البريطانيون والفرنسيون عشية الحرب العالمية الثانية. ولا بد وأن تكون هذه العبارة بمثابة تحذير للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. فبمحاولته تأجيج المشاعر الشرسة المناهضة للمهاجرين سعيًا إلى تحقيق مكاسب سياسية قصيرة الأمد سوف يلحق بنفسه العار أولاً ثم الهزيمة.

فبالرغم من أن أغلب الفرنسيين اليوم قد يميلون إلى التعاطف مع الخطاب الذي يتبناه ساركوزي في تقريع المهاجرين، فليس هناك ما يضمن أنهم سوف يعيدون انتخابه في عام 2012.

والواقع أن أداء ساركوزي كرئيس لا يشكل في حد ذاته السبب الذي يجعل أغلب الفرنسيين يرفضونه؛ بل إن رفضهم له نابع من جوهره.

ففي وقت، حيث ترتفع معدلات البطالة، وحيث تهيمن على فرنسا المخاوف بشأن المستقبل، يحتاج الفرنسيون إلى شخصية أبوية تعيد إليهم طمأنينتهم، وليس إلى زعيم عصبي استغلالي وعلى استعداد للتخلي عن الأخلاق والتقاليد الفرنسية النبيلة التي تكفل لكل مواطن المساواة في المعاملة طبقًا للقانون.

لم يحاول رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق ميشيل روكار تنميق كلماته حين تحدث عن المقترحات التي تقدم بها ساركوزي مؤخرًا بتجريد المواطنين الفرنسيين المولودين في الخارج من جنسيتهم في حالة إدانتهم بتهديد حياة رجل شرطة، أو ممارسة تعدد الزوجات، أو ختان الإناث.

فيقول روكار: «إننا لم نر مثل هذه التدابير منذ نظام فيشي أو منذ عهد النازيين».

ولا شك أن مساواة ساركوزي بنظام المارشال بيتان المتعاون مع النازيين في فيشي، يُعدُّ مبالغة واضحة، ولكن المخاوف التي أعرب عنها روكار يشاركه فيها العديد من الفرنسيين وليس المثقفين والمفكرين منهم فقط. فحتى بين المحافظين التقليديين هناك مسحة من الاشمئزاز الأخلاقي من ساركوزي. ولكن هل من الممكن حقًا أن ينتهك الفرنسيون قيمهم إلى هذه الدرجة؟ وهل يكون إقرار عودة عقوبة الإعدام الخطوة التالية في هذه الدوامة الشعوبية الهابطة؟

ولكن هل تكون فرنسا اليوم أشبه بفرنسا في عام 1980 عشية أول انتصار يحققه اليسار منذ تأسيس الجمهورية الخامسة؟ وهل يمثل دومينيك دو فيلبان - رئيس الوزراء السابق اللامع أثناء ولاية جاك شيراك - في مواجهة ساركوزي ما كان يمثله شيراك في مواجهة فاليري جيسكار ديستان في عام 1981؟

يتعين علينا أن نتذكر أن شيراك ضمن هزيمة جيسكار ديستان من خلال بث الفرقة في جناح اليمين إلى الحد الذي أصبح معه من المستحيل أن يعود اليمين إلى الاتحاد خلف جيسكار ديستان في مواجهة الجولة النهائية ضد فرانسوا ميتران.

هناك تساؤلات على قدر كبير من الأهمية وراء هذا التخمين بشأن حالة المجتمع الفرنسي ومؤسساته الحكومية.

والواقع أن فرنسا، وربما أكثر من أغلب البلدان الأوروبية الأخرى، تواجه مشكلات أمنية داخلية خطيرة وأعمال عنف مرتبطة بفشل السياسات السابقة في التعامل مع قضية الهجرة، التي تسببت في تحويل أحلام الستينيات إلى كوابيس الحاضر.

ولا شك أن التصعيد الواضح للعنف في العديد من ضواحي المدن الكبرى، وظهور رجال العصابات المحليين الذين يعيشون من دون أية قواعد تحكم تصرفاتهم على الإطلاق في عالم وحشي أشبه بالخيال، يعكس حالة من الضلال والانحراف.

بيد أن الاستجابة المحضة «بالقانون والنظام» لهذه المشكلات لن تتمكن بطريقة سحرية من إصلاح الضرر الناجم عن سنوات من السياسة الرديئة والإهمال.

والإفراط في التدخل من جانب الدولة لا يشكل الاستجابة السليمة للمشكلة الكامنة في فشل الدولة داخليا.

ومن المؤكد أن سياسات التعليم والتكامل الناجحة تستغرق الوقت والجهد، ولذا فهي ليست قادرة على جلب نتائج واضحة المعالم بحلول موعد الانتخابات التالية.

ولا شك أن وصم المهاجرين والمسلمين منهم بصورة خاصة وتدمير المخيمات التي تؤوي الغجر، مهمة أسهل كثيرًا، حتى ولو كانت تكشف عن الطبيعة الانتهازية وغير الأخلاقية لكل من ساركوزي وأولئك المحيطين به.

إن حق التصويت الشامل لكل البالغين، والمعمول به في فرنسا منذ ما يقرب من الستين عامًا، جعل من الرؤساء الفرنسيين المتعاقبين المعادل الحديث للملوك المنتخبين، فهم الرجال الذين يتركز بين أيديهم قدر من السلطة لا يحلم به نظراؤهم في أي بلد ديمقراطي آخر.

والواقع أن نجاح المساعي التي بذلها شيراك لتقليص فترة الولاية الرئاسية من سبعة إلى خمسة أعوام كان على نحو لا يخلو من المفارقة سببًا في زيادة تركز السلطة الرئاسية.

والمشكلة في هذه الرئاسية الكلية القدرة هي أن الصفات المطلوبة لانتخاب الرئيس ليست بالضرورة تلك المطلوبة لإتقان فن الحكم، بما يشتمل عليه ذلك من الموضوعية والحياد، والصبر، والسكينة، والتواضع، فضلاً عن الطاقة والنشاط.

إن منصب الرئاسة في فرنسا يجمع بين رموز السلطة وواقعها أو ما يعادل ملكة إنجلترا ورئيس الوزراء البريطاني. ولكن المنصب المصمم حسب الطلب بحيث يناسب عملاقًا مثل شارل ديجول قد يكون ببساطة أضخم مما ينبغي لأي رجل (أو امرأة) منفرد.

والحق أن فشل الرؤساء الفرنسيين في السنوات الأخيرة قد يشير إلى مشكلات بنيوية في صلب الدستور الفرنسي، وليس مجرد أوجه قصور تعيب شاغلي المنصب على اختلافهم.

باريس
مؤلف كتاب «الجغرافيا السياسية للعاطفة»
خاص (الجزيرة)


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد