حين تتاح لك الفرصة وتذهب إلى مكة المكرمة لأداء العمرة أو لقضاء بقية أيام الشهر خاصة في أيام العشرة الأخيرة أو تكون مشاهداً ترى جموع المسلمين يؤمون البيت الحرام ملبين داعين خاشعين ومتذللين لله سبحانه وتعالى حينذاك تشعر بالفخر والاعتزاز وتدعو الله جلت قدرته أن يتقبل من الجميع صالح أعمالهم وأن يثيبهم على جهدهم وألا يضيع عناءهم، وأن يجعلهم ربهم جل في علاه من المعتقين من النار وكافة عباده المسلمين.
هذا الجهد وتلك المتابعة في العمل الصالح لا شك أنها من الأعمال المقربة لرضا الله سبحانه وتعالى، ولكن تلك الأفعال الجليلة قد تنقص ولا يحوز منا الدرجة التي يأملها ولعل ذلك ناشئ عن بعض ما قد يذهب بالأجر إن لم يكن كله، فيكون معظمه، ومن ذلك أنك حين تريد الصلاة في الحرمين الشريفين قد لا تجد مكاناً تصلي فيه مع أنك قدمت مبكراً للصلاة ولكنك تفاجأ بأن الأماكن قد حجزت وغطيت سواء كان في الأدوار الأرضية أو العلوية، ولو كان المصلون متواجدين في أماكنهم لما أشكل الأمر فلكل مجتهد نصيب، ولكن أن نرسل أبناءنا الصغار ونطلب منهم حجز أماكن عديدة ونضيق على المسلمين الذين جاؤوا من بلاد العالم أجمع فهذا أمر فيه إساءة للآخرين، ثم بعد ذلك ما يحصل ممن قام بحجز المكان إذ إنه سوف يمر بصفوف عديدة حتى يصل للمكان المحجوز، وبالتالي سيؤذي الكثيرين من المصلين وقد يدخل في مشادات كلامية معهم، وقد تفضي إلى السب والشتم والعراك وبعد انقضاء الصلاة تجد أن المصلين - هداهم الله - يتزاحمون أمام البوابات للخروج في مظهر لا ينم على تأثير العبادة عليهم، فالصلاة وغيرها من العبادات، وإن كانت أركاناً وواجبات إلا أنها بالتالي هي تهذيب لأنماط السلوك وتقويم له، قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ}، وقال تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ}، فأي إحسان تؤديه إذا كنت على هذه الهيئة، ثم بعد ذلك نشاهد تسابق المسلمين وتزاحمهم أمام مركبات السيارات، بل أن بعضهم سيلقي بأخيه ويتسبب في ضرره حتى يكون هو الأول: أين تطبيق حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (الدين المعاملة)، (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)، ولو جلسنا في أماكننا وصلينا حيث نحن ولم نؤذ أحد لكان ذلك أجدى. إننا بحاجة ماسة لتوعية تأخذ في أبعادها هذه السلوكيات وتحذر منها وترشد الناس وبخاصة من يقصد الحرم المكي الشريف بعدم إيذاء إخوانه والإحسان إليهم.
ولأن الحديث عن مكة المكرمة ولكثرة المعتمرين في هذا الشهر الكريم وفي العشر الأواخر فإن الزحام على أشده، وبالتالي فإن وضع آلية تسهل الوصول إلى الكعبة المشرفة أمر في غاية الأهمية ولعل المدونات الآتية قد تعطي بعض التسهيلات متى ما طبقت وهي:
1- لا يسمح بالدخول للصحن والطواف حول الكعبة إلا للمحرمين وخاصة وقت اشتداد الزحام وفي ساعات معينة كما هو مشاهد، فنحن نجد أن هناك الكثير من المسلمين يقومون بالطواف حول الكعبة وصلاة التراويح تؤدى، فماذا عليهم لو أتاحوا الفرصة للمعتمرين بإكمال طوافهم فهذا من باب التعاون على البر قال تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى}، بل إن بعض المسلمين هداهم الله وعلى الرغم من الزحام تجده يطوف في كل وقت.
إن في هذا التنظيم منافع عديدة فستخفف من شدة الزحام وتتيح للمعتمرين أداء طوافهم بخشوع وطمأنينة.
2- تعيين بوابات لدخول المعتمرين وبوابات لخروجهم ومسارات داخل الحرم حتى لا يحدث أي تصادم وتزاحم بين الداخلين والخارجين.
3- مع أن هناك جهوداً واضحة من رئاسة الحرمين الشريفين في التنظيم داخل الحرم المكي مع وجود رجال الأمن وفقهم الله إلا أن الجهات الأخرى وخاصة القطاعات العسكرية نتمنى أن تتواجد لتكمل مسيرة النجاح الذي دائما يحرص عليه خادم الحرمين الشريفين حفظه الله.
وفي هذه الأيام يحيا المسلمون سنة الاعتكاف تأسيا بالرسول -صلى الله عليه وسلم- واتباعا له، وجرياً على ما عليه السلف الصالح، ومع تسليمنا بأن هناك من يطبق واجبات تلك السنة ويعي أبعادها، إلا أن البعض هداهم الله جعلوا من الاعتكاف مجرد قضاء أوقات في المسجد بين الحديث فيما لا طائلة فيه أو تناول الطعام والنوم في أي مكان في المسجد وترك الأمتعة والغرض وبقايا الأكل أمام المصلين، وبعضهم يشغل نفسه بالحديث بالجوال دون حاجة، وهنا أتساءل: هل أصبح الاعتكاف تقليداً فقط دون إلمام بشروط المعتكف وواجباته؟!آمل أن نعي ذلك جيداً.
أخيراً .. يحدونا أمل أن نرى في المسجد النبوي الشريف زيادة في أعداد الأئمة والمؤذنين وأن نسمع أصواتا ندية عذبة كما في الحرم المكي الشريف.
تقبل الله من الجميع وكل عام وأنتم بخير.