Al Jazirah NewsPaper Thursday  09/09/2010 G Issue 13860
الخميس 30 رمضان 1431   العدد  13860
 
بين روح النظام وحرفيته
عبدالله بن راشد السنيدي

 

تعتبر الشريعة الإسلامية مصدراً أساسياً في بلادنا كما ورد بالنظام الأساسي للحكم وإلى جانب ذلك يوجد العديد من الأنظمة التي تغطي الجوانب الحديثة التي لم يرد لها تنظيم في الشريعة وذلك لما للحاكم المسلم من صلاحية في وضع هذه الأنظمة استنادا (لمبدأ السياسة الشرعية) الذي أقره علماء المسلمين وذلك بهدف تنظيم العلاقات بين الناس أو بين الدولة ومواطنيها أو مع الدول الأخرى وهي تهدف للتيسير والتسهيل وليس للتشديد والتضييق وهي تستند في ذلك لما ورد في الشريعة الإسلامية من قواعد منهجية ومبادئ أخلاقية، كما تستند لما يوجد في المجتمع من مبادئ عامة وأعراف سائدة، وكثيراً ما يتردد على مسامعنا بأن هذا النظام متشدد وذلك النظام معقد والحقيقة أنه ليس بالضروري أن يعود الخلل للنظام فالنظام قد يكون متكاملاً ولكن الخلل قد يعود لمن يتصدى لتفسير النظام فالبعض يعتمد عند رجوعه للنظام على حرفية النص فقط ولا يبذل جهده لقراءة ما بين السطور على ضوء الحالة المعروضة عليه، والبعض الآخر يأخذ بأسلوب القياس بأن يقوم بقياس الحالة التي لديه على حالة مشابهة سابقة بالرغم من اختلاف ظروف الحالتين في حين يوجد فريق آخر من المعنيين بالأنظمة يستندون إلى روح النص والحكمة منه وليس على مجرد حرفيته ولذلك فإنهم يعالجون كل حالة على حدة ويبدون الرأي حولها على ضوء ظروف وملابسات كل حالة وبما لا يتعارض مع هدف النظام.

فتفسير القاعدة النظامية يقصد به بيان حقيقتها التي تستند إلى الهدف من وضعها وليس البحث عن حكم جديد لم يرد بالقاعدة.

ويوجد لتفسير القاعدة أربعة أنواع وهي:

- التفسير الرسمي: وهو الذي يقوم به واضع النظام أو من يفوض بذلك لغرض توضيح غموض أحد النصوص الذي يوجد عيب في صياغته أو يكون هناك خطأ في تطبيقه، ويميز هذا النوع من التفسير أن تطبيقه يرتد إلى تاريخ صدور النظام إذا لم يتضمن قواعد جديدة.

- التفسير الإداري: وهو ما تقوم به الجهات التنفيذية من توضيح النصوص النظامية عن طريق النشرات الدورية أو الآراء أو التعاميم مع أنه يوجد تحفظ من بعض خبراء الأنظمة على القيمة القانونية لهذا النوع من التفسير بالرغم من انتشاره والعمل به.

- التفسير الفقهي: وهو ما يقوم به خبراء وعلماء النظام ويتميز هذا النوع بالحيدة والمنطقية والاهتمام بالتأصيل القانوني إلا أن هذا النوع كالتفسير الإداري ليس له حجة ملزمة تجاه السلطات القضائية والتنظيمية.

- التفسير القضائي: ويتميز بالطابع العملي والذي يقوم به القاضي الإداري أثناء البحث والتأصيل وهو أيضاً هو ملزم سواء للقضاة الآخرين أو للجهات التنظيمية أو المراجع الفقهية.

وبالرغم من هذه التقسيمات لتفسير القاعدة النظامية إلا أن هذه الأنواع من التفسير لا يعمل كل واحد منها في منعزل عن الآخر بل إنها تكمل بعضها البعض حيث يقوم كل من الخبير النظامي والقاضي الإداري والمسؤول الإداري بتزويد واضع النظام بافتراضات عملية واقعية حيث يتعرف عن طريقها على معقوات تطبيق النصوص النظامية بما يسهل مهمته فيقوم بإصلاح عيوب الصياغة والقصور التي قد تعتريها، كما أن خبير النظام يجد في النصوص النظامية وأحكام القضاء مادة علمية لأبحاثه ومقالاته، والقاضي يستعين بآراء الخبير النظامي عند تطبيقه القواعد والنصوص والمسؤول الإداري يجد في الأحكام القضائية والآراء النظامية مساعداً له عند إصدار التفسيرات الإدارية مما يجعله يتلافى مشكلات التطبيق.

وعلى كل فإن التفسير الذي قد يتبادر إلى أنه الأقرب للتطبيق السليم للنص النظامي هو الذي يعتمد على استخلاص المعنى من عبارة النص ومنطوقه أو من روح النص وفحواه؛ حيث يلجأ المفسر إلى المعنى الذي يسير إليه أو يدل عليه (فالعبرة بالمقصد والمعاني وليس بالألفاظ والمباني) وهو يعني أن المعنى الذي يقصده واضع النظام يغلب على ما يتبادر إلى ذهن المفسر عند قراءته لألفاظ النص فيتعين عليه الوصول إلى حكم النص دون تقيد بالألفاظ، كما يؤدي إلى تغليب المعنى الاصطلاحي المنطوق النص اللغوي الذي استخدمه واضع النظام.

ولأسلوب تفسير النص حسب روحه وفحواه والحكمة منه تأييد في شريعتنا الإسلامية التي تتسم بالكمال والديمومة ?الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ? (3) سورة المائدة.

فها هو الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي لم يكن يرى رأياً إلا نزل القرآن موافقا لرأيه قد أوقف حد السرقة في السنة التي ابتلي فيها المسلمون بالمجاعة ?وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ?(38) سورة المائدة، فالإمام عمر أوقف تطبيق هذا النص الكريم عام المجاعة مع وجود السراق لأن الحكمة من النص غير متوفرة في حالة المجاعة فالشخص قد يلجأ إلى السرقة في مثل هذا الظرف من باب الضرورة والحاجة وليس لغرض التشبع والزيادة، كما أن هذا الخليفة الجليل قد أوقف نصيب المؤلفة قلوبهم من الزكاة ?إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ? (60) سورة التوبة، فالزكاة كانت تدفع للمؤلفة قلوبهم من أجل اسقطابهم لمناصرة المسلمين عندما كانوا في حالة ضعف أما بعد أن استقوى المسلمون وأصبح لهم مكانة أوقف عمر رضي الله عنه نصيبهم لأن الحكمة من النص لم تعد قائمة.

وفي بلادنا تحث المذكرات التفسيرية للأنظمة على ضرورة مراعاة هذا المبدأ لكون ذلك هو المهمة الأساسية لمن يتصدى لإبداء الرأي النظامي ولأنه يؤدي إلى حفظ المصالح والحقوق ويؤدي إلى تحقيق الهدف من الأنظمة.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد