Al Jazirah NewsPaper Saturday  11/09/2010 G Issue 13862
السبت 02 شوال 1431   العدد  13862
 

أبو مساعد.. مدرسة في الصبر

 

يا من يعز علينا أن نفارقهم

وجداننا كل شيء بعدكم عدم

فراق الأحبة والأصحاب صعب على النفوس، حتى لو كان فراقاً مؤقتاً بسبب سفر أو تباعد الأوطان، فكيف به إذا كان فراقاً باتاً، بسبب موت أحد الصاحبين.

لكنها سنة كونية كائنة لا محالة.

لكل اجتماع من خليلين فرقة

وإن الذي دون الممات قليل

إنه رحيل وسفر من دار إلى أخرى.

ولكن الناس يتفاوتون في رحيلهم، وتتفاوت مواقف الأحياء من رحيل الأموات.

فهذا يرحل بصمت، فلا يكاد يعلم عن وفاته إلا ذووه ومحبوه، دون نعي أو إعلان إعلامي.

وذلك يطير خبره وتشيع أخباره في الآفاق.

وآخر قد يكون بين هذا وذاك.

فهل لذلك دلالة على أهمية الميت أو فضله.

في تقديري أن ذلك له دلالته على مدى الأهمية، وهل هو ذو شأن كبير في بلده أو مجتمعه، مهما كانت هذه الأهمية فقد تكون لتميز الشخصية بعلم، أو مال أو جاه، أو منصب.

فهذه تختلف مقاييس الناس فيها، وإن كان الأكثرية يعيرونها اهتماماً شديداً، ويعبرون عن ذلك بصريح العبارة.

وأما من حيث الفضل (التقوى والزكاء والنقاء) فذلك إنما يقدره ذوو الفضل والنصفة، إلا أن التعبير عن ذلك قد يبدو نفسانياً تترجمه الدعوات والاستغفار للميت وتغيّر الملامح، وتشييع الجنازة.

ثم إن تلك المواقف قد تنقطع سريعاً وينسى الميت، وقد تستمر دهوراً.

وأحسب أن صديقنا وعزيزنا أبا مساعد (أحمد بن مساعد الحمد) هو واحد من الأشخاص الذين رحلوا بصمت، وودعه أهله وأصحابه ومعارفه بدموع حرّى. ولكن سيبقى في الذاكرة، لأنه رجل غير مهذار، بل يميل إلى الصمت، وإذا نطق فبالحكمة، أو بالنكتة، أو بالباقيات الصالحات.

ولأنه مدرسة في الصبر والشكر، فبرغم معاناته سنين طويلة من بعض الأمراض، إلا أنه كان يكتمها، ولا يكاد يبوح بها لأحد، بل يلهج بالشكر والذكر، ويخفي ألمه وتألمه.

ولأنه عفيف متعفف، بكل ما تحمله كلمة العفة من معنى وهي كما في لسان العرب: (الكف عمّا لا يحل. يقال: عفَّ عن المحارم والأطماع الدنية).

فرحمة الله وبركاته عليك أبا مساعد، وسلام عليك يوم ابتليت فصبرت، ويوم رحلت فودعك أهلك وأصحابك.

أ.د. عبد الله بن إبراهيم الطريقي

جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد