Al Jazirah NewsPaper Wednesday  15/09/2010 G Issue 13866
الاربعاء 06 شوال 1431   العدد  13866
 
الوجه الآخر للاستفتاء الدستوري في تركيا..!!
عبدالإله بن سعود السعدون(*)

 

أفرزت صناديق الاستفتاء العام رأي الأمة التركية ممثلاً لأكثر من خمسين مليون مواطن قال ثلاثون مليوناً منهم «نعم» للإصلاحات الدستورية وعارض أيضاً أكثر من عشرين مليون مواطن معلنين «لا» للتعديلات الجديدة. وشكلت نسبة الموافقة الشعبية لكتابة دستور جديد يلائم متغيرات العصر وطنياً وإقليمياً ودولياً وليمنح المجتمع التركي مزيداً من السلم الاجتماعي والسياسي لتحقيق الاستقرار الأمني الأمثل لنمو اقتصادي مميز وليمنح أيضاً الحكومة قوة سياسية عالية لتلعب «تركيا الدولة» الدور المركزي في محيطها الإقليمي والمتناغم مع المتغير الدولي ولتضع قطار العلاقات الدولية على سكته الصحيحة الهادفة للارتقاء بالقرار السياسي التركي لمستوى المشاركة في الأحداث وصانع حلولها وفي المركز الإقليمي المؤثر بتسخير إستراتيجية دبلوماسية جديدة تفك العلاقة بالتبعية للمحاور الدولية والارتكاز إلى تصفية كل العوائق في علاقاتها مع دول الجوار إلى درجة الصفر وبناء الثقة وجسور الصداقة مع الدول الإسلامي والعربية.

وكان لابد من التحرر من قيود وضغوط الدستور الحالي الذي كتبه قادة الانقلاب العسكري عام 1982م بقيادة الجنرال «كنعان أفرين» وتضمن مواد دستورية تعطي المؤسسة العسكرية الوصاية على العملية السياسية والحق في تغيير النظام التنفيذي وحل البرلمان وممارسة الضغوط على صاحب القرار السياسي إذا تعارض مع المصالح الخاصة لقيادات المؤسسة العسكرية، وبهذا تتحول الثقافة الديمقراطية إلى خطوط ملونة لا تستطيع الحكومة ومعها ممثل البرلمان تجاوزها وبذلك يتحقق الارتباك السياسي والاقتصادي!.

وجاءت النتائج الإيجابية بنسبة 58% موافقة «بنعم» لتشكل تحولاً جوهرياً في المشهد السياسي التركي وممارسة حضارية في التحول الديمقراطي إلى الوضع الأفضل وعند تحليل المشاركة الشعبية في عملية التصويت ونتائجها المعلنة بنسب صحيحة لتؤكد صدق هذه النتائج وسلامة مراحل التصويت من أي تدخل في سير فرز الأصوات بعيداً عن أي تدخل مؤثر في نتائجها وبشهادة رئيس الحكومة أردوغان وزعماء المعارضة الدكتور دولت بقاجلي رئيس حزب الحركة القومية وكمال كيليج دار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري بنجاح عملية التصويت والمعبرة عن أصوات الأمة التركية بحرية تامة وأفرزت صناديق الاستفتاء رأي المواطن وتوجهه السياسي وأعلنوا تهنئتهم للمواطنين لحسن سير الاستفتاء بالشكل الأمثل.

ولاحظ العديد من المحللين الأتراك والأجانب تراجع الأيديولوجيات المنفذة في الدولة التركية منذ تأسيسها حتى الآن والتي تعتمد على العلمانية الكمالية والقومية التركية الطورانية وترجيح الأفكار الليبرالية الوطنية والتوجه الإسلامي الوسطي المنفذ كبرنامج سياسي معتمد في قادة حزب العدالة والتنمية.. وتوحد كافة المنظمات والأحزاب ذات النهج الإسلامي مؤيدة التعديلات الدستورية والمعروضة للاستفتاء عليها من قبل البرلمان التركي.

وأصبحت تلك التعديلات حزمة جديدة من الإصلاحات الدستورية مضافة للتي دعا إليها أعضاء مجلس الاتحاد الأوروبي في مجال التركيز على حقوق الأقليات القومية والدينية المكونة للمجتمع التركي والتوسع في حماية حقوق الإنسان وحرية الرأي والفكر ومنح المرأة حقها في ممارسة حرية الزي الذي يتلائم مع أفكارها ومعتقداتها الدينية.. وقد رحب الرئيس أوباما وزعماء العالم الغربي بنتائج الاستفتاء ووصفوه بالخطوة المتقدمة نحو ثقافة ديمقراطية صحيحة يعيشها الشعب التركي.

وبحالة ترتيب هذه المواد الدستورية ضمن فقرات الدستور الجديد المكلف بأعداده البرلمان في جلساته المقبلة تصبح أمام السلطة التنفيذية ملفات عديدة تنتظر مشاريع سياسية لتنفيذها؛ وتأتي بقمتها القضية الكردية والتي أصبح الحل العسكري عاجزاً على إنهائها بل أصبح هذا الحل دموياً لا يفرق بين العسكري والمتمرد الكردي، ولابد من التوصل لحل سياسي يضمن بعض الحقوق المشروعة للقومية الكردية ويعتمد على وحدة التراب التركي وهذه القضية المهمة تحتاج لقرار سياسي شجاع لا يخضع للضغوط التي كانت تلوح بها المؤسسة العسكرية. وتأتي قضية قبرص أيضاً في نفس المرتبة من الأهمية والمنتظرة لمشروع آخر يوصل هذا الملف إلى التوافق بين الشعبين القبرصي التركي في الشمال والقبرصي اليوناني في الوسط والجنوب وعودة وحدة الجزيرة جغرافياً وسياسياً وتأخذ مقعدها في الاتحاد الأوروبي وتعود القوات التركية إلى الوطن الأم بعد انتفاء أسباب وجودها في الجزيرة، وتوجه التكاليف الباهظة المصروفة على هذه القوات نحو مشاريع التنمية الاقتصادية.

تركيا تتوجه نحو منعطف جديد بأيديولوجية سياسية حديثة تعتمد على المتغيرات المتسارعة في حركة العلاقات الدولية والمحيط الإقليمي بنية جدية لدخول العائلة الأوروبية كفرد فعال مرحب بانتمائه لها وفي الوقت نفسه تتوجه بقطار المحبة والأخوة نحو المحطات العربية والإسلامية.. فهل نصل والدولة التركية الجديدة لقرار مصيري واحد للمشاركة المتبادلة من أجل حل قضايانا العربية والإسلامية ونحظى بالاهتمام الإقليمي والدولي؟.

(*) عضو هيئة الصحفيين السعوديين - جمعية الاقتصاد السعودية


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد