Al Jazirah NewsPaper Wednesday  15/09/2010 G Issue 13866
الاربعاء 06 شوال 1431   العدد  13866
 
مدائن
مكة أنموذج في العمارة الإسلامية (2-2)
د. عبدالعزيز جار الله الجار الله

 

أشرت في المقال السابق وذكرت أن مكة المكرمة تحولت إلى أنموذج للمشاريع المعمارية الحديثة: الطراز المعماري للمسجد الحرام، وعمارة وتخطيط مكة التي يدور محورها على بيت الله العتيق، والطراز المعماري الشرقي للمباني السكنية.

كما أن مكة المكرمة تعطيك التوازن النفسي الذي تحتاج إليه من خلال مآذن الحرم الباسقة وصوت الأذان المتسابق إلى السماء، فمآذن الحرم مع الجبال السمر وتعرجات الأودية وحصوات السهوب ووجوه الحجاج والمعتمرين وسكان مكة.. هذا المزيج من الحجر والبشر والطراز يدخلك في توحد روحاني يملأ (فراغية) المكان ليجعل مكة معماراً شرقياً بأنفاس جزيرة العرب التاريخ والحضارة التي تنتمي إلى الثقافة اليابسة والأنهر الجافة والقرى الرطبة في حياتها وناسها.

ففي مكة وكما للجبال علو وارتفاع يقابله في جوف الأرض المسافة نفسها، وهي إحدى النظريات الجيولوجية الشائعة.

أيضاً هناك توازن ما بين ارتفاع وعلو المباني والفنادق والمشروعات مع باطن الأرض من بنية تحتية أكملتها مكة في منطقة الحرم والمشاعر المقدسة من صرف صحي وتصريف السيول. وتأتي صعوبة تلك المشروعات من أنها تنفذ على صخور نارية من التركيبة المعقدة جيولوجياً من صخور الدرع العربي.

وما مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لسقيا زمزم إلا دليل على صعوبة فصل القنوات وخطوط الصرف والسيول من أجل تنقية وحماية مياه زمزم من التلوث ومدى قدرة المخطط الإداري وهندسة المياه التي نفذت المشروع وسط صخور صماء لتمديد شبكات المياه والصرف والسيول وسط خضم حركة حجاج ومعتمرين وزائرين، وهذا بلا شك أسس في بلدنا خبرات هندسية وإدارية وتراكما معماريا ومعلوماتيا من كادر بشري وتقني يجعل مكة المكرمة بيت خبرة معمارية وهندسة جيولوجية ومياه.

أما شبكات الطرق فهي لفت آخر للأنظار لهندسة الطرق التي تجاوزت الصعوبات الجيولوجية لثقب جبال طولية وهرمية ذات قاعدة أرضية عريضة حولت مكة المكرمة من مدينة تاريخية تنتمي لأزمنة قديمة إلى مدينة حديثة انسجمت وتصالحت مع الطبوغرافيا والجيولوجيا.

أما الوحدات المعمارية في مكة المكرمة وعناصرها المعمارية فإنها تميل دوماً إلى الأصالة في تأصيل الوحدات والعناصر من خلال المساكن الشعبية والمساكن الخاصة التي يمولها الأفراد والمحافظة على السمة والجمالية الحجازية في المشربيات وتعدد الشبابيك وتعاقب الرخام الملون والأقواس والأعمدة الدائرية التي تستمد عمقها من الوحدات والعناصر المعمارية في المسجد الحرام الذي مزج التاريخ بالمعاصرة، متمثلا في القباب العثمانية وطراز الأعمدة المملوكية والتوسعة السعودية الحديثة التي جاءت منسجمة ومتداخلة مع عمارات الخلافة الإسلامية السابقة. فأهل مكة جعلوا من المسجد الحرام مصدراً وإلهاماً معمارياً لمساكنهم الخاصة، فأهل مكة أدرى بشعابها ومعمارها.

إذن مكة المكرمة أنموذج للعمارة الإسلامية بعمقها التاريخي؛ لذا تحتاج منا إلى أن نسعى إلى إبرازها دولياً؛ كونها حاضنة للطراز المعماري الإسلامي. وإن أي تطوير لمعمارها لا بد أن يأخذ السمة والروح التاريخية، جاعلين المسجد الحرام خازناً للطرز والعناصر المعمارية الإسلامية وحافظاً لها.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد