Al Jazirah NewsPaper Thursday  16/09/2010 G Issue 13867
الخميس 07 شوال 1431   العدد  13867
 
بعد أزمة القمح العالمية هل نعيد حساباتنا في المحافظة على الأمن الغذائي المحلي؟!
مي بنت عبد العزيز السديري

 

المتابع لأزمة القمح ينتابه حالة من القلق والترقب بعد قرار الحكومة الروسية بحظر تصدير القمح حيث تنتج روسيا ما يقارب 200 مليون طن من القمح

وتقوم بتخصيص الفائض من إنتاجها لخدمة التجارة العالمية وهي تطرح في هذا الشأن ما يقارب من 20 مليون طن أي ما يعادل 10% من إنتاجها وما يزيد القلق تلك الفيضانات التي دهمت باكستان وأغرقت وأفسدت جميع الأراضي الزراعية المخصصة لزراعة القمح (وتشير منظمة الفاو إلى أن هناك لجنة معنية بالأمن الغذائي تضم أسماء 15 خبيراً عالمياً لتشكيل هيئة توجيهية تكون بمثابة هيئة جديدة تضم نخبة رفيعة المستوى من الخبراء المعنيين بالأمن الغذائي في نطاق عملية الإصلاح الجارية للإدارة الدولية الرشيدة للأمن الغذائي وستتولى هذه الهيئة تشكيل فرق خاصة من الخبراء لتأمين المعلومات المستقلة بشأن المواضيع ذات الصلة بالأمن الغذائي. ويقول نوبل دي لونا رئيس لجنة الأمن الغذائي (إن تشكيل هيئة توجيهية جديدة خطوة ضرورية نحو قرارات أفضل حول مكافحة الجوع وتعزيز الرقعة الزراعية في مختلف أنحاء العالم).

إن المتابع لمثل هذه التصريحات والمخاوف من الخبراء في منظمة الفاو يدرك خطورة الوضع حول مستقبل القمح والمحاصيل الأخرى خصوصاً أن العالم يشهد انفجاراً سكانياً، حيث تبلغ نسبة زيادة السكان في العالم 6% سنوياً مما يدفع الخبراء في الأمن الغذائي إلى وضع سياسات واستخدام تقنيات أكثر تطوراً للمحافظة على الأمن الغذائي لتحقيق اكتفاء ذاتي وهو ما يسمى بالأمن الغذائي تاركة المجال لكل دولة أن تضع خططها وبرامجها لتحقيق ذلك.

وحققت كثير من الدول في السنوات الأخيرة خطوات متميزة في الأمن الغذائي ومن أهمها البرازيل حيث استطاعت أن تزيد الإنتاج في وحدة المساحة إلى نحو الضعف باتباع وسائل علمية حديثة ويمكن أن أوجز أهم العناصر التي تؤثر في تحقيق الأمن الغذائي فيما يلي:

العنصر الأول: وجود الاستقرار السياسي والاقتصادي مع وجود مناخ استثماري عالٍ يضمن للمستثمر حرية الاستثمار وهذا المناخ غير متوفر بأكثر دول الشرق الأوسط في الوقت الراهن باستثناء بعض الدول.

العنصر الثاني: وجود بنية تحتية على مستوى متقدم من موانئ ومطارات لنقل المحاصيل الزراعية.

العنصر الثالث: وجود البنية التحتية للخدمات الزراعية مثل أنظمة الري الحديثة وتوفر المعدات الزراعية والمدخلات الزراعية والطاقة الكهربائية كذلك وجود الصوامع والثلاجات المبردة لحفظ الأغذية لمدة طويلة تمتد لسنوات، وتوفر الوقود اللازم لعمل هذه الخدمات بأسعار منافسة.

العنصر الرابع: قدرة المزارع على زيادة الإنتاج في وحدة المساحة كما حصل للبرازيل.

العنصر الخامس: وجود قوي للإرشاد الزراعي ومراكز الأبحاث لتتغلب على المشاكل التي تطرأ على الزراعة أو المحاصيل الزراعية مثل مواجهة الصقيع أو بعض الآفات المفاجئة.

العنصر السادس: توفر المياه في المناطق وتوزيع المحاصيل حسب الخريطة المائية لكل دولة ومنطقة وهذا ما أتمنى أن يحدث لدينا في بلادنا.

وحسب تلك العناصر التي أشرت إليها في مفهوم الأمن الغذائي أجد أن بلادنا تتمتع بمقومات وعوامل تحقق الأمن الغذائي وخصوصاً أنها استطاعت خلال العقود الماضية من توفير القمح ذي الجودة العالية للمواطن وهو لم يكلفها ما يكلفها الآن، حيث إن سعر شراء القمح المستورد قد يكلف خزينة الدولة ما يقارب ثلاثة ريالات مع أجور النقل إذا استثنينا وجود أزمات متنوعة قد تنعدم بها توفر السلعة في العالم مهما كانت هناك اتفاقيات أو ضمانات لتوفير القمح كما حدث لجمهورية مصر العربية في الآونة الأخيرة، حيث اعتذرت روسيا عن تأمين ما التزمت به، وفي المقابل نجد أن البنية التحتية التي صرفها المزارعون في بناء القطاع الزراعي في بلادنا والتي تجاوزت أكثر من مئة وخمسين مليارا وتكاليف القروض التي قدمتها الدولة للقطاع الزراعي بلغت أكثر من 35 مليار ريال في حين أن 30% من أغلب سكان المملكة يعتمدون اعتماداً كاملاً على الزراعة وبالتالي فإن قرار إيقاف الزراعة التدريجي قد يزيد من نسبة العاطلين على العمل، بالإضافة إلى تأثيراته الاقتصادية في جميع الشركات المساهمة الزراعية وما أكثرها.

لكن السؤال الأهم لو تفاقمت أزمة القمح العالمية وقلت فرص تصدير القمح لجميع الدول المستوردة ووصل سعر كيلو القمح إلى أكثر من سبعة ريالات لأي ظرف من الظروف الطارئة أو القاهرة كيف سنواجه الأزمة؟ في حين أن بلادنا لديها قدرة لإنتاج ما يكفيها ويزيد على حاجتها حتى لو رفعت الدولة السعر نصف ريال أو ريال.

فالدراسات المتوفرة تفيد بأن المخزون المائي لأي منطقة جغرافية في العالم لابد أن يكون مرتبطاً بممرات مائية عميقة على بعد آلاف الأمتار من داخل جوف الأرض وقد أكد أحد العلماء أن الصحراء الغربية في مصر على سبيل المثال والتي تقع بين ليبيا ومصر بها كميات ضخمة من المياه تكفي لزراعة ملايين الهكتارات ولمئات السنين وأن هذا المخزون تسرب من مياه نهر النيل، وهذا ما يؤكد النظرية العلمية الحديثة.

أما بالنسبة لبلادنا فإن المنطقة الشمالية من المملكة وأقصد الجوف وتبوك وحائل تدل الدراسات على أن المياه الجوفية التي تسكن داخل أعماق الأرض في تلك المناطق تتسرب من أمطار تركيا وسوريا والأردن وأكبر دليل على وجود مشروع لدى الحكومة الأردنية لسحب المياه الجوفية من حوض الديسي الواقعة في المنطقة بين تبوك والجوف، وأعتقد أن الحكومة الأردنية لديها مشروع للاستفادة من الكميات الضخمة من هذه المياه المخزونة في حوض الديسي وجلبها إلى العاصمة عمان، وأتمنى من المسؤولين في وزارة المياه التأكد من هذه المعلومة من الحكومة الأردنية، إن الاستسلام لنظرية الأمن المائي قد تقودنا إلى التخلص من الزراعة تدريجياً التي هي واحدة من أهم روافد الاقتصاد الوطني خصوصاً أن بلادنا قارة وبها الآن ما يتجاوز 35 مليون نخلة، بالإضافة إلى وجود بنية صناعية كاملة تعتمد على الزراعة نتفاخر بها بين جميع دول المنطقة مثل منتجات الألبان والأجبان، وكل هذه المشاريع مشاريع تعتمد على زراعة الأعلاف.

إنني أقترح على المسؤولين في مجال الزراعة بالاشتراك مع وزارة المياه وضع نظرة علمية مفصلة أكثر دقة وأن يتم الاستعانة بأفضل الشركات المتخصصة بدراسة مخزوننا المائي وتقسيم المملكة إلى مناطق متعددة لزراعة الحبوب والأعلاف والخضار وغيرها، خصوصاً أن لدينا مناطق في جنوب المملكة أمطارها طوال العام ويمكن أن تكون هدفاً للشركات الزراعية بدل أن يذهب المزارع إلى خارج المملكة لدول قد لا تكون مستقرة سياسياً أو ان أنظمتها الاستثمارية لا تتوافق مع أبسط حقوق المزارع.

وأخيراً أتمنى إعادة النظر وبشكل سريع في إعادة زراعة القمح والوصول إلى إنتاجنا القديم 4 ملايين طن لكي نكتفي ذاتياً من الاستيراد الذي لا نضمن المتغيرات الدولية خصوصاً بعد أن ثبت لنا أن جودة المحصول السعودي من القمح هو الأفضل وهو الأوفر حتى لو رفعت الدولة سعر الشراء ريالين كما أنني أود أذكر المسؤولين والقراء بأننا دولة يبلغ عدد سكانها قرابة 30 مليونا من الصعوبة أن نعتمد اعتماداً كلياً في المستقبل على استيراد محاصيلنا خصوصاً الاستراتيجية بعد أن شهدت الزراعة نموا كبيرا ووصلت أرقام الإنتاج المحلي والحيواني إلى أرقام قياسية، لقد نجحنا في زراعة البطاطس والقمح والذرة والأعلاف والخضار وحققنا في جنوب المملكة زراعة المانجا، ووصلنا إلى درجات شهد لنا بها خبراء الفاو والمنظمات العالمية، ووصل إنتاجنا من الدواجن إلى أكثر من 60% من الاكتفاء الذاتي، وأقمنا مشاريع صناعية كثيرة تعتمد على الزراعة وأعطينا قروضاً من البنوك الصناعية للصناعات الغذائية وصلت إلى 20 ملياراً مثل مصانع البسكويت وشرائح البطاطس والمعجنات والمربيات بالإضافة إلى مصانع الألبان.

وقبل أن أختم أود أن أذكر المسؤولين بأن الخضار والفواكه وجميع المحاصيل السعودية بدأت تخضع لمعايير الزراعة النظيفة من استخدام مبيدات أكثر أماناً وهذا يؤثر في صحة المواطنين وكثرة الأمراض وتحديداً الأمراض المستعصية ونحن لا نستطيع أن نضمن جودة المنتجات الأخرى المستوردة خصوصاً أن عددا من الدول العربية لا تهتم بهذه المعايير، بل تستخدم مبيدات ممنوعة دولياً.



maysay777@hotmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد