Thursday  23/09/2010 Issue 13874

الخميس 14 شوال 1431  العدد  13874

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا     نسخة تجريبية
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

اليوم الوطني

           

في عصر العولمة الذي نعيشه لم تعد القيادة السياسية لبلد ما تحصر اهتماماتها على ما يجري ضمن حدود القطر الذي تديره وتشارك مواطنيه العيش والاهتمام، ولا يقتصر الاهتمام والمتابعة الفضاء الإقليمي وحتى القاري، فالقادة المؤثرون يمتد تأثيرهم إلى أبعد نقطة

من الكون بمقدار الثقل الدولي لهذا القائد أو ذاك، وبمقدار تأثيرات بلاده على ما يجري في العالم وإسهاماتها في التغيرات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية الدولية.

ومع أن القرار الدولي يكاد يكون مهيمناً عليه من قبل إدارة (القطب الأوحد) ونعني به الإدارة الأمريكية خاصة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي إلا أن تشابك المصالح الدولية وثورة المعلومات خفف من هيمنة القطب الأوحد، وكشف بروز وظهور قيادات إقليمية أصبحت لقراراتها وجهودها تأثير واضح على آليات صياغة القرار الدولي بعد أن امتدت إسهاماتها الإيجابية في معالجة الأزمات والمشاكل التي يواجهها العالم المعاصر.

وبين القيادات السياسية الإقليمية التي برزت على الساحة الدولية إن لم تكن أبرزها وأهمها قياساً على الإسهامات التي حققت إضافات إيجابية على مسيرة العمل السياسي الدولي وعلى الفكر السياسي الدولي شخصية الملك عبد الله بن عبد العزيز، شخصية محورية يطلب رأيها، وإسهامات المملكة العربية السعودية التي تعتز وترتقي بقيادته الحكيمة لها في الكثير من القضايا والأزمات الدولية.

والواقع أن الرأي السعودي وبالذات رأي وموقف خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز يحرص عليه من أهم المنظمات والهيئات الدولية والتجمعات الدولية، ومراكز الدراسات والقيادات الروحية والفكرية والسياسية، وقد لاحظنا كمراقبين سياسيين أن منظمة الأمم المتحدة بكامل فروعها المختلفة وأمينها العام السيد بان كي مون، وقبله كوفي عنان تحرص على التواصل والحوار مع الملك عبد الله بن عبد العزيز، كما أن قادة الدول الكبرى والدول النامية والدول الإسلامية والعربية جميعها حريصة، وحريصة جداً على التواصل، والحديث المستمر مع الملك عبد الله بن عبد العزيز، وهذا ما جعل مراكز البحث والدراسات والدوائر السياسية والاقتصادية والاستراتيجية تتنبه لهذه الخاصية التي تختص بها القيادة السعودية وخاصة الملك عبد الله بن عبد العزيز وأخذوا يتقصون ويبحثون أسباب تنامي وتصاعد هذه الخاصية، فظهر لهم أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز من القيادات السياسية المفكرة فهو لا يقتصر على القيام بالمبادرات العملية الدولية والمحلية وتحقيق الإنجازات وخاصة في مجالات الإصلاح الداخلي السعودي وخاصة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي المجالات الإقليمية، وبالقيام بدور فاعل لتعزيز التفاهم والسلم الإقليميين وفي المجالات الدولية بالعمل على تخفيف آلام البشر، والسعي بجد لمساعدة الشعوب والدول المحتاجة والتخفيف عن الأسرة الدولية في معالجة العوائق التي تعترض مسارات التنمية وأساليب المعيشة والعمل بإخلاص لتعزيز الأمن والسلام العالميين.

وجدوا أنه لم يقدم فقط هذه الإسهامات العملية، بل أسهم فكرياً في تقديم الأفكار وتنظيم اللقاءات والمؤتمرات لنقل هذه الأفكار إلى التطبيق والعمل على جعلها ثقافة ومنها أفكاره وآراؤه عن آليات وأساليب مواجهة الإرهاب وأهمية وضرورة تعميم الحوار وجعله ثقافة عالمية تزيح ما حاولت بعض الجهات والقوى المنغلقة فرضه على المجتمع الدولي وطرح الملك عبد الله بن عبد العزيز لهذا المشروع الإنساني والفكري الذي يشمل كل أبناء البشرية لم يكن طرحاً عاطفياً، بل جاء مدعماً بآليات تحقيقه والمحاور التي يسعى إلى تحقيقها، حوار يستهدف مناصرة الإيمان في وجه الإلحاد، والفضيلة في مواجهة الرذيلة والعدالة في مواجهة الظلم والسلام في مواجهة الصراعات والحروب والاخوة البشرية في مواجهة العنصرية..

غيض من فيض لفكر عبدالله

إشاعة ثقافة السلام عبر الحوار

حتى وفي أشد الأوقات تأزماً، كانت البشرية تجسد فسحة من التفاهم وتحكم العقل والحكمة لإيجاد صيغ تجعل أبناء الكوكب الواحد قادرين على العيش على هذا الكوكب مكتفين بما يختزنه من خيرات، ولهذا فقد كانت البشرية في العصور الأولى والوسطى أكثر سعادة لأنها كانت تؤمن بالرسائل السماوية المنزلة، وتأخذ بالثقافات والفلسفات الفكرية والحضارية التي كانت تعمل على تهذيب الفعل الإنساني وتحريك النوازع الأخلاقية لمواجهة أطماع النفس البشرية وشرور وأفعال الطغاة الذين يذكرهم التاريخ كمثيري الحروب ومشعليها بسبب طغيان الرغبة والأطماع في الاستحواذ والسيطرة على النفوذ والمكاسب والخيرات.

ومع أن البشرية تهذبت ثقافاتها وتقدمت علمياً بفضل التقدم العلمي والحضاري، إلا أنها غرقت بالماديات وابتعدت عن الجوهر الحقيقي للحضارة الإنسانية نتيجة الاهتمام بتحقيق المكاسب المادية على حساب الأخلاق والاهتمامات الإنسانية.

وبهذا دخلت البشرية ما يمكن تسميته بالعالم المادي الذي لا يستند على أسس أخلاقية، بعد أن تناسى العالم هذه الأسس التي بشرت بها الرسائل السماوية والاجتهادات الفلسفية والفكرية والثقافية على مرور العصور.

وهكذا غابت قيم الحياة وثقافة السلام والأخلاق، وحلت معها الرغبة الجامحة لأنانية الذات حتى أصبح شعار (الغاية تبرر الوسيلة) هو الشعار الذي يحكم تصرفات البشر دولاً وأفراداً.

هذا الانحدار الأخلاقي والسلوكي جعل الخيرين يتساءلون عن الوجهة التي يسير إليها العالم، وهل يمكن تحسين وتعديل (البوصلة) التي يسير عليها العالم؟.

هذه البوصلة والتي إن لم يُحسن توجيهها بعد إصلاح التوجهات وأجندات السياسة والاقتصاد في العالم ماذا سيحل بالبشرية؟.. وما الذي يمكن عمله ليتمكن البشر بمختلف دياناتهم وثقافاتهم ومرجعياتهم العقدية من مواجهة هذا الانحدار الذي تسير إليه البشرية؟.

هذه الهموم والتساؤلات تراود الكثير من المفكرين والقادة، إلا أن القلة من يبحث عن حلول ومعالجات عملية توقف هذا الانحدار وتستنبط منهجاً ومسالك لصياغة ثقافة تنتشل الإنسان من حيرته وتحفز الكنوز المخبأة لدى النفس البشرية. وإذا كانت أسمى الأيدلوجيات والأفكار الإنسانية التي لاقت رواجاً وتقبلاً في عصور وأزمان مختلفة عاشتها البشرية، بدءاً من عصر الأنوار إلى الوقت المعاصر، كالنظرية الماركسية والاشتراكية والرأسمالية، وحتى الأفكار الإغريقية المبنية على الديمقراطية التي برغم ما حظيت به من تجييش للأتباع وامتداد أعمى على مستوى القناعة والتأثير فإنها لم تصل تلك التجريدات العليا التي تتجاوز أطر الأيدلوجية والأطر الحزبية الفضاءات الإنسانية ولهذا ولكي تكون المعالجة فعالة ومجدية فكان لا بد من انتهاج أسلوب يشرك الجميع في صياغة (الإنقاذ) إن صح التعبير بالاستفادة من كل ما تختزنه الرسل السماوية والثقافات الإنسانية من أديان وحضارات لتوظيفها بكل أبعادها الفكرية لتهذيب سلوك الإنسان والمجتمعات والدول والنخب القائدة وهذا ما توصل إليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بتوظيف واستثمار الحوار الحضاري بين مختلف أتباع الأديان والثقافات حتى يمكن التوصل إلى صياغة عصر جديد من التفاهم من خلال إشاعة ثقافة السلام عبر الحوار الذي يصل من خلال منتدى نيويورك إلى محطته الثالثة بعد مكة المكرمة ومدريد.

(2) مراحل تطور ثقافة الحوار

النهج الذي يعمل به خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، والذي أخذ المتابعون يتلمسونه ويتفهمون أُطره من خلال أقوال وخُطب الملك عبدالله بن عبدالعزيز خصوصاً في لقاءاته مع المفكرين والكُتَّاب، وبما أن الملك عبدالله يتبسط كثيراً ويكشف كثيراً عن مكنونات قلبه وما يفكر فيه أثناء حديثه مع المفكرين والأدباء فقد تلمَّس المتابعون بوادر فكر منهجي يسعى المليك إلى تمريره إلى المفكرين والأدباء وجعله نهجاً يسلكه الفكر للوصول إلى الغايات السامية.

في اللقاءات الموسمية التي كانت تتم مع ضيوف الجنادرية من المفكرين والأدباء الذين يشاركون في هذا المهرجان الفكري والثقافي الكبير من رجال الفكر والأدب والصحافة المسلمين والعرب والسعوديين أخذت سمات (فكر عبدالله) تتضح وتظهر، فأخذ الراصدون يُسجلون ويُتابعون تدوين فكر يجب أن يتابع ليس لأنه صادر عن قائد عربي يقود دولة محورية مؤثرة، ومشارك فعَّال في مسيرة أمة تستند إلى قاعدة صلبة في الدين والمعتقد، فالعقيدة الإسلامية والنهج الإسلامي الواضح كان ولا يزال الأساس الذي انطلق منه (فكر عبدالله).

البداية كما أوضحنا كانت حوارات، وخطب وكلمات المليك أمام ومع المفكرين والأدباء، ثم أخذت الأفكار والأقوال تأخذ طريقها للتطبيق وتتجسَّد على الطبيعة والواقع، فكانت جلسات الحوار التي انطلقت في البداية ضمن حدود المؤتمرات واللقاءات المتخصصة لتتوسع بعد ذلك، ويُنشأ لها مركز متخصص للحوار الوطني، وتعمم (النظرية) لتصبح واقعاً ثقافياً واجتماعياً، حيث أصبح الحوار نهجاً في الثقافة السعودية، وأصبح للحوار موعد موسمي يُعرف كل عام وتحتفي به مناطق المملكة وشرائح المجتمع، حتى أصبح المجتمع السعودي مجتمعاً يؤمن بالحوار ويأخذ به، وعُدَّت ثقافة الحوار إحدى السمات التي بدأت تتجسَّد في سلوكيات المجتمع الذي كان وإلى وقت قريب منغلقاً على نفسه متمسكاً جداً بما ورثه من تقاليد وسلوكيات اعتبرها من الثوابت التي لا تقبل النقاش..!!

هذا ما انتهت إليه مراكز الرصد والمتابعة التي تهتم كثيراً برصد مسيرة المجتمعات وتأثير الأفكار والتطور الذي تسعى إلى تحقيقه قيادات الشعوب.

وثقافة الحوار التي سعى إلى إطلاقها خادم الحرمين الشريفين لم يكن هدفها تعميم أساليب التسامح والفهم والتفاهم بين أفراد المجتمع السعودي الواحد فحسب، بل أراد لها أن تكون منطلقاً للتسامح والتفاهم مع الآخر، والآخر هنا الفكر والمعتقد المذهبي والديني والفكري سواء كان ذلك الفكر سياسياً أو فلسفياً، ومن هنا كانت جهود خادم الحرمين الشريفين في توسيع دائرة الحوار والانطلاقة به نحو الخارج بالتوسع نحو حوار الآخر مذهبياً لصياغة وبناء ثقافة الحوار داخل المكوَّن الإسلامي حتى يمكن المحاور الأخرى عقائدياً ودينياً، فكانت المرحلة التي توِّجت بمؤتمر مكة المكرمة الإسلامي الذي استهدف إطلاق حوار المذاهب الإسلامية للانطلاق نحو آفاق أكثر اتساعاً بالولوج وممارسة ثقافة حوار الأديان والحضارات.

(3) تحويل الفكر ثقافة عالمية للسلام

القنطرة التي يجب أن يجتازها الفرد للتعايش بسلام مع باقي أفراد المجتمع، وكذا المجتمعات مع بعضها بعضا على هذا الكوكب هي أن يفهم بعضهم بعضا.. وبما أنه لا يمكن أن تفهم الآخر ما لم تعرف فكره وامتداداته التاريخية والعقدية وما هي الأسس والمرتكزات الأيدلوجية والدينية والفكرية التي يستند إليها في فكره، والتي تشكل بواعث ومحركات سلوكيات وأفعاله. وكل هذا لا يمكن أن تفهمه وتصل إلى معرفته إلا بالحوار والتعايش مع ذلك الفرد أو مع أفراد تلك المجتمعات، فالأمم تعرف بثقافاتها والحضارات تفهم بمكوناتها الثقافية والفكرية، وهذه المعرفة يتم الوصول إليها بالاطلاع على النتاج الفكري والمعرفي لتلك الأمم، وبربط هذا المخزون الحضاري والسلوكي لما تؤمن به من ديانات ومعتقدات وما تسير عليه من سلوكيات ثقافية وحضارية.

دراسة وتفهم كل هذه الروابط والمحاور يجعلاننا أكثر قرباً للآخر سواء كان هذا الآخر فرداً أو مجتمعاً أو حتى أمة تجمع مجموعة من الدول. وهذه الدراسة والتفهم لا يمكن أن يكونا مكتملين بالاعتماد فقط على الدراسة والبحث في المؤلفات بل يتعززان ويصبحان أكثر واقعية وحقيقية إذ ما حاورت الشخص أو الرموز الفكرية والدينية والثقافية للمجتمع والأمة، وهنا تنبع أهمية الحوار، الذي هو في حقيقته سبر لثقافة ومعتقد وسلوك الآخر فرداً أو مجتمعا أو أمة.

من خلال هذا الفهم انطلقت جهود خادم الحرمين الشريفين في إرساء ونشر ثقافة الحوار، فمتى نفهم بعضنا بعضا ونعيش متسامحين متحابين في المجتمع السعودي الواحد علينا أن نفهم ونتفهم بعضنا بعضا والذين يتذكرون يعرفون كم كانت حياتنا رائعة وجميلة لأننا نعرف بعضنا بعضا في الحي الواحد، بل وفي المدينة الواحدة، ولذلك نجد أهل القرية ثم المدينة أكثر حباً لبعضهم بعضا وأكثر تماسكاً.

هذا المجتمع المتماسك، مجتمع القرية أو مجتمع المدينة وحتى المجتمع الأشمل، مجتمع الدولة والأمة يصبح أكثر تفهما وبالتالي قدرة على طرح أفكاره ومكتسباته الثقافية الحضارية من دينية وفكرية للمجتمع الآخر، طرحاً واعياً ومتمكناً وفاهماً، لأنه ببساطة يفهم ويعلم عما يدافع عنه ويتكلم عنه، وهو ما تؤسس له ثقافة الحوار وتجعله واقعاً معاشاً لا يشعر الفرد بأي غربة أو تناقض وهو يمارسه مع الآخر.

هذا ما حققه (فكر عبدالله) هنا على أرض المملكة، وقد سعى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى توسيع دائرة الفهم والتفهم لتعم العالم الإسلامي جميعاً، بل ويمارسها كل المسلمين أينما كانوا، بدءاً في تفهم أحدنا للآخر بغض النظر عن معتقده المذهبي ودون أن يفرض عليه الأخذ بذلك المذهب سواء بالإغراء والترغيب أو بالتطهير المذهبي كما حصل في بعض الأقطار الإسلامية ولهذا كان مؤتمر مكة المكرمة الذي كان سامياً في مقاصده وحقق الشيء الكثير، على الأقل في صياغة موقف إسلامي تجاوز المشاركون فيه عن الكثير من التناقضات والتشنجات التي كانت تثيرها الاختلافات المذهبية بهذا الموقف شبه الموحد شارك المسلمون في المؤتمر الدولي لحوار الأديان في مدريد ليصبح نهج وفكر عبدالله، مسعى ومطلباً أممياً وتتنادى الهيئات والمنظمات الدولية لتعميمه ونشره حتى يتحول ملكاً ونهجاً أممياً كثقافة عامة عالمية للسلام.

4- ولوج العالمية

أن يطلق المسلمون ثقافة الحوار لإشاعة السلام والتسامح والتفاهم بين أبناء البشرية، من مكة المكرمة التي انطلقت منها رسالة الإسلام، فهذا يعني الكثير من حيث رمزيّة المكان وسموّ المقصد، وأهداف صاحب المبادرة ومطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وهو مع هذا يُعَدّ تمازجاً ما بين الفكر والتطبيق، فثقافة الحوار يريد الملك عبد الله بن عبد العزيز جَعْلها جسراً للتواصل الحضاري بين أبناء البشرية، مستلهماً الكنوز العقدية والإيجابية، والقيم الأخلاقية التي تحفل بها الرسالات السماوية التي بعث الأنبياء والرسل ليبلِّغوها للبشر، وإنْ أهملت فإنّ الله يسخِّر من عباده من يعيد إحياءها وتنشيطها لمنفعة الناس.

ولكي تكون الفائدة أعمّ وأكثر معاصرة وشمولية، انكبّ خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز على دراسة وتتبُّع القيم الأخلاقية والفكرية والسلوكية في النتاج الفلسفي والثقافي الإنساني، الذي حفلت به الحضارات الإنسانية المتعدّدة، ليستنبط من جواهره المكنونة ما يتلاءم مع ما تحثّ عليه الرسالات السماوية، من أجل صياغة فكر متكامل من خلال تزاوج غير مخل بين الشرائع والفكر الفلسفي والثقافات الإنسانية، وهكذا التقى أتباع الأديان وروّاد الفكر الفلسفي والثقافي وعلماء الأديان والمفكِّرون في مؤتمر مدريد، حيث تصافح في فندق أودوتيريوم مئات الرموز الدينية الذين يمثلون الديانات الرئيسية الثلاثة الإسلام والمسيحية واليهودية، ومرتادي ومفكِّري الفلسفات والثقافات الإنسانية، وانخرطوا جميعاً في حوار مفتوح ومتسامح، حيث لمس كلُّ من شارك في مؤتمر مدريد أنّها ربما المرة الأولى التي يكون فيها النقاش والحوار غير متشنّج، وبعيداً عن محاولات فرض المعتقدات، وإظهار كل شخص بأنّ عقيدته أو فكره وحده الأفضل والأصلح للبشرية .. كلٌّ طرح أفضل ما تبشِّر به رسالة دينه أو معتقده، أو فكره الفلسفي ونهجه الثقافي، بعيداً عن التشدُّد والغلوِّ في إظهار حسنات معتقده.

وبعد ثلاثة أيام من الحوارات المستفيضة .. حوارات ونقاشات غلبت عليها روح التسامح والتفاهم، وغابت عنها لغة التصعيد والتشنّج والخلافات السياسية ظهر الجميع، والذين يمثلون البشرية جمعاء، قريبين لبعضهم البعض كبداية اعتبرها كثير من الراصدين لحركة التاريخ أنّها إعادة لتشكيل وجه العالم من جديد وفق إشاعة ثقافة السلام عبر الحوار، من خلال الاقتناع بفكر عبد الله الذي يصل قطاره اليوم إلى محطته الثالثة... محطة أكثر عالمية.. وأكثر اتساعاً وشيوعاً.. فمحطة نيويورك هي محطة كل العالم باعتبار نيويورك محتضنة بيت البشرية .. منظمة الأمم المتحدة.

5- إعادة التوازن للسلوك الإنساني

مثلما كان متوقعاً، فقد تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة وعلى أعلى المستويات مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، التي جسدت (فكر عبدالله) باعتماد الحوار كلغة عالمية لنشر ثقافة السلام.

وقد مرت جهود خادم الحرمين الشريفين بعدة مراحل لنشر ثقافة السلام والتسامح عبر تعميم الحوار بين البشر جميعاً، إذ بدأت جهوده - حفظه الله - بنشر واعتماد نهج وأسلوب الحوار للتعامل بين أفراد المجتمع، وبذل من أجل تدريب وتعليم المجتمع السعودي على الأسلوب الحضاري في التعامل الذي يجعل من الأخذ بالتسامح والتفاهم والمجادلة بالتي هي أحسن الطريقة المثلى للتعامل بين أفراد الشعب.

هذا الأسلوب الذي أصبح مرتكزا أساسيا من ثقافة المجتمع، واعتمد لمعالجة وحل الكثير من القضايا من خلال إشراك أكبر مساحة من الشرائح من هذا المجتمع في مؤتمرات سنوية، هدف من خلال عقد دوري، بأن يصبح الحوار نهجا وأسلوبا وثقافة سعودية لمعالجة ليس فقط الأزمات والقضايا الطارئة بل أيضاً للتعود وللتدريب على ممارسة هذا النوع من النهج والتعامل الحضاري، ولذلك فقد وجه خادم الحرمين الشريفين بإنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني ليكون (مصنعاً) يتم من خلال مفكريه وعلمائه الذين يصنعون برامجه وآلياته تجذير التجربة وتصبح أهم ركائز الإصلاح الاجتماعي والسياسي والسلوكي الذي يسعى الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى تنفيذه وتحقيقه.

وهكذا وعبر الحوار وآلياته تحقق الكثير من الإضافات والإنجازات الإصلاحية، وبما أن للحوار في (فكر عبدالله) هدفين أو لنقل مسارين؛ مسار محلي وهو ما تحقق في إشاعة ثقافة التسامح والتفاهم عبر الحوار داخل المجتمع السعودي، فكان من الضروري تفعيل المسار الآخر بالتبشير والسعي لاعتماد الحوار لنشر ثقافة السلام بين الشعوب والمجتمعات الأخرى في مختلف مناطق العالم. ولذلك وبعد تفاهم وحوارات توصل علماء ورجال الفكر في المذاهب الإسلامية إلى اعتماد لغة ونهج الحوار للتفاهم انطلق خادم الحرمين الشريفين نحو الفضاء العالمي لنشر نهجه وفكره فكان عقد مؤتمر مدريد الذي رفعت نتائجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الأخيرة التي تعقد هذا العام متزامنة مع الذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حيث وجد قادة الدول أن توصيات وقرارات مؤتمر مدريد الذي أعطته رعاية خادم الحرمين الشريفين رمزية روحية ودينية كونه الملك عبدالله بن عبدالعزيز الإمام الروحي للمسلمين بوصفه خادما للحرمين الشريفين الذي تدير بلاده المقدسات الإسلامية في مهبط الوحي بمكة المكرمة ومثوى نبي الإسلام وهادي البشرية محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، وبضيافة العاهل الإسباني خوان كارلوس، ملك البلاد الذي يرمز إلى أفضل تعايش حضاري بين المسلمين والمسيحيين مثَّل ذلك المؤتمر بعداً رمزياً، واختراقاً حضارياً نبه قادة العالم بإمكانية تكرار تعايش المسلمين والمسيحيين واليهود مثلما حصل في الأندلس إبان حكم المسلمين.

وإذ تحتضن الأمم المتحدة المؤتمر العالمي الثالث للحوار، فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة وبوصفها الممثلة لكل البشر تكون قد أقرت واعترفت بالإسهام الإنساني والفكري لخادم الحرمين الشريفين في تطوير السلوك الإنساني وتهذيب حقوق الإنسان والرفع من شأنها بالالتزام بالحريات الأساسية مع احترام معتقدات أتباع الأديان وأصحاب الثقافات من خلال إيجاد آليات عمل وتعاون بين الحكومات ومنظمات المجتمع المدني والجماعات الدينية والمنظمات الفكرية بتفعيل أفضل لحوار الأديان والحضارات.

هذا التفعيل والتحريك للفعل الإنساني يعد أفضل جهد في عصر تداخلت فيه المصالح والأفكار وكادت المصالح تطغى على القيم.. فجاء فكر عبدالله، ليوقد من جديد شعلة القيم الدينية والحضارية والثقافية لإعادة التوازن للسلوك الإنساني..

ملك يجسد رسالة الوطن

ثمانية وسبعون عاماً عمر الدولة الثالثة.. فغداً نحتفل بالذكرى الثامنة والسبعين لقيام المملكة العربية السعودية.. وهذا ليس معناه أن الدولة السعودية يقف عمرها عند هذه الحقبة الزمنية، فالدولة السعودية يؤرخ لها منذ إطلاق الإمامين محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب الدولة السعودية الأولى بالدعوة الإسلامية وتجديدها وفق الأسس الصحيحة للشريعة الإسلامية، ولهذا فإن عام 1744م هو بداية الدولة السعودية.

وهكذا فإن الدولة السعودية الثالثة، التي تعد الدولة السعودية الحديثة التي أسسها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود والتي هي امتداد للدولة السعودية الأولى هي تواصل لتاريخنا السعودي المجيد، إنها الذكرى الثامنة والسبعين لانطلاق هذه الدولة الفتية والتي شكلت إضافة كبرى ومهمة في مسيرة العمل الإسلامي والإنساني على حد سواء.

وبما أن الدول والشعوب تستفيد من هذه المناسبات لتقييم مسيرتها وإنجازاتها ومعالجة أوجه القصور ودعم الإيجابيات فإن الواجب أن نستعرض مكانة المملكة وقيادتها في العالم في الفضاء الإسلامي والعربي، وبما أن الدول تقوى أو تضعف وفق قدرة ومهارة قادتها، فإننا نستعرض ما قام به قائد هذه الأمة، ومليك هذا البلد لنقيم مكانة الوطن، فخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، عاهل المملكة العربية السعودية، وقائدها وراعي نهضتها، جدد وأعلى الدور السعودي ليس فقط على المستوى العربي ولا في المحيط الإسلامي، بل تعدى ذلك وبمهارة إلى الآفاق العالمية، فالمتتبع لخطوات وأعمال الملك عبدالله بن عبدالعزيز يرى أن إنجازاته الإصلاحية في الداخل وسعيه الدؤوب لرفع المستوى العلمي والثقافي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي داخل المملكة يرافقه حضور سعودي قوي في المحافل الدولية ولقد أنصف الدارسون والباحثون في المراكز البحثية السياسية والاستراتيجية هذا الملك الإنساني والقائد الفذ، وأطلقوا عليه بصدق داعية سلام إنساني بلا منازع من خلال دراستهم وتقييمهم لجهوده غير المسبوقة في كافة الاتجاهات من أجل السلام والأمن، فمنذ تحمله مسؤولية قيادة المملكة بعد مبايعته ملكاً على البلاد وقبلها أقدم على اتخاذ العديد من المبادرات التي تصب جميعها من أجل تحقيق الوئام والسلام والوفاق بين أبناء البشرية جمعاء.

وقام بجولات مكوكية ومشاورات مكثفة مع القيادات السياسية العربية والإسلامية والدولية، يعرض الأفكار والمبادرات ويجتمع ويجمع المختلفين والمتناحرين ليسوي بينهم ويعالج خلافاتهم من فلسطين إلى العراق إلى السودان وتشاد والصومال، ثم انطلق نحو الآفاق الدولية من أجل ردم هوة الخلافات والقضاء على الصراعات الطائفية والعنصرية والدينية بتبنيه ثقافة الحوار والانفتاح على الآخر، تفهماً وليس فرض الرأي والفكر، بل اعتماد لغة الحوار ونبذ العنف وتطوير العمل الحسن من أجل الإنسان، فكان بحق خير مليك يثبت رسالة وطن يعمل من أجل نشر العدل والحق والسلام.

عندما يحل اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية «يوم الوطن» من خلاله نظهر فرحنا وسرورنا به، لأن حب الوطن من الإيمان.. والإخلاص للأرض التي نعيش من خيراتها، والتي منّ الله علينا بأن جعلها بلاداً آمنة مستقرة في ظل قيادة تخاف الله وتحكم بشرعه.

اليوم الوطني.. هو يوم الوطن وعلينا نحن السعوديين أن نحيي هذه الذكرى ونظهر فيها حبنا وتعلقنا في وطننا الذي يعد أقدس بقعة على الأرض، والذي يحتضن أحفاد الصحابة رضوان الله عليهم.

والواقع أننا السعوديون لا نظهر تعلقنا في وطننا مثل باقي شعوب الدنيا، فإلى وقت قريب كنا لا نهتم برفع علمنا الوطني الذي هو فخر كل مسلم فكيف بنا نحن كسعوديين ديننا الإسلام، ولا نهتم بمناسباتنا الوطنية وكأن التعلق وإظهار حب الوطن نوع من المداهنة أو التخلف، في حين عز كل إنسان مستمد من وطنه ومن مآثره وتاريخه، والحمد لله تاريخنا السعودي تاريخ مجيد يفتخر به كل المسلمين فما بالك نحن السعوديين، ولهذا فإن انتهاز المناسبات الوطنية ومنها ذكرى اليوم الوطني للاحتفال بها وإظهار تعلقنا ببلادنا وقيادتها واجب وطني غفلنا عنه كثيراً حتى ضعف وللأسف الشديد الاهتمام عند الناشئة بهذه المناسبات التي نرى احتراماً لها وحباً لها لدى الشعوب الأخرى التي تقيم الاحتفالات وتحيي المناسبة بما يذكر ويعمق الانتماء عند الأبناء ويشعر الآباء والأجداد بأن جهادهم وجهاد المؤسس الملك عبدالعزيز لم يذهب سدى، وأن الاحتفال بهذه المناسبة هو احتفال بجهاد ثلاثة وثلاثين عاماً أنجز الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود وصحبه ومن ثم أخوانه وأبنائه من شعب المملكة العربية السعودية أعظم وحدة عربية في العصر الحديث وحدت أرض وأبناء جزيرة العرب.

هذا الجهاد الذي تواصل من قبل شعب وقيادة التزمت بنهج الشريعة الإسلامية، فأصبحت بلادنا فخراً لكل مسلم، ولكل عربي لمبادرتها الإنسانية والحضارية والتي أخذت تتكثف في عهد الملك الإنسان عبدالله بن عبدالعزيز، فأصبحت بلادنا بحق مملكة الإنسانية، مملكة من خلال قائدها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز تقدم المبادرات الإنسانية والحضارية العالمية والتي كان آخرها وليس أخيرها عقد مؤتمر الحوار العالمي الذي عقد في مدريد والذي جمع القادة الروحيين والمفكرين بجميع الأديان السماوية والفلسفات الفكرية والتي تعد أهم مبادرة تآخي وتقرب بين البشر.

ويحق لنا كسعوديين أن نفخر ببلادنا، وأن نحتفل ونحتفي بالمناسبات الوطنية، فالمملكة العربية السعودية ومنذ إنشائها على يد الملك المجاهد عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، وهي دولة إيجابية وضعت كل إمكاناتها المادية والدولية في خدمة العرب والمسلمين والإنسانية جمعاء، والباحث المنصف في تاريخ هذه الدولة الفتية التي قامت على الشريعة الإسلامية يرى أن إسهامات المملكة في العمل العربي المشترك والعمل الإسلامي الجماعي والمساهمة مع الأسرة الدولية في نشر السلام وتعزيز الاستقرار، إسهامات عديدة تتفوق على كثير من الدول التي تأسست قبلها ولها إمكانات أكبر.

فالمملكة العربية السعودية التي حباها الله بقيادات تخاف الله تعمل من أجل الإنسان السعودي والعربي والمسلم والناس جميعا إذ يحفل تاريخ هذه القيادات بالكثير والكثير من الأعمال والمبادرات التي تصب في خدمة الإنسان أي إنسان مهما كان انتماؤه القومي أو الديني، هذه القيادات وإن ركزت على خدمة المواطن السعودي فأطلقت مسيرة التنمية واستثمرت موارد الوطن لإطلاق أكبر عملية تنمية وتحديث وتطوير وطن، فحولت صحراء الجزيرة العربية إلى مدن مزدهرة كانت بدايتها مبادرة الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن في توطين البدو والقبائل، فأنشأ الهجر والمدن الصغيرة التي أصبحت مدنا كبرى، وأدخل الزراعة والتحضير فنقل النسبة الكبرى من شعب المملكة إلى حياة التحضر والتمدن، وتواصلت عمليات النمو والتطور لتصبح المملكة واحدة من أفضل الدول التي حققت تطوراً ونمواً في فترة وجيزة، وإذا كانت الدول لا تقاس بالسنين، إلا أن العمر القصير نسبياً في حياة الدولة السعودية (78) عاما وما تحقق في هذه الفترة الزمنية في حياة الشعوب والدول يعتبر ما تحقق في المملكة العربية السعودية من إنجازات في مجالات التنمية والخدمات الاجتماعية والمكانة الدولية شيئا أكثر من ممتاز، خاصة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، فنحن والحمد لله نعيش عهداً زاهراً بكل المقاييس ويكفي أن التعليم العالي تطور بشكل مذهل فأراضي المملكة تحوي أكثر من عشرين جامعة حكومية ومثلها أو أكثر جامعة أهلية، وعشرات الكليات المتخصصة، كما أن التعليم العام يشهد تحسناً بعد أن أخضعت البرامج التعليمية والمناهج للتطور والمراجعة الدائمة، كما تحسنت الخدمات الاجتماعية والصحية حيث يتابع المليك جهده وسعيه إلى تحسين أوضاع الطبقات المحتاجة من أسر فقيرة ومتوسطة، ويشعر بمزيد من الغبطة والتفاؤل خاصة في مجال توفير المسكن المريح وتحقيق الحاجات المعيشية، كما أن مستوى الخدمات الصحية في تحسن دائم.

لا نقول إن كل شيء على أكمل شيء ولكن طالما أن القيادة والمليك على وجه الخصوص قد وضع على رأس اهتماماته تحسين أوضاع الشعب فإننا - بعون الله - سنصل إلى الهدف المنشود.

هذا الجهد الملموس في تحقيق التطور والإصلاح داخل المملكة يصاحبه حضور دولي عال رفع من مكانة المملكة دولياً وجعلها من الدول التي يحسب لها حساب وتقدر مساهماتها ومبادراتها الإيجابية، وما زالت الدوائر السياسية والثقافية وحتى الدينية تتحدث عن المبادرة غير المسبوقة التي جسدتها دعوة وقيام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بتنظيم مؤتمر حوار الحضارات الذي قدم لممثلي الأديان والثقافة جوهر الإسلام الحقيقي، الإسلام الذي يسعى إلى تحقيق الخير والسلام للبشرية جمعاء.. ( صحيفة الجزيرة «أضواء» 24:22-9-2008) .

ويحلو الحديث في يوم البيعة عن ملك مَلَكَ القلوب فمنحته الأفئدة حبها ورصعته بالولاء والإخلاص والوفاء.. ملك جند نفسه ووقته وكل تفكيره لخدمة شعبه، لم يضِع وقته بالانشغال بما يصرفه عن البحث عن عزة وطنه وأهله، فتراه يقدم المبادرات الطيبة، الواحدة تلو الأخرى، فما أن يتم إنجاز مشروع حتى يولد مشروع آخر.. ليست مشروعات التنمية وحدها هي التي حفل بها عهد عبدالله بن عبدالعزيز، بل مشروعات إصلاح الفكر والوطن، وإعادة صياغة البناء، ليعاد صياغة تاريخ وطن.. بدأت من نشر رسالة الإسلام. وطن موئل العرب وأصلهم، فكان لا بد من أن يعيد إطلاق رسالة العرب والمسلمين السامية، وهو ما أتحفنا به رب العزة والجلالة.

قائد رمز للوفاء والصدق في القول والعمل.. إنسان بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان، لم يحصر إنسانيته في نطاق ضيق؛ إذ شملت كل البشرية فحاز عن جدارة مسمى ملك الإنسانية ملك المبادرات ولأنه لا يفكر إلا في صالح المواطن السعودي والإنسان العربي الإسلامي، فقد تواصلت مبادراته الخيرة التي لم تقتصر على وطنه ومواطنيه السعوديين فامتدت إلى إخوته العرب المسلمين جميعاً، اهتم بإخوته وأشقائه العراقيين فجمعهم في رحاب مكة المكرمة.. وساءه استمرار قتال الفلسطينيين فدعاهم إلى البيت الحرام عساهم يحرموا سفك الدم الفلسطيني.

حاول مصالحة السودانيين والتشاديين كإخوة عقيدة، واهتم بشؤون كل العرب والمسلمين فجاءت دعوته للمصالحة ونسيان الأحقاد في الكويت أسلوباً لكل من يريد عمل الخير وتصفية الأحقاد وغسل القلوب.. يريد قلوب كل العرب والمسلمين مثل قلبه نظيف محب لا يحمل الضغائن، بل أكثر من ذلك يسعى لأن يكون العالم.. عالماً خالياً من الحروب والصراعات فدعا إلى الحوار بين الأديان والثقافات.

قائد امتد نشاطه وحبه وفكره وإنسانيته ليشع على أرجاء البسيطة، ملك امتلك حب شعبه.. وحب أمته.. وحب كل من عرفه.. نبايعك يا ملك الإنسانية ويا رجل الإنسانية ويا من تنشر المحبة والصدق.

رجل المواقف الذي يؤسس لتاريخ يعيد انطلاق الأمة من جديد.

نجدد الحب لهذا الملك المصلح رجل الفكر وناشر ثقافة السلام في مجتمعنا والفضاء العالمي مجددين كل مساحات الوفاء والإخلاص في يوم الوطن.

 

عبدالله بن عبدالعزيز مفكراً
الفكر السعودي السياسي ترجمة لنهج الملك عبدالله كثقافة عالمية للسلام
جاسر بن عبد العزيز الجاسر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا خدمات الجزيرة الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة