Wednesday  29/09/2010 Issue 13880

الاربعاء 20 شوال 1431  العدد  13880

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا     نسخة تجريبية
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الأخيــرة

           

هل يقبل أي مسؤول إداري في أي موقع صغير أو كبير، ألا تحترم وتنفذ تعليماته وتوجيهاته؟. بالطبع لا، إلا إذا كان لا يعرف أن جهازه الإداري والتنفيذي الممتد من باب مكتبه إلى المواطن يمارس معه الخداع ويغذيه بمعلومات خاطئة.

هل تسكت أية دولة على الالتفاف على تعاليمها وأنظمتها؟. بالطبع لا، إلا إذا كانت لا تدري أن جهازها البيروقراطي المنوط به توصيل وتطبيق التعليمات والأنظمة يمارس الانتهازية والتكسب في سلسلة طويلة من الحلقات البيروقراطية الفاسدة ثم يغذي المركز الرئيسي بالمعلومات الخاطئة وأن كل شيء على ما يرام.

الملاحظ على كل الإدارات الفاسدة أنه كل ما كانت سلسلة المتطلبات الرسمية طويلة صار الفساد الإداري أسهل واكتشافه أصعب. تطويل الحلقات في الإجراءات الإدارية يستعمل كوسيلة للتعمية وطمس الآثار. لذلك يصعب تتبع آثار التلاعب والارتشاء في معاملات نقل الملكيات والمنح العقارية وفي تراخيص المساكن والعيادات والمستوصفات وغيرها من المنافع العامة، وأيضاً في تنظيم المواعيد وتسيير المعاملات الإجرائية الرسمية.

الذي لا خداع فيه الجزم بأن المواطن عندنا يعاني أشد المعاناة من رداءة موظف القطاع العام (الحكومي) وسوء تعامله واستهتاره بتعليمات الدولة وأنظمتها، وأنا متأكد أن هذا انطباع شعبي شامل عن جهازنا البيروقراطي السائد.

لهذا السبب بالذات أصبح السائد اجتماعياً التعامل مع البيروقراطية الحكومية بالواسطة أو تبادل الخدمات أو الرشوة، إلى آخر ما في الجعبة الشعبية من وسائل تيسير الأمور وتزييت السيور.

الفساد الإداري له بنيته الهرمية المتماثلة مع البنية الهرمية للبيروقراطية. في المساحة الصغيرة لأعلى الهرم تنعدم مظاهر التسيب والاستهتار لأن المسؤولين الجالسين هناك معزولون عن جهازهم التنفيذي ومخدومون في خصوصياتهم وهم في مكاتبهم، وهذا وضع مفهوم إذ ليس المفترض بالمسؤولين الكبار إضاعة الوقت والجهد في الركض وراء الاحتياجات الخاصة بل التركيز على تسيير الأمور العامة. لكن المشكلة تقبع هنا داخل هذه الميزة التي تجعل المسؤول الكبير غائباً عن الميدان التطبيقي للأنظمة وغير مدرك لما يجري هناك. إذا أضفنا إلى تلك العزلة المريحة عدم حصول المسؤول على الوصف الحقيقي لأوضاع الناس لأنه إما محاصر من قبل جهازه البيروقراطي أو غير مستعد لتلقي أي معلومات إلا منه أو من مكتب علاقاته العامة، عندئذ نستطيع أن نقرأ على التنظيمات واللوائح تحية الوداع.

إذا نزلنا قليلاً من مراكز المسؤولية في المثلث الصغير أعلى الهرم البيروقراطي إلى القسم الواقع تحته مباشرة نبدأ نلاحظ مظاهر الفساد الإداري تطل برأسها على استحياء ثم تكبر وتتضخم باتجاه الأسفل حتى تفقد كل مظاهر الحياء والتستر هناك. ما بين الربع والنصف الأعلى من الهرم البيروقراطي تقع المنطقة الرمادية، أي منطقة المتنفذين نسبياً من بعض رجال المال والأعمال ومن يستطيعون تقديم المقابل بالمقابل على شكل خدمات أو أموال. في تلك المنطقة الرمادية تدار الأمور بالتوصيات وتبادل المنافع وامسك لي فأقطع لي ولك. صحيح أن الأمور تسير بيروقراطياً بطريقة أبطأ قليلاً منها في ربع الهرم الأعلى، لكنها أسرع كثيراً مما تسير به في النصف السفلي من الهرم الاجتماعي. المسكوت عنه هنا هو أن النصف السفلي من الهرم يشكل بحساب الرياضيات الهندسية المساحة الكبرى للهرم السكاني بكل ما يحتاجه من الأنظمة والخدمات والجهود للمحافظة على التماسك الاجتماعي.

إن من يعرف الأوضاع في الخطوط الجوية السعودية وجلافة موظفيها، ومن ألقى نظرة على المطارات وسوء الأوضاع في سلالمها وصالاتها ومداخلها ومخارجها ومرافقها الصحية، وكذلك من راجع البلديات من أجل فسح بناء أو ترميم، ومن حاول استصدار ترخيص طبي أو صيدلاني أو تجديده، ومن تاه وسط الدهاليز وأكوام المراجعين في مبنى الجوازات أو الأحوال المدنية.. كل هؤلاء يعرفون ما أقصده وما أحاول لفت النظر إليه وإلى ضرورة إصلاحه لأن تلك البنيات الإدارية مرشحة لينطبق عليها هذا النموذج ومطالبة بالحرص على إصلاح أوضاعها وحماية مصالح المواطنين داخل أروقتها لضخامة دورها وتشعب صلاحياتها.

لإيراد مثال واضح على الاستهتار بتعليمات وأنظمة الدولة تكفي الإشارة إلى مصير أوامر منع التدخين الصريحة في المستشفيات والمطارات والدوائر الحكومية. كل ما يحتاجه المسؤول الإداري الكبير للتأكد من ذلك هو أن يتجول متنكراً في الميدان ويستعمل أنفه للشمشمة ويده للعسعسة في جيوب الموظفين.

 

إلى الأمام
الاستهتار بمصالح المواطن استهتار بأنظمة الدولة!
د. جاسر عبد الله الحربش

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا خدمات الجزيرة الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة