Thursday  30/09/2010 Issue 13881

الخميس 21 شوال 1431  العدد  13881

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا     نسخة تجريبية
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

كنت صيف هذا العام برفقة الإنسان الجميل ورفيق السفر الرائع الدكتور عبد العزيز بن إبراهيم الغنيمي في مطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة، قادمين بحمد الله ومنّه على متن الخطوط السعودية من خارج المملكة ومواصلين إلى حائل، وكان معنا حقائب لا بد من شحنها مع العفش بعد أن أنهينا إجراءات الجمارك المعروفة، وقفنا عند الموظف المختص من أجل إدخال الحقيبتين، وضعت الأولى على الميزان وكنت بجانبها فدست بقدمي - أعزكم الله - على طرف الجهاز وأنا أفكر بعيداً عن كل ما حولي ومَن حولي، سارحاً في دروب الحياة المختلفة المتناقضة والمتشابكة، بل ربما المتقاطعة أحياناً، وفوراً طلب موظف الخطوط دفع مبلغ من المال مقابل الخمسة الكيلو الزائدة عمّا هو مقرّر للراكب في رحلات السعودية الداخلية! كان زميلي هادئاً مبتسماً لهذا الموظف الذي تبدو عليه علامات التضجر والقلق، لأنه باختصار قد لاحظ وضعي وأنا بجوار الحقيبة فعرف السبب ولذا زال عنده العجب، أما أنا فقد انفعلت كثيراً، وكان ردي قاسياً، فنحن قادمون على رحلة خارجية ولم يطلب منا شيء من موظفي الخطوط السعودية هناك فكيف يكون هذا التناقض والنظام موحّد والمرجعية الإدارية هنا في جدة! ولأنها بصدق ليست الأولى ولا حتى الثانية أو الثالثة التي ألدغ فيها من قِبل الخطوط الجوية السعودية في مطارات المملكة على وجه العموم، أردت أن أقابل الصوت بالصوت من البداية بحثاً عن السلامة..

ونحن في هذه الحال وفي جدل غير مبرر ولا أساس له مرَّ بجوارنا موظف الخطوط وهو يمسك برجل ربما جاوز الأربعين من عمره ليسلّمه إلى المدير المناوب الذي يقف ليس ببعيد عنا، ويكرر هذا الموظف الشاب وبصوت مرتفع (شف هذا يسب السعودية، وترى بعد مو سعودي!!) ضحك زميلي وقال لي: احذر يا أبا صالح حتى لا يفعل بك مثل هذا فالنقد للخطوط قد يفقدك مقعدك، بل ربما أكثر من ذلك وتجر أمام الناس بهذه الصورة المقيتة وكأنك مرتكب جريمة لا تغتفر! أما أنا فرحت أفكر في هذا الموظف الذي ربما لا يقرأ الصحف أو أنه قد أغلق أذنيه عن سماع ما يقول الناس وما يدعون به سواء في الصالات أو داخل الطائرة أو في مكاتب الحجز أو في بيوتهم أو حتى وهم على أسرّة المرض علناً أو بينهم وبين أنفسهم ولذا فزع وجنّ جنونه حين سمع ما مر.

تذكّرت هذا الموقف ليلة الأحد الماضي حين قرأت - وأنا أقلّب في دليل الرسائل العلمية للطلاب السعوديين بالمملكة المتحدة وإيرلندا «رسائل الماجستير» لعام 1429هـ 2008م والصادر عن الملحقية الثقافية التابعة لوزارة التعليم العالي هناك - هذا العنوان الذي جاء على صيغة سؤال: (هل المسافرون السعوديون على وشك الانتقال إلى خطوط أخرى غير السعودية) ليختم بهذه الأطروحة المبتعث «م، ع، م» دراسته لنيل درجة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة هل البريطانية، ومع أنني أعتقد شخصياً أن هذا السؤال لا يحتاج إلى بحث واسع؛ فالإنسان أياً كان لا يرتبط بولاء خاص لأي مستثمر كان ولديه الاستعداد للانتقال بحثاً عن الخدمة الأفضل أو السعر الأقل سواء في النقل الجوي أو الاتصالات أو العلاج أو... حتى ولو سلماً مع من يقول إن غطاء العادة والألف غطاء ثقيل على العقل، إلا أن مثار التعجب عندي هنا، ومحل الحديث في هذا المقام كون هذا السؤال يبطن في دلالته الضمنية القول بأن بقايا الولاء التي ربما كانت عند المسافر السعودي لخطوط بلاده قد تلاشت وصار يبحث عن البديل فهو تجاوز السب الذي يطالب موظف الخطوط بعقوبة مرتكبه في صالة المطار إلى إعلان المقاطعة والبحث عن الغير، ولم يكن لهذا الباحث طرق هذا الموضوع لولا أنه وجد في قرارات نفسه إشكالية بحثية جراء الواقع الذي يراه من انقطاع الصلة بين السعودية «الخطوط» والسعوديين «المسافرين» طبعاً خارجياً، إذ إن الرحلات الداخلية شبه محتكرة وتجربة «ناس» و»سما» صارت في الداخل أثراً بعد عين، وجزماً لا بد من دراسة أسباب إخفاقهما إن كان هناك إخفاق لتجنب تكرار المأساة مرة أخرى! في المقابل تتقدّم المبتعثة السعودية والمتخصصة في التسويق بأطروحتها المعنونة (شركة الطيران الإماراتية: قصة نجاح) لتنال درجة الماجستير من جامعة ستراثكلايد وتعود لأرض الوطن على متن الخطوط السعودية جبراً.

قارن أيها القارئ الكريم بين العنوانين، وأعد ذاكرتك إلى الوراء لتعرف كم نحن عاجزون عن البقاء في القمة، والنجاح الحقيقي كما يعلم الجميع ليس الوصول إلى القمة فحسب، بل القدرة على المحافظة أطول وقت ممكن في مكان الصادرة وبامتياز.. عنوان ملؤه التفاؤل والتطلّع إلى مستقبل وضّاء وآخر متشائم حزين يدرس بقايا الأمس بكل جمالياته ليضع اللبنة تلو الأخرى وصولاً إلى المسمار الأخير في نعش هذا الجهاز العزيز، فهل يستطيع القائمون على الخطوط الجوية السعودية إعادة قصة النجاح من جديد، وهل يمكن لهم مد جسور المحبة والوفاء مع أبناء الوطن مرة أخرى ليكون الولاء ثم الولاء ثم الولاء للسعودية «الخطوط»، ليس هذا خاصاً بالنقل الجوي، بل هي قاعدة عامة تسري وتنجر على كل منتج أو خدمة تشرّف بحمل هذا الاسم العزيز والقريب من قلوب الجميع «السعودية» وتدار بأيد وطنية ومن داخل هذه الأرض الطيبة وإلى لقاء والسلام.

 

الحبر الأخضر
الخطوط السعودية والإماراتية في الجامعات البريطانية
د. عثمان بن صالح العامر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا خدمات الجزيرة الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة