Monday  25/10/2010 Issue 13906

الأثنين 17 ذو القعدة 1431  العدد  13906

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

عنوان هذه المقالة ذو دلالة مشابهة لدلالة مثل سائر لدى المجتمع النجدي، وهو بلهجة أهل القصيم: «جزا ناقة الحج ذبحه»، أي أن الناقة التي حملت صاحبها، وأدّى مناسك الحج على ظهرها، لم يكن جزاؤها إلا نحرها. وهذا المثل يضرب عندما لا يجازى الإحسان

بالإحسان، بل بنقيضه، وتاريخ قادة الغرب، رجال دين ورجال سياسة، في علاقاتهم مع الإسلام والمسلمين تاريخ طابعه العداوة بصفة عامة. واستعمارهم لكثير من بلدان المسلمين أحد الأدلة على ذلك الطابع العدائي العدواني. وتمهيد بعض أولئك القادة الطريق للصهاينة كي يحتلوا فلسطين ويقيموا كيانهم الإجرامي العنصري على ترابها الطيب المبارك، ثم دعمهم دعماً غير محدود لذلك الكيان بمختلف الوسائل، دليل واضح آخر من أدلَّة عدائهم لأمتنا. وقد يقول قائل: إن ذلك موقف لقادة غربيين، لا للشعوب الغربية. ومن العدالة القول: إن أفراداً، وقليلا من الجماعات، في الغرب لا يُكنون عداء للعرب والمسلمين، وأنهم يقفون مع الحق ضد الباطل. لكن من المعلوم أن القادة في البلدان الغربية، في العصر الحديث، لا يصلون إلى الحكم، ولا يستقيمون فيه، إلا باختيار شعوبهم ورضاها. وعلى هذا فما أظهره قادة الغرب من عداوة ضد أمتنا ليس من اليسير القول: إنه لا يعبِّر عن رأي الأكثرية من الشعوبية الغربية.

في الآونة الأخيرة طرح من طرح في الغرب نظرية صراع الحضارات. ولم يمض وقت طويل على طرح تلك النظرية حتى ظهر من قادة المسلمين من نادى بنقيض تلك النظرية، وذلك بطرحهم نظرية حوار الحضارات. وكان في طليعة من نادوا بهذه النظرية - على ما أذكر- رئيس إيران السابق، الذي كان مظهر سياسته الانفتاح على الغرب، والذي شهد عهده أسرع خطوات مسيرة المفاعل النووي في بلاده.

وفي وطننا العزيز.. المملكة العربية السعودية.. صانها الله من الشرور المحدقة بها، وزادها توفيقاً، وأرشدها إلى ما فيه الخير، دنيا وديناً، بدئ بحوار وطني داخل هذا الوطن. وهذا أمر مستحسن لدى الكثيرين ما دامت الأسس التي قامت عليه وحدة البلاد مرعية مصونة، دون أن ينجرّ المتحاورون إلى ما يؤثر سلباً على تلك الأسس. وتلا ذلك - مع استمرار الحوار الوطني- إقامة حوار بين أصحاب المذاهب الإسلامية في مكة المكرمة.. مهبط الوحي الأول وقبلة المسلمين في كل مكان. والحوار بين علماء المذاهب الإسلامية أمر مستحسن، أيضاً لدى الكثير من المسلمين. ولو صدقت نوايا الجميع لكان من شبه المؤكد تحقيق مصالح عديدة.

وفي السنوات الأخيرة وسَّعت قيادة وطننا ذات النوايا الطيبة دائرة الحوار مظهرة له على أنه تقارب بين الديانات، أو أصحاب الديانات، أو الثقافات. وليس المهم اسم ما نودي به، عُدِّل هذا الاسم أو لم يعدل. وإنما المهم هو أن هناك من فسَّره، صواباً أو خطأ بأنه محاولة لكسب ثقة القادة الغربيين بالدرجة الأولى، ومن ثم شعوبهم، أملاً في أن تتحقق المصلحة المرجوة، وأقيمت مؤتمرات في الغرب على نفقة وطننا المضياف. ولا تسل عن مقدار تلك النفقة.

ولقد تزامن مع ما ذكر حدوث تيَّار سمَّاه الكاتب خليل العناني الإسلام الاعتذاري، وذلك في مقالة له في صحيفة الحياة (13-10-1431هـ)، وقال عنه: إنه يتمثل في باحثين ومثقفين وكتاب مسلمين في الغرب يكشف خطابهم مدى العجز والشعور بالهزيمة الداخلية لديهم. ومن أبرز ملامح ذلك الخطاب أنه متعافت يفرط في نقد الذات المسلمة وجلدها، وأنه تلفيقي يقتطع النصوص والأحداث من سياقاتها التاريخية لإثبات صلاحية وجهة نظره، وأنه خطاب ما بعد استشراقي، لغة ومضموناً، بحيث يصل إلى التشكيك في النص الإسلامي ذاته. وقد اختتم العناني مقالته بقوله: إن الإفراط في جلد الذات طمعاً في تحقيق مكاسب شخصية أو استرضاء للآخر هو أشبه بمن يسكب الملح على جرح فاغر.

وبالعودة إلى ما قام به أصحاب النوايا الطيبة من المسلمين من جهود واضحة لإظهار عدم رفضهم لغيرهم، بل وإظهار تقرُّبهم ومودتهم للزعماء الغربيين، فإن من المشاهد بوضوح زيادة رفض هؤلاء الزعماء لجميع تلك الجهود وعدم الاستجابة لها. والأمثلة على ذلك الرفض عديدة، لا سيما في القارة الأوروبية. ومن هذه الأمثلة الرسوم المسيئة لمكانة الرسول صلى الله عليه وسلم، في الدانمرك. وقد يقول قائل: إن تلك الرسوم كانت حادثة شخصية، وقد يوافقه من يوافقه من لم يتبصَّر في الأمور حق التبصُّر. لكن تلك الرسوم شفعت برفض رئيس وزراء الدانمرك مقابلة سفراء الدول الإسلامية لمناقشة المسالة. وأي إهانة أكثر من هذه؟ وإضافة إلى ذلك فإن صحفاً أوروبية أخرى - إمعاناً في إظهار الاحتقار للمسلمين ودينهم - أعادت نشر تلك الرسوم. وهذا دليل على وجود عداء معلن أو مخفي ضد المسلمين والإسلام، إذ لو تم تظن تلك الصحف، أو تعتقد، أن إعادة نشرها يوافق هوى كثير من قرائها لما قامت حتما بذلك. وجدير بالذكر أن تلك الرسوم المسيئة أعيد نشرها في كتاب قبل أيام قليلة. والأشد وضوحاً في إظهار ذلك الاحتقار والبغض للمسلمين ودينهم أن مستشارة ألمانيا - قبل أقل من شهرين - حضرت حفل تكريم وتقدير لذلك الرسام الدانمركي في بلادها، وافتخرت بحدوث ذلك مدعية أنه دليل على احترام حرية التعبير. وكل يعلم أن هذه المفتخرة باحترام تلك الحرية التعبيرية أجبن من أن تسمح لأي باحث، أو كاتب، أن يشكِّك في عدد من قتلهم النازيون من اليهود، ناهيك عن التشكيك في حدوث ما يُسمى الهولوكست.

إن من الواضح جداً أن قادة أمتنا، وبخاصة ذوي النوايا الطيبة كثيراً، فضلوا أن يتناسوا دروس الماضي، واختاروا أن يتجاهلوا حقائق الحاضر. وبذلك التناسي وهذا التجاهل مدوا أيديهم إلى زعماء الغرب أملا في كسب رضاهم. لكن مدَّ الأيدي لم يُرد عليه إلا بصفعات متتالية لم تأت من أفراد في الدول الغربية فحسب، بل أتت من رسميين حكوميين أيضا، وما كانت رسوم ذلك الدانمركي وذويلها حوادث معزولة، فما حدث من قتل لمسلمة داخل محكمة في ألمانيا، وما حدث من تصويت شعبي ضد إقامة منائر المساجد في سويسرا، وما حدث بالنسبة للنقاب والحجاب في فرنسا، إضافة إلى ما حدث من تقدم للعنصريين المتطرفين ضد الآخرين، وبخاصة ضد المسلمين، في أقطار أوروبية.. كل ذلك أدلة واضحة على رفض زعامات منتخبة انتخاباً حراً لمصافحة الأيدي التي يمدها طيبو النوايا من المسلمين إليهم. بل إني لأظن أن غالبية من تمد إليهم الأيدي ينظرون إلى الأيدي الممدودة للمصافحة على أنها أيد ممدودة لاستجداء الرضا وكأننا المذنبون والذين تمد إليهم الأيدي هم المذنب بحقهم. لقد تقبَّلنا، قادة وشعوباً، ما يوجه إلى أمتنا من إهانات. وهذا أكبر دليل على أننا هُنَّا على أنفسنا فهنَّا على الآخرين.

فذلك شيء مما حدث ويحدث في الغرب القديم، ممثلا في قارة أوروبا، من رفض واضح لدعوات المسلمين للتقارب الإيجابي مع الغربيين، وعَضٍّ للأيدي الممدودة إليهم للمصافحة. فماذا عن الغرب الجديد، ممثلا في الولايات المتحدة الأمريكية؟ هذا سيكون مدار الحديث في الحلقة القادمة إن شاء الله.

 

جزا اليد الممدودة عَضُّها (1-2)
د. عبد الله الصالح العثيمين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة