Tuesday  26/10/2010 Issue 13907

الثلاثاء 18 ذو القعدة 1431  العدد  13907

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

قبل ما يقارب ثلاث سنوات أو يزيد أجرى أحد الباحثين العراقيين دراسة علمية رصينة عن «قلق الموت لدى الطبقة المثقفة والأكاديمية في العراق»، وسبب اختيار الباحث لهذا الموضوع أنه لاحظ أن هذه الطبقة التي تعد اللبنة الأساس في البناء التنموي في أي بلد مستهدفة بشكل مباشر في أرض الرافدين، ويراد تصفيتها من قبل القوات الأجنبية والمندسة في أسرع وقت ممكن سواء بالقتل أو التهجير أو الاعتقال والتعذيب مع أنها تصنف ضمن منظومة الطبقات المدنية وليست عسكرية لا من قريب ولا بعيد!!، وهؤلاء الأكاديميون المتخصصون المستهدفون كما ذكر نائب رئيس إحدى الجامعات العراقية: (يغطون طيفاً واسعاً من الاهتمامات البحثية، والتوجهات السياسية المختلفة، والعقائد الدينية المتباينة؛ والقاسم المشترك الوحيد بينهم هو نبوغهم؛ وأعتقد - والكلام ما زال له - أن هناك خطة لتجريد العراق من عموده الفقري العلمي). وفي ذات السياق أعد (إسماعيل الجليلي) دراسة مماثلة، وعُرضت في (المؤتمر الدولي حول اغتيال الأكاديميين العراقيين)، الذي عُقد في العاصمة الإسبانية مدريد في نيسان 2006م، أوضحت التحليلات الإحصائية في هذه الدراسة أن (80%) من عمليات الاغتيال استهدفت العاملين في الجامعات، ويحمل أكثر من نصف القتلى لقب أستاذ وأستاذ مساعد، وأكثر من نصف الاغتيالات وقعت في جامعة بغداد، تلتها البصرة، ثم الموصل، والجامعة المستنصرية. و(62%) من العلماء المغتالين يحملون شهادات الدكتوراه، وثلثهم مختص بالعلوم والطب، و(17%) منهم أطباء ممارسون، وقد قُتل ثلاثة أرباع العلماء الذين تعرضوا لمحاولات الاغتيال!!

أما الدراسة التي نعرض لها هنا فقد اشتملت في بعدها التطبيقي على مقياس مكون من (15) فقرة، تمت الإجابة عليها بخمسة بدائل تتراوح بين «موافق جداً» و»غير موافق إطلاقا»، وطبق على عينة من أساتذة جامعتي بغداد والمستنصرية، ذكوراً وإناثاً، من حملة شهادتي الماجستير والدكتوراه، ومن مختلف الفئات العمرية والرتب العلمية (أستاذ، أستاذ مساعد، مدرس، مدرس مساعد). وقد تمخض التحليل الإحصائي للنتائج - كما يقول الباحث - عما يأتي:

- إن عينة الأساتذة تعاني من قلق الموت.

- إن الإناث أكثر معاناة لقلق الموت من الذكور.

- لا يوجد ارتباط بين قلق الموت والرتبة العلمية، بمعنى أن قلق الموت يرتفع وينخفض بمعزل عن الرتبة العلمية للأستاذ الجامعي.

- لا يوجد ارتباط بين قلق الموت والفئة العمرية، بمعنى أن قلق الموت يرتفع وينخفض بمعزل عن عمر الأستاذ الجامعي.

أما نسب موافقة الأساتذة على بعض فقرات المقياس، فتحددت بالآتي:

- أخشى أن أموت ميتة مؤلمة (91%).

- أفكر في موت الأحباء (81%).

- أخشى من التدهور الجسدي الذي يصاحب الموت البطيء (72%).

- يقلقني أن يكون الاحتضار مؤلماً جداً (69%).

- يرعبني منظر جسد ميت (66%).

- أشعر أن الموت في كل مكان (66%).

- يلاحقني هاجس أن أتعرض للقتل في أي لحظة (66%).

- أفكر في موتي الشخصي (53%).

- أفضل أن أتجنب صديقاً يحتضر (53%).

- أود تجنب الموت مهما كلفني الأمر (50%).

كنت أقارن ما انتهت إليه هذه الدراسة وما ماثلها من أبحاث ودراسات متخصصة بما أسمع وأقرأ هذه الأيام من تقارير وكتابات وأخبار وتحليلات خاصة ما تبثه الجزيرة منذ مطلع هذا الأسبوع تحت عنوان «العراق.. كشف المستور» معتمدة على الوثائق السرية التي سربها موقع ويكيليكس والتي يقال إنها 400 ألف وثيقة!!، أقارن وأتساءل: ترى هل الأمر بالنسبة لنا نحن الجيران المهتمين بالِشأن العراقي يحتاج إلى مثل هذه الوثائق وهذا الضجيج، فالكل منا يعرف كم هي مساوئ الدمار وعمق الجرح الغائر في الجسد العراقي الشقيق، كما أنه يعرف شيء ما عن الأيدي الملطخة بالدماء سواء بأشخاصهم أو بعقائدهم واتجاهاتهم؟ إن غربة المواطن وبعده عن بلاده معاناة شديدة يعرف ذلك جيداً من يعيشون بعيداً عن الدار لسبب أو لآخر، ولكن أشد منه بكثير غربة الوطن في عيون أبنائه وساكنيه، غربته في أرضه، في مائه، في هوائه، وفي إنسانه، نعم إن العراق نموذجاً حياً للغربة الحقيقية في كل شيء، فالموت الذي هو ضد الحياة والحرية والتقدم والبناء يتراقص أمام ناظري العراقيين صباح مساء ويصادفهم عند كل منعطف وفي كل حين وآن، هذا والعراق كما نعرف جميعاً ثالث دولة نفطية في العالم، فهل لهذه المأساة من نهاية وهل لهذا الليل من فجر صادق يرى به أهل العراق النور من جديد، أتمنى ذلك وأسأل الله لهم الفرج والأمن والاستقرار كما أسأله سبحانه أن يديم علينا نعمه التي لا تعد ولا تحصى في ربوع وطننا المعطاء المملكة العربية السعودية وحقاً (ليس بعد الكفر ذنب) وإلى لقاء والسلام.

 

الحبر الأخضر
أخشى أن أموت ميتةً مؤلمةً
د. عثمان بن صالح العامر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة