Thursday  28/10/2010 Issue 13909

الخميس 20 ذو القعدة 1431  العدد  13909

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

الاختلاف في الرأي وحتى في الفهم في أي قضية متى كان مصانا، فإنه بمثابة المحرك أو الباعث الذي يوقظ العقول والبصائر نحو المعرفة وبلوغ الصواب الذي يبعث اليقين في النفوس لتنطلق بصدق وإخلاص في الأداء والعمل،

لكن إدارة وهندسة هذا الفن ليس بالأمر الهين.

وفي حال المجتمعات والشعوب فإنّ من الطبيعي أن يختلف أفراد هذا المجتمع ويتفاوتون في سعة الوعي والثقافة، وكذلك في القناعات والإيمان بمعتقدات وعادات وأعراف، وأيضا في الموازنة بين الوجدان التاريخي والتضاريس الجغرافية في بحث الإنسان عن تناغم وانسجام بين الحقيقة والواقع، وكل هذا باعث ومحرك للعقل أياً كان مستوى عمق وعيه وسعته، للبحث فيما يراه من صور متناقضة أنتجتها عملية التأمل والتفكر، وعملية التأمل والتفكر من طبيعة العقل البشري لكنها تختلف بالتأكيد في مدى العمق والسعة بين فرد وآخر.

ولهذا فان التحول في وعي المجتمعات لا يتم إلا عبر تصادم العقل بالواقع، في عملية فكرية، تظهر أول ما تظهر متخفية ومنزوية وفردية خشية سطوة السائد، لكن الواقع الذي لا يستطيع الخروج من الزمن وإن غاب أو غيّب عنه لا يمكن إلا وأن يتماس ويحتك معه بحكم الوجود الإنساني المشترك المتمثل في الجغرافيا بما فيها من تضاريس ومناخات وطقوس وثروات، فيصبح هذا التماس والاحتكاك بين واقع راغب في الثبات وزمن متحول لا يتوقف، مفرزا حاجة للتفكير وإشغال العقل الذي يمهد للتحول في وعي المجتمع من خلال اللجوء القسري لبعض أفراده نحو هزّ وغربلة بعض المفاهيم المترسبة في الوجدان بفعل التوارث التاريخي، بغية التخلص من الاحتباس في واقع تجاوزه العصر بمعطيات أكبر منه وأوسع، ثم ينتشر رويدا ليصبح حراكاً فكرياً ظاهراً، مما يحتم ضرورة متابعته والأخذ به نحو الأهداف البناءة والآمنة.

إن التأمل في واقع أو أمر ما، هو بمثابة إشغال للعقل وارتقاء بالفكر في عملية بحث عن آخر مقارن أوجدته عملية التماس والاحتكاك بين الواقع والزمن، بفعل حتمية التحول والتبدل الفطري الناتج عن صراع التاريخ والجغرافيا، لتخلق مرحلة التبدل من الجمود إلى الحركة أو ما يمكن تسميته الحراك الاجتماعي، الذي يتولد من رحم واحد ولكن بصورتين متعاكستين هما الجراءة والرهبة، في استخدام العقل فيما هو خارج المألوف والسائد من جانب وحفظ وحماية هذا السائد والمألوف من الجانب الآخر, أي بين متشبع بما اختزن من التاريخ لضبط الزمن، بأسر المستقبل في الماضي باعتبار أن سطوة الجغرافيا ليست إلا نتيجة عجز وضعف الواقع في فهمه (أي التاريخ) وبين متحسس لعجز وضعف الواقع في المواءمة بين التاريخ والجغرافيا وراغب في استنهاض وإعادة تجديد هذه المواءمة لرفع الواقع إلى درجة الانسجام مع الزمن أو العصر, في مسار ربما استبدل التاريخ بالجغرافيا كما هو حال المنسلخين تماما عن واقع المجتمع وتاريخه إلى الذوبان والانصهار في جواذب الجغرافيا وسطوتها، أو مسار ربما استبدل الجغرافيا بالتاريخ كما هو حال الحالمين بإعادة الساعة للوراء.

ولأن الحراك الاجتماعي المتمثل في تفاعل الرأي والفكر, هو في الحقيقة بمثابة أرضية للتحول من واقع إلى آخر، فإن إدارة المجتمع هي المسؤولة عن ضبطه وتحديد اتجاهه، ولعل عمق المخزون التراكمي الصامت وثورة تقنية المعلومات تتيح للجراءة والرهبة بالظهور بأكثر مما هو مطلوب في كلا جانبي التقدم والتأخر, بشكل قد لا ينساب كما يراد له أو يرغب به، نتيجة ضعف الوعي وسوء الفهم والتقدير لحق الاختلاف في الرأي، الناتج عن ضعف الجهاز الإعلامي والثقافي التوعوي في أداء دوره الحقيقي.

إن الصحافة الورقية وبرغم زخم القنوات الفضائية وسعة الشبكة المعلوماتية لا زالت هي الفاعل الأكثر جذبا في بناء الوعي الجمعي، إلا أنها ليست الأسهل بطبيعة الحال، بحكم قواعد وضرورات العصر (السيبرناطيقي) المتمثل في تفعيل وتحرير الإنتاج والاستهلاك للاستحواذ على أكبر قدر ممكن من تحقيق المكاسب المالية وإشباع القيمة، عن طريق استقطاب الإشهار والنصائح التسويقية لمزيد من الاستهلاك، ولكن، على حساب الوعي والإدراك، وما أريد قوله بشكل واضح أن المطارحات والمساجلات الفكرية نادرة جدا إن لم تكن غائبة في الصحف الورقيه، وهذا ما يجعل المواقع الإلكترونية وسهولة البث الفضائي المصور وعاء بديلاً، أكثر حيوية ونشاطاً لطرح الرأي والفكر, لكن خارج إدارة السيطرة والتوجيه وقد يُحرَف مسار اتجاهه، لذلك أجد أن على الصحافة الورقية دور كبير ومهم في اعتماد تفعيل مساحة الرأي والفكر بشكل أكبر لتنشيط الحراك بغية تطويره والتحكم في توجيه مساره نحو الأهداف البناءة والآمنة وبما يساعد في تحقيق نجاح أكبر للخطط التنموية في جوانبها الاجتماعية والثقافية التي يترجمها بطبيعة الحال السلوك الفردي.



Hassan-alyemni@hotmail.com
 

الحراك الاجتماعي ودور الصحافة
حسن اليمني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة