Monday  01/11/2010 Issue 13913

الأثنين 24 ذو القعدة 1431  العدد  13913

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وجهات نظر

 

حينما تتعثّر لغة الحوار
صلاح عمر شنكل

رجوع

 

يشكِّل الحوار أجمل لغة يتم تبادل مفرداتها بين طرفين، لأنّ فيها التقارب، وتعزيز الثقة، والأمل في الوصول إلى نقطة التقاء، ولهذه اللغة قواعد وأسس ومنهجيّة، لكن كثيراً من المتحاورين - على اختلاف مستوياتهم - يفتقدون أبسط قواعد هذه اللغة، وهذا يُوجد متاريس تقف عائقاً وحائلاً بين المتحاورين، فتحوِّل هذه اللغة الجميلة إلى ما يشبه حوار الطرشان.

بعض هذه التعقيدات يصدر من أحد طرفيْ الحوار ويفقده مضمونه ونكهته ويحيله إلى عراك، وبعضها يصدر عن الطرفين معاً، أو أطراف أخرى ويعجِّل بنسف مفردات هذه اللغة السلسلة.

ومن أمثلة هذه المتاريس والتعقيدات التي تحيل الحوار إلى عراك كلامي وتفضي به إلى مسارات ضبابية تقود إلى طرق مغلقة، الخطاب الفضفاض الذي يبتعد عن جوهر الموضوع ويتشعّب في متاهات جانبية، ويصبح بموجبها الطرف الآخر مستمعاً لخطبة عصماء لا نهاية لها، أو إلى نصائح هو ليس في حاجة إليها، وهذا يشعره بالتجاهل، أو يوعز له بأنّ ذاك الطرف غير ملم بجوهر القضية مكان الحوار.

ومن مميعات الحوار أيضاً، محاولة أحد الأطراف فلسفة العبارات، دون التركيز على مضمون الفكرة، وهنا عادة ما يعتمد أحد الأطراف على لغة الجسد وليس لغة الحوار الرّصين، ويجعل الفكرة تغيب - هذا إذا كانت حاضرة في الأساس - ومن ثم ترتبك «الحقائق» وتعتمد لغة الحركات واستثارة المستمع، إمّا بالشعارات، أو برفع الصوت، وتبدأ الموضوعية تتسلّل بغرض الهروب عن هذه المنطقة، لتحلّ محلها - تلقائياً - لهجة خطابية جوفاء ترتكز على المفردات الرنّانة، ومحاولة لفت الأنظار حول المشهد الدرامي «الوقتي» وحسب، وهذا يقود إلى إطلاق الكلام على عواهنه، دون أدلّة أو براهين، ويكرّس غياب الضوابط النظامية للفكرة.

من معوّقات الحوار، إخفاء الحقائق، وغياب الشفافية والنزاهة العلمية، وعدم وضوح الطرح، أو التهرُّب من مواجهة الحقائق الواقعية، وهي العناصر التي من أجلها انعقد الحوار، وذلك من خلال الانصراف إلى أمور جانبية أو هامشية، سواء كان عمداً أو بغية التوسُّع في أشياء غير جوهرية لكنها تعيش في العقل الباطن لهذا الطرف أو ذاك، على حساب أساسيات لو طُرحت لقرّبت الجانبين من الاتفاق زلفا، وهذا السلوك - قطعاً - يؤدي إلى قتل الحوار وحفر مقبرته.

ومن المتاريس العائقة للحوار البنّاء الموضوعي، الغموض، وإيهام الآخرين بالإيغال والتعمُّق في اللغة، من خلال تراكيب المفردات، وهذا يثير اللَّبس والشكوك، ويبرز ضعف قيمة التفكير العلمي المنهجي الحواري، وهو قد يكون مفتعلاً، لتغطية العجز في امتلاك زمام أدوات الحوار وفنونه، أو يكون حقيقياً، وهنا تصبح اللغة من معوّقات الحوار.

أمّا الغضب والانفعال، فهما بمثابة الشرارة التي تحرق أرضية الحوار، وتنسف مظلّته في آنٍ واحد، لذا يحرص المتحاورون اللّبقون على الهدوء وضبط النفس وتهدئة الأعصاب والحفاظ على رباطة الجأش، حتى لا يفقد الحوار أهمّ عناصره، أمّا غير الحريصين على استمرار الحوار أو الذين لا يرون جدوى له، فإنّ سلاحهم الغضب والانفعال لأنه سيعجِّل بنهاية المسألة ببساطة.

ومن أشدّ المتاريس والتعقيدات ضرراً بالحوار، التعصُّب، بل هو آفة الحوار، وسوسة التفاهم، لأنّ المتعصِّب لا مساحة لديه لقبول الآخر، وهو يبدو على شكل استبدادي تسلُّطي أحاديّ النظرة والتوجُّه والمنطق، فأيّ حوار يُعقد مع هكذا مفهوم؟ وهناك أساسيات أخرى تلعب دوراً مهماً في استمرارية الحوار، ووضوح لغته، مثل الأجواء العامة للحوار، منها المصطلحات، والمفاهيم، اختلاف اللغة، والثقافة، اختلاف المصالح، الأرضية المشتركة للحوار، وكذلك الرغبة الجادّة في إيجاد حوار بنّاء يفضي إلى حلحلة القضايا والمشكلات العالقة بين الطرفين، والإيمان والقناعة بأنّ الحوار وحده يمثِّل الطريق المفضية إلى الحلول التي يرغب بها الطرفان، وحينما تتكالب مثل هذه المعوّقات يتعثّر الحوار بل يتوقّف تماماً.

 

رجوع

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة