Wednesday  03/11/2010 Issue 13915

الاربعاء 26 ذو القعدة 1431  العدد  13915

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

يثبت المسار السياسي في العالم العربي ونحن في نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة للقرن الواحد والعشرين الميلادي، بأنّ الشبه ما زال قائماً بين الليلة والبارحة أنّى اتسعت المسافة الزمنية بين الماضي والحاضر في تحديد مواقفنا السياسية،

أو على الأقل في إثارة حسّنا السياسي بما يجري حولنا وقد يمس حياتنا. بما يؤكد أنه رغم الحديث اليومي عن المجتمع المدني في الآونة الأخيرة، ورغم النمو «التعليمي» و»الاتصالي» الواسع لمختلف القوى الاجتماعية، بما أضاف على القوى الاجتماعية التقليدية فجاورها أو زاحمها، فإنّ مواقف القيادات السياسية القائمة على الأمر ما زالت تشكل ترمومتراً هاماً لتحديد حرارة أو برودة المواقف السياسية للقاعدة والنخب معاً، بما فيها تلك المواقف الجذرية أو المبدئية تجاه واقع - ما- أو تجاه قضايا إنسانية ملتهبة. بل إنّ الأمر قد يصل لأن تشكل مواقف القيادات بوصلة يجري حسب اتجاهها تحديد اتجاهات الرأي العام. مما يجعل محاولة استقلالية الرأي أمراً ليس سهلاً، وأحياناً يكون محرجاً وفي معظم الأحيان يكون غير مسموع أو غير ذي بال في ميزان التأثير أو خلق حالة من السجال السلمي المنتج.

وفي الإطار «الفرضي» لهذا المسار، فقد وجدنا أنه ما ان أطلق خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله يوم السبت الماضي مبادرته باتجاه العراق لحل وضعه السياسي المأزوم تجاه تشكيل الحكومة، إلاّ وانطلقت الأقلام السياسية المتخصصة وأقلام الهواة على حد سواء، من الذين كانوا صامتين أو كانت في أفواههم ماء (سعوديين وعرباً).

وقد انطلقت الأقلام من عقالها على إثر المبادرة باختلاف مواقف أصحابها السابقة سواء من مشروع الهيمنة الأمريكي في حينه لاحتلال العراق، أو ما جاء في سياق الحرب والاحتلال من الأخطار الإقليمية والداخلية التي طحنت قوى العراق الاجتماعية المدنية وشررذمتها في تكوينات تقليدية ومستزرعة معاً. فكتبت هذه الأقلام عن المبادرة وعن أهميتها لبلد تاريخي مثل العراق، بعد أن وصلت الأوضاع السياسية والأمنية والمعيشية فيه إلى ما تحت خط الاستقرار الوطني، مثل ما وصلت الحال الاقتصادية بغالبية شعبه إلى ما تحت خط الفقر، بل إلى ما تحت خط الحياة الإنسانية الكريمة التي يمكن أن تليق ببشر. وقد تعدّدت الكتابات وإن لم يخرج إلاّ قليل منها عن فهمها في علاقتها بالعراق وحده دون أن يربطها بعلاقتها بالمنطقة.

ومن فهم هذا المسار أيضاً المشار إليه في (مطلع المقال)، فإنّ مبادرة الملك عبد الله الأخيرة الموجّهة للعراق، تستدعي التثمين ليس من منطلق معزوفة المديح، ولكن لأنّ هذه المبادرة في رأيي، وإن تحفّظت عليها بعض الأطراف العراقية القليلة أو أثارت بعض التساؤلات التي قد تكون موضع حوار أو اختلاف عربي أو إقليمي، فإنها قد نجحت بجدارة في أعادة الاعتبار للحالة العراقية الحارقة في وسائط الإعلام. هذا النجاح عامل هام في معادلة الحل للمسألة العراقية في بُعدها المحلي كما في بُعدها العربي والإقليمي، لأنه يخرج العراق من طوق العزلة التي أدخلته فيها الحرب عليه تحديداً والحرب على الإرهاب في المنطقة بشكل عام. تلك العزلة التي كادت أن تحوّل مذبحة الاحتلال الأمريكي اليومية المريعة للعراقيين من الأجنة والأطفال إلى البالغين من النساء والرجال من المواطنين العاديين، والتفتيت العشائري والطائفي والإثني الذي لحق به إلى مجرّد شريط أخبار يمر سريعاً وكأنه من صنع الخيال, فلا يوقظ ضميراً ولا يرفع إصبع احتجاج.

فإذا بالمواطن الذي بدا غير مبال لسنوات يرهف السمع على إثر المبادرة لعل وعسى. وهذا يُعَد نقلة نوعية من الاستسلام للسبات إلى المتابعة، بعد أن كان هذا المواطن قد نفض يده من متابعة الأمر برمّته على فظاعة ما يحدث في الجوار القريب منا قرب الترقوة من الرقبة. وإن كان المواطن على مستوى عربي وليس سعودي فقط، لم ينفض يده على الأرجح لعدم تعاطف أو لتبلد إنساني أمام جرح العراق المفتوح ما يزيد على سبع سنوات بما سبقها من عقود عجاف، ولكن تراه فعل ذلك خجلاً من مواجهة العجز في الإتيان بأبسط موقف يعبّر عن احتجاج على الحدث الجلل. كما لابد أن هذا الموقف لم يخل من أن يكون مجارات للصمت العربي العام ليس بالضرورة موافقة عليه، ولكن توارياً عن مشاهدة قلة حيلته يومياً أمام الكاميرات. فيما هو لا يستطيع أن يسهم بأي شكل إنساني في تخفيف وطأة المصاب، خاصة مع زيادة وتيرة تعقد المشهد السياسي داخل العراق سواء ما نتج عن واقع الانقسامات والتوترات العراقية العراقية الحادة، أو ما جاء نتيجة التفاقمات الإقليمية التي ولّدها الاحتلال بقصمه لكل ما يمكن قصمه من فقرات ظهر مفهوم السيادة الوطنية للعراق، وبالتعويم الذي تعرّض له كل شكل من أشكال المقاومة الوطنية النزيهة.

وبما أنّ حالي ليس إلاّ حال هذا المواطن السعودي والعربي، فلربما يحق لي في هذه الانفراجة التي خلقها مناخ المبادرة في علاقة المواطن بقضاياه، أن أقول بأنّ هذه المبادرة لا يجب النظر إليها وكأنها تعني العراق وحده، بل إنها في رأي لو توفرت شروط موضوعية وذاتية كافية لها، فقد تعني فاتحة استقرار للمنطقة كلها. ومن هذه الشروط الالتزام ميدانياً بما جاء فيها من البقاء على نفس المسافة من كل الأطراف العراقية وما يمثلونه من أطياف التشكيلة العراقية اجتماعياً وسياسياً في حوار حر مسؤول للتوصل إلى صيغة تمكن العراق من استعادة الضائع والمشتت والموزع من سيادته الوطنية.

ومن الشروط التي لا تقل أهمية ألاّ تفهم هذه المبادرة ولا تؤخذ ولا تقبل أن تكون بأي حال من الأحوال مجرّد محاولة متأخرة لاستعادة زمام الأمور في الشأن العراقي باتجاه استحواذات من أي نوع أو شكل كان. والأهم أن لا يسمح بأن تبدو هذه المبادرة ولا أن تكون نوعاً من محاولة تعديل موازين القوى الإقليمية على حساب طرف من الأطراف أو تركها لتكهنات ذلك بما قد ينقلب صراعاً سافراً في المنطقة بدل أن تكون حلاً له لمواجهة تحديات المنطقة بتحالفات لها عمقها الإستراتيجي المرتبط بمشتركات المصير. إذا إن ارتباطها بمصالح المنطقة أولاً وشعوبها هو استحقاق من استحقاقاتها الهامة الجديرة بها، لئلا توظف من قِبل القوى الخارجية كمجرّد ورقة سياسية للتلويح بتوزيع الحظوة والزعامات في لعبة العصا والجزرة التي ما فتأت تلعبها مع قيادات المنطقة من دول الخليج إلى تركيا وإيران. ولهذا فإنّ بُعد النظر الذي أطلق هذه المبادرة، لابد أنه يستطيع أن يرى أهمية الانفتاح والشراكة مع القوى العربية والإقليمية بالمنطقة ذات الحدود والعلاقات التاريخية المشتركة، ليس فقط من أجل خلق حالة سياسية تستعيد استقرار العراق وسيادته الوطنية، ولكن لأنه لا يمكن تجاهل تلك القوى باعتبارهما شريك في الحل لأجل استقرار المنطقة برمتها وسدّ الثغرات بما قد يخرجها من فوهة البركان الفاغر فاهه لابتلاعها جميعاً في أي لحظة تختل فيها علاقته التكتيكية في بعدها الإستراتيجي بأي من دول المنطقة أو بها جميعاً، كما حدث في مطلع القرنين السابق والحالي.

Fowziyah@maktoob.com
 

المدلول السياسي واستحقاقات النجاح لمبادرة الملك عبد الله تجاه العراق
د. فوزية عبد الله أبو خالد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة