Thursday  11/11/2010 Issue 13923

الخميس 05 ذو الحجة 1431  العدد  13923

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

عندما اطلعت على ما صرح به معالي الأستاذ فيصل بن عبد الرحمن معمر عن أن اللقاء الحواري الفكري الثالث حول الخطاب الثقافي السعودي سيتناول موضوع القبيلة والمناطقية والتصنيفات الفكرية، عندما كان مني ذلك صبيحة يوم الاثنين الماضي، فوراً قفزت إلى الذاكرة خارطة التصنيف الوطني سواء الاجتماعي أو الفكري أو الجغرافي أو الاقتصادي وتساءلت حينها في نفسي، ترى هل سيغير الحوار الوطني الواقع المر الذي يزداد مع الأيام سوءا وينتقل من جيل إلى جيل وكأنه من بين الجينات التي تتشكل خِلقةً في ذواتنا المستسلمة لمثل هذه القيود التي تصفدنا وتعيق حركتنا الحضارية وتوقف عجلة التنمية الخلاقة في جميع أجزاء وطننا المعطاء؟، وهل ستكون التوصيات التي يتوصل إليها هذا الحوار الفكري الذي سيشارك فيه سبعون مثقفاً ومثقفة سعوديا واقعا معاشا في حياتنا المجتمعية؟ هل ستنتهي من قاموسنا اليومي أنت ضدي إذا لم تكن معي؟ هل يمكن للمنظمين الخروج من هذا اللقاء وقد تخلص على الأقل المشاركون في الحوار من لوثة التصنيف وإشكالية التحيز والتسفيه والرمي للغير بتهمة الليبرالية أو العلمانية أو الإخوانية أو السرورية أو السلفية أو الوهابية أو....

ليست الكفاءة في النسب عندنا مقصورة على إبرام عقد الزواج بل تتعداه إلى ضروب الحياة المختلفة حتى إنها تكاد في أحيان كثيرة تخرق سفينة المجتمع المبحرة في عباب التنمية والبناء، وليست المناطقية في ركن قصي من مكاتبنا الحكومية وأوراقنا الرسمية وعلاقة بعضنا بعضا حتى صار يعرف في العرف المجتمعي أن هذه المؤسسة الحكومية مثلاً يسيطر عليها أهالي هذه المنطقة أو تلك، ولا أدل على هذا من التصريح الرسمي من قبل صاحب المعالي... من أن قطاعه ليس حكراً على هذه المنطقة دون غيرها بل هو متاح للجميع.

إن للشعب قوانينه وأنظمته التي تتقاطع وتتعارض مع نظام القبيلة الهرمي المعروف، ولذا قال الله عز وجل: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، وهنا ليس المقصود بالتعارف - كما أفهم وكما يدل عليه سياق الآية - التعارف الاجتماعي فقط بل يمتد هذا اللفظ ليشمل التعارف السياسي والاقتصادي والفكري و... وليس هو تعّرُف أشخاص وشخوص ولكنه معرفة نظام وقيم وأعراف، لذا لا يمكن أن أكون شعبا وطنيا تحكمه نظما وأعرافا ومفاهيم وعادات قبلية!!، وكذا لا يمكن أن أجتذب النظام الوطني/ المدني القائم على القيم المساواة والحرية والديمقراطية و... وأدمجه مع قيم القبيلة السياسية ليكون لدي هجين من هذا وذاك !!، لذا فشلت الديمقراطية العربية وعجزت عن أداء رسالتها والقيام بدورها المنتظر في جميع تجاربها وبكل مقاطعها وتفاصيلها كما هو معروف، وهذا في نظري أمر طبيعي ومسلم به عقلاً ونقلاً. وفي ختام الآية قوله سبحانه: {... إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمٌْ} (13) سورة الحجرات، تفضيل إلهي للنظام الشعبي على القبلي وإيماءة ربانية إلى أن مقياس التفاضل بين بني البشر ليس هو المعروف في المجتمع الجاهلي القائم على التصنيف القبلي/ القدري الجبري بل أساس جديد ركيزته ومنطلقه (التقوى) ذات البعد الإرادي/ الإيماني القلبي، وهذا يعني ضمناً هدم لبنات مجتمع ما قبل الإسلام وتشييد وطن إسلامي قائم على أساس هذا المصطلح الرائع والمتاح للجميع، وصدق الله القائل: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ} (109) سورة التوبة.

لقد وحد جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله رحمة واسعة هذا الكيان العزيز والوطن الحبيب المملكة العربية السعودية على أسس الدولة الحديثة وكان من مشاريعه الرائدة والرائعة «توطين البادية وتعليمهم، والانتقال بأرض الجزيرة العربية من حياة إلى حياة»، لذا ساد الأمن وانتهى السلب والنهب وعم الخير وساد الود وصار الجميع يحملون جنسية واحدة ويخضعون لنظام مدني مدون معروف، وتطبق على الكل العقوبات على قدم المساواة كما أنهم يحضون بنفس المميزات وينالون إمكانية التنافس على الفرص المتاحة بلا حسابات قبلية أو مناطقية أو فكرية، فمنهج الحياة وسبيل البقاء ومنطلق الأمن والرخاء السلفية الصحيحة الوسطية والمعتدلة التي تعتمد القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة مرجعاً ودليلاً، ولذا شيد هذا البناء الوطني المتميز بكل تفاصيله على مرجعية معروفة وشرعية واضحة وسنة منظمة بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية الصحيحة ويتلاءم مع متغيرات العصر ومتطلبات النهوض، وتكاتفت الجهود وعمل الجميع منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم وإلى الأبد بإذن الله من أجل الوطن وفي سبيل الرقي والتقدم والبقاء يقودهم في مضمار العطاء وميدان التنمية والبناء قادة عظماء يرفضون بكل صراحة ووضوح التفاضل القبلي والتصفيد المناطقي والانحراف الفكري والتصنيف الجماعي والانتماء الطائفي أو الحركي ولعلنا جميعاً نذكر جيداً ما قاله خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وفقه الله ورعاه حيال رمينا بعضنا بعضا بتهم الانتماء الفكري الذي لا أساس له ولا دليل عليه، ودمت عزيزاً يا وطني.. وإلى لقاء والسلام.

 

الحبر الأخضر
إشكالية التصنيف في دائرة الضوء
د. عثمان بن صالح العامر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة