Thursday  11/11/2010 Issue 13923

الخميس 05 ذو الحجة 1431  العدد  13923

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

قبل الثورة التكنولوجية التي نشهد تطوراتها المتلاحقة يوما بعد يوم، كانت أدبيات الدراسات الإعلامية والبحوث الأكاديمية تصف قوة تأثير وسائل الإعلام على الحكومات والمجتمعات بالسلطة الرابعة،

لتأتي في الترتيب بعد السلطات الثلاث المعروفة، وهي التشريعية والقضائية والتنفيذية. كانت المجتمعات التقليدية قبل ثورة تقنية المعلومات وعولمتها تخضع للهيمنة السياسية على وسائل الإعلام، وتتحكم في ما ينبغي أن يعلمه الجمهور، وتسمح بنشر ما ترغبه دوائر السياسة المحلية أو العالمية.

اليوم انقلبت المعادلة، وأصبحت الحكومات تحت سلطة الإعلام وهيمنته. فهل أصبح الإعلام هو السُّلطة المتجددة التي تؤثر في تشكيل الرأي العام السياسي والنخبوي، وبالتالي تؤثر على الرأي العام الشعبي؟

هذه جدلية حقيقية، تستحق أن تُعنى بها الدراسات الإعلامية والسياسية في الجامعات ومراكز البحث العلمي، وربما تؤسس لمجال جديد في الدراسات الإعلامية الأكاديمية، مستندة على التغير الكبير الذي طرأ على طبيعة العلاقة بين الحكومات ووسائل الإعلام. ومن هذه التغيرات الجوهرية التي نشهدها في العصر الحديث أن الكثير من الدول والمجتمعات انكشفت سماواتها أمام موجات الإعلام والعولمة المعلوماتية، وباتت شعوبها تتعرض لمضامين عابرة للقارات والحدود بحيث أصبح المواطن يعيش اغتراباً سياسياً وثقافياً أرغم هذه المجتمعات على أن تبحث في البدائل المتاحة لمواجهة هذه الظاهرة، ومن أهم هذه البدائل إتاحة هامش أكبر من الحرية لوسائلها الإعلامية لتُبقي على شيء من كياناتها المعنوية. ونرى اليوم أن واقع الإعلام في هذه المجتمعات قد تخطى في واقع ممارسته الدساتير والنظم التي تخضع لها، وهي القوانين التي كانت في يوم من الأيام تفرض رقابة صارمة على كل ما يُبث في الهواء أو ينشر في الورق.

ومعنى ذلك أن الإعلام الجديد بتقنياته المذهلة فرض قراراً لم تكن هذه المجتمعات ترغب فيه من قبل، وأجبرها على مسايرة الواقع الجديد، وهو ما يؤكد سطوة الإعلام ونفوذه المتجدد.

لقد فرضت هذه الحقيقة نفسها حتى في المجتمعات التي تحكمها النظم الديمقراطية، وتتيح لها حرية أكبر في وسائل الإعلام، فقد أصبحت هي الأخرى تحت سطوة هذا الإعلام، وأصبحت تخوض حرب معلومات عالمية تهدد مصالحها، التي لم تكن وسائل إعلامها المحلية تجرؤ على مناقشتها أو الحديث عنها. وربما أصبح موضوع العلاقة بين الحكومة ووسائل الإعلام في المجتمعات الديمقراطية من قضايا الماضي التي تجاوزتها الأطروحات العلمية والرسائل الأكاديمية لتنتقل إلى موضوعات أكثر واقعية وعصرية، وأصبحت تبحث في مواقف هذا النوع من الحكومات في مواجهة حرب المعلومات الإلكترونية، ليبقى البحث عن الحقيقة في هذا الصراع هو هدف (الإنسان العالمي) في عصر (القرية الكونية).

لنأخذ مثالاً من الإعلام الجديد يبرهن على أن هذا الإعلام قد زادت سطوته، وتجددت قوة تأثيره في عالم اليوم.

موقع ويكيليكس (Wikileaks، ومعناها»تسريبات الويكي») هو من وسائل هذا الإعلام الجديد الذي يتخذ من شبكة الإنترنت وسيلة لقوة تأثيره وانتشاره، وأرغم القنوات الإعلامية الأخرى على متابعته وتحليل تسريباته ووثائقه. هذا الموقع - كما جاء في موسوعة ويكيبيديا- مخصص لحماية الأشخاص الذين يكشفون الفضائح والأسرار التي تنال من المؤسسات أو الحكومات الفاسدة، وتكشف كل الانتهاكات التي تمس حقوق الإنسان أينما كانت. ومنذ تأسيسه في شهر يوليو من عام 2007، بدأ الموقع بالعمل على نشر المعلومات، وخوض الصراعات والمعارك القضائية والسياسية ضد الحكومات والساسة وصناع القرار وغيرهم للدفاع عن المبادئ التي قام عليها، ومنها حماية حقوق الإنسان واحترامها، بدءاً من الغذاء والرعاية الصحية والتعليم إلى قضايا الحروب وصراعاتها وضحاياها. وخدمة لهذه الغايات التي تخدم الإنسان في كل أرض وتحت كل سماء، رأى القائمون على موقع ويكيليكس أن أفضل طريقة لوقف هذه الانتهاكات هوكشفها وتسليط الضوء عليها بتسريبها إلى مختلف وسائل الإعلام والاتصال، وأهمها شبكة الانترنت.

في حرب الولايات المتحدة على العراق والإطاحة بنظامه السابق تحت ذريعة نزع أسلحة الدمار الشامل (والحرب ضد الإرهاب)، أمضت الإدارة الأمريكية شهوراً تهيئ فيها الرأي العام الأمريكي والعالمي لهذه الحرب ومبرراتها وذرائعها الكاذبة، حتى تقبل العالم - طوعا أو كرهاً - ما جرى بعد ذلك.

لكن موقع (ويكيليكس) قام بفضح تلك الممارسات الأمريكية التي صاحبت احتلال العراق، ومن شارك أو تواطأ في حدوثها، وذلك بتسريب ما يقارب 400 ألف وثيقة تتعلق بقتل أعداد كبيرة من المدنيين في العراق والتنكيل بهم في مشاهد تروي حدوث انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، وتؤكد تواطؤ بعض المسئولين الكبار في الحكومة العراقية وبعض دول الجوار ومشاركتهم في هذه الجرائم.

هذا التسريب الوثائقي عبر وسائل الإعلام والاتصال الجديد أثار حنق المتورطين من المسؤولين الحكوميين في الولايات المتحدة والعراق وإيران، وأرغمهم على التفاعل مع هذه التسريبات والخضوع لسطوتها، بل أصبحت هذه الحكومات تُحاصر سياسياً وقانونياً من جهات أخرى غير موقع ويكيليكس، مثل منظمات حقوق الإنسان الدولية التي أصبحت تطالب بتقصي الحقائق حول ما جرى في العراق.

لم يكن ذلك ليحدث لولا الضغوط القوية التي مارستها وسائل الإعلام الجديد على هذه الحكومات وأجبرتها على كشف الحقيقة، وهو ما يتعارض مع توجهات هذه الحكومات ومراكز صنع القرار السياسي فيها.

هذا المثال يوضح بجلاء أن سلطة الإعلام باتت اليوم أكثر تأثيراً على الرأي العام من غيرها. وما يقال عن السياسة يقال أيضا عن التعليم والتربية والقضاء وغيرها من المجالات ذات العلاقة الوثيقة بحياة الإنسان مهما اختلفت البيئة وتغير المكان. فهل ما نشهده من سلطة الإعلام وهيمنته وقوة تأثيره على الحكومات والمجتمعات لا يزال يجعل من هذا الإعلام (السلطة الرابعة)؟ أم أن الواقع يفرض غير ذلك؟

أستاذ الإعلام السياسي بجامعة الإمام محمد بن سعود

 

الإعلام .. السلطة المتجددة
د. محمد بن سعود البشر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة