Friday  12/11/2010 Issue 13924

الجمعة 06 ذو الحجة 1431  العدد  13924

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

متابعة

 

رحم الله أخي الإنسان (ناصر الشريمي)

رجوع

 

في حديث أسامة بن شريك (قالوا - أي الصحابة -: يا رسول الله من أحبّ عباد الله إلى الله؟ قال أحسنهم خلقاً)، وفي رواية عنه (ما خير ما أعطي الإنسان؟ قال: خلق حسن)، ومن حديث أبي هريرة (سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة، فقال: تقوى الله وحسن الخلق)، وعن أنس قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر فقال: يا أبا ذر ألا أدلّك على خصلتين هما أخف على الظهر، وأقل (في الميزان) من غيرهما؟ قال: بلى يا رسول الله (قال عليك بحسن الخلق، وطول الصمت، فو الذي بيده ما عمل الخلائق بمثلها). ومن نافلة القول ومن نافذة هذه الأحاديث العظيمة بمعانيها العميقة وقيمها السامية وروعة خصالها النبوية، يطل علينا أخي لأمي الأكبر الراحل (ناصر إبراهيم الشريمي) - رحمه الله - الذي رحل عن هذه الدنيا إثر مرض عضال عانى منه طويلاً، لكنه عاد ليطل علينا من جديد بسيرته النيّرة مع شروق شمس الذكريات الجميلة وهبوب هواء الماضي التليد، حيث قدّم أخي النقي طوال حياته التي امتدت لـ(50 عاماً).. قدم أروع الأمثلة الأخلاقية وأجمل الدروس التربوية المستمدة من عمق إيمانه وسلامة عقيدته ونضج تفكيره الموضوعي والعقلاني واتزان سلوكه، فعندما كان يحل ضيفاً في المجالس، كان يتحوّل بطيبته المتناهية وتواضعه الجم وخلقه العالي وثقافته الرصينة وحسن صمته، إلى مدارس علم وفكر وإثراء، ننهل من فصولها العلوم التربوية الإيمانية والمعايير الاجتماعية الأصيلة والقيم الإسلامية الحميدة .. نعم نهل السلفي بحسن خلقه وتواضعه الكبير - أبو إبراهيم - من معين هذه الأحاديث النبوية الشريفة التي تتناول أهمية هذه العلوم التربوية في شخصية المسلم.. نهل هذه الخصال النبيلة والقيم الفضيلة التي شكّلت أبرز ملامح شخصيته الهادئة والمتزنة، وإزاء ذلك كسب - رحمه الله - في حياته رصيداً كبيراً في بنك العلاقات الاجتماعية، وذلك لاحترامه المنبثق من عمق تواضعه العجيب مع الصغار والكبار، نعم كان - رحمه الله - يحترم الجميع مهما كانوا فقراء أو ضعفاء أو أقل منه منزلة، منطلقاً من قوله تعالى {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (الشعراء 215) كان يملك قلباً كبيراً اتسع حباً وإجلالاً ومودّة لكل من قرع باب التعامل معه ودلف دار سلوكه الفطري، وجلس على بساط قيمه النبيلة واحتسى قهوة الابتسامة الصافية ونكهة بشاشته المألوفة. لقد أثبت أخي ناصر - غفر الله له - أنّ هذه العلوم التربوية من حسن الخلق والتواضع وحب الخير وجميل الإيثار والأدب الجم والطيبة المتناهية، علوم فطرية تولد مع بني آدم وهي منحة من الخالق عزَّ وجلَّ، ولم تكن مصطنعة أو مبروَزة ببرواز التزيف والكذب والنفاق والتسلّق والتملّق، كما هو ديدن الكثير من بني البشر في عصر الفتن والمحن، عصر تحوّلت فيه اتجاهات وأفكار معظم الناس إلى ممارسة هذه السلوكيات المشينة وهذه التجاوزات - غير الأخلاقية - التي تتنافى مع أبسط قواعد الدين الإسلامي القويم، سعياً في تحقيق أهدافهم الشخصية ومآربهم المفضوحة، لأنهم وبكل صراحة وراحة ووضوح تجرّدوا من القيم الإيمانية، وخلعوا قميص الشيم التربوية ولبسوا (جنز سامحني يا بابا)!!! أما بطل الكلمة عبر (خواطر وجدانية) الراحل (ناصر الشريمي)، فقد لبس (ثوب) الخلق العالي و(غترة) التواضع و(طاقية) الإيثار الجميل و(عقال) الطيبة المتناهية و(حذاء) الهدوء والاتزان، فظهر أمام الجميع في المجالس والميادين الحياتية في صورة ونمط خلق الأولين وسلوك السلف الصالح وقيم الفضلاء، وبالتالي منحته تلك السِّمات الإنسانية تذكرة الدخول إلى قلوب ووجدان كل من تعامل معه أو صافح أيادي أخلاقه العالية!!، دعونا نغوص في أعماق حياته العصامية ونسبر أغوارهما، فكما هو معروف أنّ الراحل في نمط حياته التعاملية ناصر الشريمي وُلد يتيم الأب، حيث فقد والده وهو يرتع في عامه الرابع، ثم مات شقيقه الأصغر أخي (مساعد الأول) وعمره عامان فعاشت والدتي نورة الموينع - رحمها الله - حياة كانت مليئة بالأحزان والوجوم على فقد زوجها إبراهيم الشريمي - رحمه الله (25 عاماً) - ثم طفلها الصغير مساعد (عامان)، وبقي ابنها الوحيد اليتيم ناصر الذي حمل هموم والدته في صباه وعاش حياة مليئة بالتعب والمشقة والمرارة وبناء مستقبله بكل كفاح ونجاح وفلاح، حيث كان يدرس صباحاً ويعمل سائق أجرة بحثاً عن ما يسد رمقه ورمق أسرته، ولم يكن مثل بعض الشباب في محيطه العائلي المرفّهين الذين وُلدوا ووجدوا النعمة أمامهم لقمة سائغة، إنما شق طريق بناء مستقبله وحبات العرق تنسكب من على جبينه لاسيما عندما تزوج وهو في سن 18 عاما من زوجته الوفية أم إبراهيم، وكانت جدتي الراحلة (هياء السفيان) غفر الله لها ولوالديها في آخر عمرها التي فجعت لفراق والدتي 34 عاماً وحزنت أكثر وبكت، عندما تركت طفلاً في شهره السادس هو كاتب هذه السطور الفقير إلى الله (خالد)، ممهداً في مهده يعيش بلا أم يشرب منها حليب الحنان والأمومة، ويروي وجدانه وعطش همومه، فبكت مرتين على ابنتها الشابة وحفيدها سداسي الشهر!! ومن الحزن وتأثيره النفسي العميق ماتت جدتي بعد سنة أو تزيد، حزناً على فراق ابنتها الشابة نورة، حيث كانت جدتي قبل وفاتها قد انتقلت للعيش عند حفيدها العصامي ناصر الشريمي، وأصبح يقوم على رعاية أسرته وجدته معتمداً على الله عزَّ وجلَّ ثم على الدخل اليومي من سيارة الأجرة ... هكذا صبر وظفر بعد أن كابد في هذه الحياة، فبعد وفاة جدتي - رحمها الله - واصل تعليمه الثانوي ليلاً، ثم حصل على بعثة إلى أمريكا أواخر التسعينيات الهجرية، فقرر شدّ الرحال لنهل العلم والمعرفة من أعرق الجامعات الأمريكية، فحزم حقائب البر والخلق والتقوى والنية الصادقة والتوكل على الله، وكل ذلك كان - بعون الله - سبباً في توفيقه وفلاحه في حياته المعيشية والاجتماعية، قال الله تعالى {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً{2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} سورة الطلاق، فبعد تخرجه من الجامعة وعودته لوطنه مرصّعاً بالعلم والمعرفة، حصل - رحمه الله - على وظيفة حكومية تناسب مؤهله العلمي الرفيع آنذاك، حيث فتح الله له باب الرزق المبارك والخير الوفير وسعة المال وراحة البال وبركة الأبناء فضلاً عن محبة الجميع، لقد كان متفقاً عليه محبة ومودة لأنه تخلّق بخلق الكبار من أدب وتواضع وصبر وإيثار وحب الخير وحسن التعامل ونقاوة القلب وسلامة المبدأ، فصدق مع الله في منهجه القويم ومسلكه السليم، فغادر هذه الدنيا الفانية بقلب سليم .. هكذا كان أبو إبراهيم النقي الذي رحل عنا بجسده وعاد إلينا بسيرته النيّرة وسمعته العطرة .. عاد مهرولاً ليصافح قلوبنا ويلامس مشاعرنا الفيّاضة بمنهجه السلفي .. عاد في عصر يشهد الكثير من المشكلات الاجتماعية المتضخمة وأزمات في القيم الأخلاقية، وانحسار في الشيم الإنسانية التربوية .. عاد الأستاذ التربوي إلى - مدرسة الرجال الأفاضل - ليفتح فصول المعايير الأخلاقية والمبادئ الإيمانية السلوكية والقيم الإسلامية الحميدة، لجيل العولمة والأمرَكة والاغتراب الثقافي، فمن يقرأ سيرة ومسيرة ناصر الشريمي السلوكية، لابد أن يعيد هذا الجيل المغترب حساباته في بنك القيم الأخلاقية من حسن أدب وخلق وتواضع وابتسامة، ويكفي أنّ خير الناس عند الله من كان متواضعاً، وأنّ أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله .. وهذه أبرز سماته الفطرية التي بقيت محفورة في الوجدان والأذهان .. والله المستعان.

* رحم الله الإنسان النبيل أخي لأمي ناصر إبراهيم الشريمي، وُلد يتيماً وعاش كريم النفس ومات صابراً محتسباً على مرضه العضال، وقد ترك لنا سيرة رجل عظيم خلقاً وسلوكاً وتواضعاً وقيماً.

خالد الدوس - باحث اجتماعي -

k-aldous@hotmail.com
 

رجوع

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة