Sunday  14/11/2010 Issue 13926

الأحد 08 ذو الحجة 1431  العدد  13926

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

متابعة

 

رحمك الله أبا إسماعيل
عبدالعزيز عبدالرحمن الخريف

 

رجوع

 

وما المرء إلا كالهلال وضوئه

يوفي تمام الشهر ثم يغيب

الإنسان حينما تغرب شمسه عن الدنيا قد يحس بفقده، وغيابه الطويل الأبدي فيذكر، وينظر إليه من جوانب عدة، إما لعلمه أو لكرمه وإحسانه، أو لبذل جاهه ونفع مَن حوله نفعاً لا يضر بأحد..، فإن حبه وذكره الحسن يبقى في النفوس طويلاً، «فأبو إسماعيل « إبراهيم بن عبد الله الزريعي الذي انتقل إلى دار النعيم بعد منتصف ليلة الخميس 27-11-1431هـ - رحمه الله - قد وصف بالكرم وسماحة الخلق منذ فجر حياته، يألفه أقرانه، وأترابه، وجيرانه، وجميع مَن له صلة به..، وأذكر جيداً أنه لا يجبن أمام كثرة من يؤم حريملاء «آنذاك» من زوار وضيوف وخاصة في مناسبات الأعراس والحضور برفقة المتزوجين رغم أنه متوسط الحال مادياً، ومع ضيق مجلسه إلا أن صدره أرحب، فالمنازل في سالف الأيام كلها طينية ومحدودة المساحة، فيقل من يستقبلهم لتناول القهوة لضيق مجالسهم، وعدم توفر لوازم القهوة، فأبو إسماعيل - رحمه الله- يتشجّع ويدعوهم لدخول مجلسه وإذا ضاق فرش ما تيسّر من بسط وحصر أمام منزله، فهو بعمله هذا المشرّف يمتص جزءاً من وقتهم ريثما يحين وقت العشاء أو الغداء، فيعطي سمعة طيبة عنه وعن أهالي بلده، ولله در الشاعر حيث يقول:

وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى

ولكنما وجه الكريم خصيب

ولن تجود يد إلا بما تجد، وكرم النفس متأصّل في شعاب نفسه حتى قبيل وفاته فإن مجلسه الداخل في مزرعته دوماً عامر بحضور صحبه ورفاقه ومن يمر به..، وخاصة في أطراف النهار، وأوائل الليل، فيتخلّل تلك السويعات سويعات الآصال والأماسي مسامرات وأحاديث مرحة وقصص طريفة، وكأن الذي يمر محاذياً تلك الخيمة ذات العماد، وقد خلت من صاحبها ومن جلسائه يتأوه حزناً مومياً بمقدمة رأسه متمنياً رجوع تلك الليالي الجميلة، ولكن هيهات له رجوع من مضى لسبيله:

وليست عشيات الحمى برواجع

عليك ولكن خل عيناك تدمعا!!

فحال الدنيا تجمع وتفرّق وسرور يعقبه كدر وهكذا طبع الليالي..، ولقد درس في صغره القرآن الكريم وتعلّم الخط والإملاء بإحدى مدارس الكتّاب، وبعد ما كبر التحق بالمدرسة الليلية بحريملاء مسقط رأسه، بعد ذلك شخص إلى المنطقة الشرقية لطلب المعيشة فألفى على معالي الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن عدوان مدير المالية وممثل الحكومة لدى شركة أرامكو - آنذاك - فتوسّم فيه الحيوية والنباهة فوجهه للعمل بخفر السواحل فأدى عمله بكل نشاط وإخلاص فترة من الزمن، ثم عاد إلى مدينة الرياض فاشتغل في بعض المهن التي تدر عليه الخير الوفير، بعد ذلك استبد به الحنين إلى مهوى رأسه حريملاء ثم عاد إليها فعمل بالبلدية وقتاً من الزمن ثم انتقل إلى فرع الزراعة حتى تقاعد، وكان محبوباً لدى زملائه في العمل لطيب عشرته، وحسن تعامله، وسلوكه مع الجميع، ومن طيب نفسه وحبه لعمل الخير أنه كان يلوّح بالتبرع ببعض أعضاء جسمه..، عندما يدنو أجله المحتوم، ولكن تدهور حالته الصحية وتعدد أمراضه بعد وفاة شريكة حياته ورفيقة دربه أم أولاده التي رحلت عنه منذ عام تقريباً، فأصبح بعدها في عزلة يعاني وحشة الفراق، فلم يتسن له ذلك، فربنا كريم يجازيه بما نوى، فالأعمال بالنيّات، وكنا نحاول تسليته لتخفيف ما بداخله وبين جوانحه من لوعات الفراق مكرّرين على مسمعه هذا البيت:

فلاتبكين في إثر شيء ندامة

إذا نزعته من يديك النوازع!

ولنا معه ذكريات لا تنسى وأجملها صحبتنا له في مواسم القنص والصيد، وكان ولوعاً بحب الرحلات والصيد ليلاً للأرانب قبل صدور قرار المنع..، فنذهب سوياً لأشاركه متعة الصيد في غابات شعيب حريملاء وفي شعيب الحيسية المتاخم له، فهو ملاح حاذق في طرد الأرانب، فأشفق عليه لتخفيف السرعة مذكراً له بقول الشاعر العربي:

إذا كان رأس المال عمرك فاحترز

عليه من الإنفاق في غير واجب

ولقد حزن الكثير من رفاقه ومحبيه على فراقه واضجاعه بعيداً عنهم في باطن الأرض إلى نهوض جميع الخلائق ليوم الحساب، والعزاء في ذلك أنه قد خلف ذرية صالحة وذكراً حسناً:

وإنما المرء حديث بعده

فكن حديثاً حسنا لمن وعى

رحم الله أبا إسماعيل وألهم ذويه وأبناءه وبناته ومحبيه الصبر والسلوان. (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ).

 

رجوع

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة