Thursday  18/11/2010 Issue 13930

الخميس 12 ذو الحجة 1431  العدد  13930

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

أحياناً، يحتاج الفرد وحتى الجماعة لعملية خداع الذات متى استحكمت المشكلة وانسدّت منافذ الحلول، ومتى صار اليأس أكبر وأقوى من القدرة على التدبُّر والتفكير، تحت قاعدة (لعل وعسى)، ومشاكل السَّير لدينا في الطرقات والشوارع ربما أعيت شرطة المرور لاختراع الحلول،

ولعل نظام (ساهر) أحدثها وربما الذي حظي بأكبر قدر من التشجيع والترحيب - ظاهرياً على الأقل -، لكنه أيضاً أصاب البعض بالفقر والمرض.

هذا النظام الآلي المسمّى (ساهر) هو نظام مختص بضبط متجاوزي السرعة بشكل خفي في الغالب، وكأنه نظام قنص (للجيوب) وهو ليس كذلك بالتأكيد، لكنه في الواقع يبدو كحيلة لمن لا حيلة له، ومن المحبط حقاً قول ذلك، لولا أنّ فوضوية السَّير تجاوزت الحد المعقول، حتى صار الراغب في ضبط مساره مرغماً ومجبراً على مجاراة هذه الفوضى والتناغم معها وإلاّ صار في زمرة مجانين.

من هنا أقول إنّ السرعة ورغم خطورتها ليست هي المشكلة، حتى يقال إنّ نقاط (ساهر) خفّضت أرقام الإحصاء للحوادث والإصابات، هذا ليس صحيحاً حتى وإنْ انخفضت تلك الأرقام، فالذي خفض أو يخفض تلك الأرقام في الإحصاءات هو ارتداد هاجس الضبط من مسئولي المرور إلى وعي الفرد، وهذا ما يفسّر خمود وتلاشي الحماس في الانضباط لدى قائدي المركبات، بعد فترة وجيزة من كلِّ حملة مرورية أو ضبط مستجد، أو على الأقل تجد الانضباط أو الحرص على عدم ارتكاب المخالفة يكون فقط في الحالة التي اهتمت بها شرطة السَّير وفعلت ضبطها، ومن هنا أعتقد أنّ المشكلة الحقيقية هي في عدم استمرار تفعيل هاجس الضبط لدى جهاز المرور، ليتواصل ارتداده إلى وعي قائدي المركبات وباستمرار متواصل، وهذا بالتأكيد لا يتطلّب استيراد مصائد واختراع حيل، ولكنه يتطلّب تفعيل ثقافة الانضباط.

إنّ التنقل من مسار إلى آخر بشكل فوضوي هو أخطر من تجاوز السرعة، والسَّير في وسط الطريق ببطء هو أيضاً أخطر من تجاوز السرعة، والدخول من الممرّات والسكك الفرعية إلى الشوارع والطرق بحماقة هو أيضا أخطر من تجاوز السرعة، والأخطر من هذا وذاك، هو تواجد رجل المرور أمام حالة استهتار وتجاوز على أنظمة السَّير وهو مشغول بكتابة رسالة نصّية على جهاز الجوال، في مشهد يوجع وعي العاقل ويعصر قلبه، والأشد إيلاماً من هذا أن تخاطب رجل المرور وتبلغه بالمخالفة، فتجد منه رداً يترجم ضعف ثقافة احترام الأنظمة.

ويشتكي نظام السَّير من أنّ أغلب الشوارع والطرق لدينا تنقصها الهندسة المرورية، وهذا صحيح، لكن لماذا يحمّل قائدي المركبات مسئولية هذه الأخطاء ؟ ولماذا وقد تم اكتشاف هذه الأخطاء - وإنْ كان متأخراً - لا يبدأ فوراً في تصحيحها، وخاصة المداخل الفرعية على الطرق والشوارع ؟

وينفي نظام المرور تحمُّله مسئولية الاكتظاظ والزحام قرب مقار الأجهزة الخدمية لعدم توافر مواقف للسيارات، وهذا صحيح ولكن لماذا لا يبدأ جهاز المرور نفسه بتوفير مواقف لسيارات مراجعيه ؟. ويشتكي نظام المرور من أنّ مدننا تفتقر لوسائل المواصلات العامة، وهذا صحيح ولكن ما فائدة العلم دون عمل ؟ ثم لماذا نتقاذف المسئوليات ونرميها بهذا الاتجاه وذاك، ولا نستورد كاميرات ذكية لالتقاط مثل هذه المخالفات والأخطاء، لا لتغريم هذه الأجهزة الحكومية، ولكن لتصويب وتصحيح ما يساعد في تحسين أداء الطرق والميادين ويساعد في ضبط السَّير، فإن أضفنا إلى ذلك تفعيل أداء رجال المرور ورفع قيمة الأنظمة والتنظيم وأهمية احترامها كجزء أساسي من الثقافة المهنية لديهم، فلاشك أننا سنحصل على نجاح حقيقي في تحسُّن أداء السَّير وانخفاض جدير بالفخر في أرقام الإحصاءات للحوادث والإصابات.

وما يمكن قوله أخيراً، إنّ الغرامات والاجتهاد في توفير وسائلها وأدواتها سواء كان بالأجهزة الإليكترونية أو نقاط التفتيش، ليست هي الخيار الأكثر صواباً لضبط مخالفات السَّير في مناخ يفتقر لأدنى درجات الوعي والاهتمام لثقافة احترام الأنظمة والنظم، ولن يتأتّى ذلك ما لم يكن المنظِّم والضابط مالكاً لهذا الإشعاع ليعكسه الصدق والإخلاص في العمل إلى عقل ووجدان الفرد المستهدف، فيكون الناتج في النهاية مناخاً سليماً وحضارياً تكون فيه المخالفة المرورية بمثابة جرم ينتقص من المخالف في قيمته الانضباطية، ويكون أثرها وتأثيرها أجلّ وأكبر من إتاوة يدفعها القادرون دون إدراك لحيثياتها، أو سطوة قوي يدفعها ذو المخمصة من دم قلبه.

Hassan-alyemni@hotmail.com
 

لا يا ساهر ... السرعة ليست هي القضية
حسن اليمني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة