Tuesday  23/11/2010 Issue 13935

الثلاثاء 17 ذو الحجة 1431  العدد  13935

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

منوعـات

           

لم يعد ابنك لك، ولا ابنتك لك، لا زوجتك هي زوجتك ولست زوجًا لأحد، لم تعد أبًا ولا ابنًا لأحد، لم يعد صديقك هو الذي يجلس بجوارك ويحادثك، بل أصبحت متوحدًا تمامًا، مثل ذئب شارد في البراري رغم أنك في مدينة ضخمة مليئة بالبشر، فربما تجد أبناءك وآباءك وأصدقاءك وصديقاتك خارج بيتك، بل خارج حيِّك، ولتقل خارج مدينتك أو خارج وطنك بأكمله، ربما هم يقبعون خارج الحدود، ما وراء البحار والمحيطات!

هل أصبحنا متوحدين متوحِّشين إلى درجة أن عالمنا الكبير تجمَّع داخل جهاز صغير نضعه داخل جيوبنا، نخبئ داخله أصدقاءنا مثلاً، ونخبئ منازلنا ومكتباتنا وبريدنا وأصواتنا وحياتنا، نخبئ فيه بنوكنا التي نتعامل معها، ومستشفياتنا التي نعالج فيها، وبلداننا التي نزورها، جهاز بحجم الكفِّ، ساحر مجنون عبقري، يقول لنا: لا داعي أن تجلس مع ابنك ولا مع زوجتك ولا مع أمك وأبيك، ولا داعي أن تدير محرك سيارتك وتذهب إلى البنك كي تسدِّد فاتورة الكهرباء والهاتف، أو تحوِّل مبلغًا لأحد، أو تطمئن على حسابك البنكي، ولا داعي أن تذهب إلى المكتبة لتشتري كتابًا أو جريدة، ولا داعي أن تذهب إلى السينما كي تشاهد فيلمًا، ولا داعي أن تتحرَّك من فوق سريرك أصلاً، فقط مدّ يدك إلى جيبك تخرج مملوءة بجهاز صغير بأزرار لامعة، يسمى البلاك بيري أو الآي فون أو ما شابه، ثم تعقد جلسة عمل وتدير صفقة مع شركاء في نيويورك وأنت ب «سروال السنّة» و»فانيلة علاقي» وبشعر منكوش وعيون متورِّمة من أثر النوم، فلا داعي أن تسافر وتلبس بدلة رسمية وكرافتة!

كل هذه أمور إيجابية وتسهيلات لم يحلم بها إنسان القرن العشرين (لاحظوا حين كتبت إنسان، كدت أقول إنسان الغاب)، فالزمن والتقنية تتلاحق بشكل مرعب ومخيف دون أن نضع في حسباننا أثر ذلك على حياتنا الاجتماعية والنفسية، فالسرعة ليست دائمًا إيجابية، أحيانًا يكون البطء إيجابيًا ومطلوبًا، وليس أكثر دلالة على ذلك من قيام أكثر من دولة أوروبية بتنفيذ رحلات بقطارات الفحم القديمة، ليس بهدف استرجاع الماضي فحسب، بل رغبة الشعور بالبطء والاسترخاء.

أيضًا ما زلت أتذكر تجارب أسرية متعددة في الغرب، قبل عشرين عامًا، بحظر استخدام التلفزيونات في البيت لمدة شهر مثلاً، في محاولة لاستعادة العلاقات المفقودة بين أعضاء الأسرة، لأن المتحدث الوحيد بينهم هي الشاشة الفضيَّة الصغيرة!

ماذا ستفعل هذه العائلات الآن، بعد أن كان الكل يشترك في الإنصات إلى شاشة واحدة، وقد أصبح الآن في جيب كل واحد منهم شاشته وعالمه المستقل؟ كيف ستكون بيوتهم وبيوتنا بعدما تحولت إلى فنادق ذات غرف مستقلة وأشخاص غرباء؟ ماذا سيفعل محاضر الجامعة وخطيب الجامع مع شباب ال «بي بي» وقد أنشب كل منهم رأسه في شاشته وبدأ يدردش مع صديق أو قريب، دون أن يصغي لما يُقال في المحاضرة أو الخطبة؟ بل وهذا المؤلم، كم سيموت من هؤلاء في الطرقات وقد انصرف خمسون بالمائة من تركيزهم الذهني وهم يتراسلون ويدردشون منصرفين عن الطريق، ومعرِّضين حياة الآخرين أيضًا إلى الخطر؟!

 

نزهات
شباب الـ «بي بي»
يوسف المحيميد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة