Tuesday  30/11/2010 Issue 13942

الثلاثاء 24 ذو الحجة 1431  العدد  13942

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

كلما نظرت في مكتبتي إلى حقول:

- الصراع السياسي.

- الصراع الفكري.

- المعارك الأدبية .

تمنيت أن يكون إلى جانبها حقول مماثلة مثل:

- حوار الحضارات.

- التفاوض السياسي.

- النقد الأدبي التطبيقي.

ولربما يكون هناك رسيس من طلول العقول ولكنه لا يصيب جنان الروابي، إذ ما أقل الذين يفضلون الوئام على الخصام، وكما أن الجنون فنون فإن الصراع هو الآخر فنون، وإذ لم يشأ الله ومن خلال سُننه الكونية حسم الخلاف إلى الأبد، فإنه وَجَّه إلى إدارة حكيمة للصراع الأزلي، وبخاصة بين أطياف الأمة الواحدة، {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} و{وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} و{وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ} و{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} و{وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.

ولما كان أهون الصراع خطراً وأعنفه ممارسة صراع الأدباء، فقد استفحل منذ القرون الأولى، وأشده ضراوة الصراع بين القديم والحديث، فمن أفظهم وأغلظهم مَنْ ينفي الأدبية والشعرية عن المولودين، ويتحمس إلى حدِّ التشنج للشعر الجاهلين، ويحذر طلابه من كتابة الشعر المولَّد، إذ يراه وبالاً على اللغة وآدابها.

ومؤرخو الأدب يتفسحون لهذا الصنف من المأزومين وضيقي العطن ولن تُعدم هذه التوعية في مختلف حقول المعرفة وعلى مر العصور، ولقد يستغرب البعض لحظات الانفعال والاهتياج بعد أربعة عشر قرناً عند بعض النقاد الذين جاسوا خلال الديار المتعلمنة والمتعلمة ويستكبر جرأتهم في الحكم بالموت الناجز على (النقد الأدبي) و(علم النحو)، لا لشيء إلا لأن مدارس الغرب المأخوذة بالتجريب طرحت بدائل لم تستقم لها المشاهد في بلد المنشأ، ك(النقد الثقافي) و(التحويلية)، وما واكبها من (تداولية) و(بنيوية) و(تفكيكية) و(تأديلية)، والذين تلهب وجوههم مثل هذه اللفحات يألفون هذا الصلف وردود الأفعال، ولا سيما أن مثل هذا العنف يصدر من نقاد وعلماء متمكنين في فنهم وممن لهم حضورهم الذي لا يختلف حوله رشيد، بل لهم تأثيرهم وأشياعهم الذين يتلقفون ما يلفظون من قول ويتسابقون في إشاعته والقبول به.

وضيقوا العطن الوجلون يتذمرون من مثل هذه المجازفات، ويرثون لحال المشاهد، ظنا منهم أن مثل هذه الإطلاقات سيكون لها ما بعدها وما هي إلا سحابة صيف عما قريب تتقشع.

ولو تجاوزنا الراهن إلى أقرب مرحلة لوجدنا ذات الصراع وعين الغرائبيات، ف(العقاد) بكل ما يملكه من عملقة وتأثير وأشياع، وضع كل بيضة في سلة (المنهج النفسي) في النقد ودرس الأدب والشخصيات التاريخية على ضوئه، وأحدث تحولاً جذرياً وما استطاع بجبروته أن يظفر لهذا المذهب الطارئ ولو مفحص قطاة.

و«طه حسين» الذي تنساب رؤاه في شرايين الأفكار كالحذر سلك المهيع نفسه حين اتخذ «المنهج الاجتماعي» في النقد واستنزف كل طاقاته واستخدم كل إمكانياته ليقف هذا المنهج الكسيح على قدميه.

ومضى «العقاد» و«طه حسين» بوصفهما علمين شامخين ومضت معهما رهاناتهما الخاسرة، فيما ظلت مكانتهما ساطعة على الرغم من فشل مشاريعهما وفي كل محطة تاريخية ينجم عالم يُحوِّل أنظار التاريخ لصلفه وعنف تداوله للآراء بين لداته ومجايليه، ثم لا يلبث أن يطويه التاريخ، ويكون خبراً بعد عين، ومن منا لا يذكر منجنيق الفقهاء وحجاجهم «أبا محمد علي بن حزم الظاهري» رحمه الله وحملته الدامية على الفقهاء، ولقد تلقف الراية من بعده سلفه الأعنف أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري الذي حنكه كر الجديدين وأصبح من بعد الأكثر رزانة وروية بعد جماح أرهب المشاهد كلها.

ومشاهدنا المحلية بوصفها الأكثر تأثراً بالمتغيرات والأسرع في قبول الطارئ والأجرأ على تلقي الركبان تعيش حالة من الاشتعال والانطغاء، ولا ينجيها من داومة الجور إلا التخليات الطوعية بعد خور القوى.

لقد هبت رياح «الحداثة» وقام إليها من يحسن استيعابها ومن لا يدري ما هي، وثارت حولها معارك طاحنة وسيئت وجوه كثيرة، وشوهت سمعات بريئة، وتحول المختصمون حولها والمحتفون بها كما الجلساء حول نافخ الكير لم ينالوا خيراً، وإنما أحرقت أطرافهم، ودنست ملابسهم، وزكمت أنوفهم، ولوثت مشاهدهم، ولم يتصوح نبتها إلا من بعد ما ملأت النفوس أحقاداً وضغائن، وحين ثوت كهشيم المحتظر بدأت مضمراتها تَضْحَى وعوادها ينكشف. وما ذاك إلا من سوء الإدارة. وما انتاب المشاهد في «مصر» خير شاهد على استفحال الصراع، والفشل في إدارته، ويكفي استدعاء عصر العمالقة وما كتب عن معاركهم الأدبية والفكرية، وما اكتشف من سرقات للأفكار والمناهج، وما بلغته أخلاقيات الصراع من اتهامات واستخفافات وتسفيهات لا تليق بالبسطاء من الناس، ويكفي استعراض معارك «العقاد» و«طه حسين» و«زكي مبارك» و«الرافعي» ذلك على المستوى الأدبي.

أما على المستوى الاجتماعي فأعْتى المعارك ما دار حول «قاسم أمين» وآرائه في تحرير المرأة، أما المعارك السياسية فلا تزال قائمة على أشدها، ولها في كل عِقْد مثيراتها، ولعلنا نذكر من بدايتها ما دار حول رؤية «مصطفى عبدالرازق» حول الخلافة، وعلى المستوى الفلسفي نسترجع ما دار بين «عبدالرحمن بدوي» وخصومه، هو ما أشار إليه في سيرته الفضائحية، ولو مضينا في التنقيب لراعنا ما نسمع ونرى في أقطار العالم فضلا عن الوطن العربي وراهنه.

يتبع

 

الفشل في إدارة الصراع ( 1 ـ 2 )
د. حسن بن فهد الهويمل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة