Wednesday  01/12/2010 Issue 13943

الاربعاء 25 ذو الحجة 1431  العدد  13943

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

أطلق اصطلاح (السيبرناطيقيه) أول ما أطلق على علم الاتصال والتحكم عند الحيوان و في الآلة، وكان ذلك في أربعينات القرن الماضي، أما اليوم فقد صار له تعريف أكثر عمومية، وهو علم التنظيم الفعّال والمحرر، ثم توسعت دائرته ليحوي الإنسان في سلوكه وشخصيته بكل أبعادها الفكرية والوجدانية.

إن اتفقنا على أن سمات كل عصر من العصور تنعكس بشكل طبيعي على شخصيات أفراده بحكم أن الإنسان هو الذي يعنون عصره بعقله وفعله، فإن وصف عصرنا الحاضر الذي ساوى بين الإنسان والآلة في تنظيم فعّال في الأداء والتصنع ومتحرر من القيم والمبادئ بالعصر (السيبرناطيقي) يصبح وصفا مستحقا، فقد تحول الإنسان تدريجيا وابتداء من نشأة الرأسمالية في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، إلى أشبه ما يكون بالآلة في الإنتاج والاستهلاك، أما بعد تحول الاشتراكية - الغربية خاصة - إلى برجوازية وانتصار الرأسمالية على الشيوعية وتفردها بقيادة عالم اليوم، فقد أصبح حتى الإنسان سلعة خاضعة للعرض والطلب، بل وصار الإنسان يعرض ويسوق ذاته في سوق العمل لا بقيمه ومبادئه وربما حتى ولا بمؤهلاته العلمية ولكن بقدراته في الاستفادة منها ليكون العرض المغري والحاجة المطلوبة لدى الآخر، مهما كانت نوعية وطبيعة هذه العلاقة بين العارض والطالب بمختلف أغراضها، سواء كانت تجارية أو اقتصادية أو سياسية أو حتى اجتماعية بل وحتى في العلاقات الخصوصية وبالذات الحميمة والعاطفية، كيف ؟إننا وتحت ضغط الثقافة المادية التي انتشرت وسادت عالمنا وعصرنا اليوم من خلال غزارة الإنتاج صرنا أكثر إلحاحا في الاستهلاك، فأصبحنا في حالة ركض مستمر وبحث دائم، لا عن حاجة وضرورة ولكن عن جديد يتيح لنا التميز والخصوصية (البديلة) في الاقتناء على حساب العطاء، أو بالأصح تشريع الأنانية وتجسيدها كخصلة نبيلة، بمعنى أننا استبدلنا القيم بالقيمة والجوهر بالمظهر والفعل بالقول، حتى صار صاحب المظهر والقول أكثر إقناعا من صاحب الفعل والجوهر, وبالأخص في الجانب السياسي والديني والإعلامي باعتبارهم الأكثر تأثير, وعلى سبيل المثال، فقد صار البحث عن الإبهار الإعلامي أهم وأقوى أثرا وتأثير من الإنجاز الحقيقي لدى (البعض) من السياسيين، وليس ذلك إلا لتسويق الذات، كما أن (بعض) علماء الدين أصبح يسوق علمه ويستثمره ماليا حتى وسط المناخيات المتعارضة مع مضمون البضاعة إن جاز التعبير، وفي وسائط الإعلام صار (البعض) حاملا لثقافة الآخر ورسولا منه إلينا، والمفزع حقا، أن هؤلاء هم الأقدر اليوم على البقاء والاستمرار، وهم الأكثر ظهورا وبروزا وحضورا، بل والأرفع مكانة وقيمة ومحل الاقتداء والتقليد، ومن القمم إلى الأودية والسهول الاجتماعية، فإن التميز صار في المظهر بدلا من الجوهر، مثال ذلك، سيدة تحمل حقيبة نسائية من (ماركة ) أمريكية أو أوروبية صارت أكثر جذبا وبريقا من تلك التي تحمل حقيبة صنعت محليا حتى وإن كانتا كلاهما مختفيتان داخل قطع من القماش الأسود، وذاك الفتى حامل جهاز الجوال من نوع (آي فون) أكثر قيمة وجاذبية من الفتى الآخر الذي يحمل جهاز جوال من نوع (نوكيا) وقد يكون الأول تلقاه من والده كهدية نظير نومه مبكرا عند الثالثة فجرا في حين أن الآخر اشتراه بما وفره من مصروفه اليومي.والمؤسف أن الأمر لا يتوقف عند مظاهر يمكن أن يتعالى عليها صاحب العقل، ولكن وصل الأمر إلى لقمة العيش وحق الإنسان في حياة كريمة أيما كانت قدراته الفكرية والجسدية، فقد صار الإنتاج والإنجاز على مستوى الفرد أو الحكومات مستهدفا لذّة الثناء الانعكاسي أكثر من المنفعة والمصلحة التي تخدم الإنسان ذاته كإنسان، وليس هذا تآمرا تعمديا من الإنسان على الإنسان، ولكنه عصر الثقافة المادية التي ساوت بين الإنسان والآلة في القيمة وجعلت السيادة للقوة أو النخبة الأقوى كطبقة بشرية عليا، تتطاحن في سبيل ضمان ديمومة سعادتها، أداوت الاستهلاك والإنتاج من الحيوان إلى الآلة إلى الإنسان.إننا بحاجة ماسّة إلى التذكير بقيم الإنسان الروحية واستحضارها لتأمين فرص لالتقاط الأنفاس، ولتعين قدر الإمكان على تهذيب الاندفاع المحموم من قبل الناس في الخروج من طبيعتهم الإنسانية نحو مكننة العواطف والأخلاق والمبادئ، من خلال فهم الحاجة والضرورة للعقيدة والدين كحاكم ومنظم فعّال ومحرر في الاتجاه المعاكس للفكر والفهم (السيبرناطيقي) لنعيد للإنسان إنسانيته .

Hassan-Alyemni@hotmail.com
 

القيم والقيمة في فلك السيبرناطيقية
حسن اليمني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة