Thursday  02/12/2010 Issue 13944

الخميس 26 ذو الحجة 1431  العدد  13944

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

متابعة

 

محمد بن خالد.. الرجل الذي اجتمع الناس على محبته
مبارك بن عوض الدوسري

 

رجوع

 

من النوادر أن يُجمع الناس على محبة شخصية ما خصوصاً عندما لا يكون من أصحاب المناصب والمراتب إلا أنني وقفت على إحداها في وفاة الفقيد محمد بن خالد بن عبدالله الحنابجة الذي توفاه الله إثر حادث مروري أليم راحت ضحيته أيضاً الصابرة الداعية المحتسبة زوجته أم خالد.

هذه الشخصية النادرة التي أعرفها جيداً عن قرب وكنت أقف على كثير من مواقفه وأعماله من دون قصد منه أحياناً كونه من النوعية التي تحاول عمل الخير في الخفاء ولا يريد أن تكون أعماله الخيرة يشوبها شيء من التقصير من أن يطلع الناس عليها.

فهو وإن كان ليس من أصحاب الثروات إلا أنه يعتبر ما معه للآخرين حق فيه من ذوي الحاجة أو ما يراه وصلا في قريب أو صديق بخلاف إسهاماته في دعم مدارس ودور تحفيظ القرآن الكريم، وبناء المساجد، والمصليات، وتوزيع المؤنة من كسوة أو غذاء على الفقراء المحتاجين.

أعرف أنه لو كان حياً لن يرضيه ما أكتب فهو لم يعمل ذلك رجاء سمعة أو نفاق فهو ابن أمير الحنابجة بوادي الدواسر في عهد الملك عبدالعزيز، وأهل المحافظة وشيوخ القبائل جميعها تعرفه من خلال أعماله التي اتصفت بالحكمة خصوصاً في إصلاح ذات البين، والكرم والشهامة والبر وما أدل على ذلك من قول الشاعر هجاج بن عيد:

ولا تعدى خالد الحنابجة

لا جيت خالد عرف مقصودها

محمد بن خالد كان مدرسة في التربية كيف لا يكون ذلك وقد قدم على مدى ثلاثة عقود ونصف للميدان أجيالاً كلها تشهد له بالفضل الكبير بعد الله فهذا طبيب وهذا طيار وآخر محام، جميعهم في سرادق العزاء يقولون لم يكن معلماً فقط بل كان أباً، لم يكن فقط يعلمنا ما في المناهج وما في بطون الكتب، بل كان يحرص بالدرجة الأولى على تعليمنا أمور ديننا، ويوصينا بأهلنا خيراً، وكثيراً جداً ما يؤكد على أهمية الولاء للوطن والحكومة الرشيدة، كان أسلوبه ممتعاً ومشوقاً وهو يحقق أهدافه لإيصال ما يريد عن طريق القصة، يقول أحدهم لقد علمنا كيف تم فتح مدينة الرياض وتوحيد المملكة بأسلوب لم نجد له مثيلاً فقد كان يصور الحدث وكأنك أمام شريط سينمائي بل وأحياناً وسط الحدث!!! فكان أن علمنا المنهج المطلوب منه كمعلم وزرع فينا المواطنة التي كانت في نظره رحمه الله من أهم الأمور.

حدثني أحدهم في السرادق بقوله: كان المرحوم بين فينة وأخرى يخرج إلى البر حيث كان يهوى الإبل ويستمتع بمشاهدتها وكنا نتسامر على النار إلى قبيل منتصف الليل وعندما يتأكد أنني خلدت للنوم، يقوم فيتوضأ ويصلي ويدعو ولا يشعر أحداً بذلك، وكان قبل أن يدخل وقت صلاة الفجر يكون قد استيقظ وأشعل النار وجهَّز القهوة ثم نادى بالأذان، فياله من شخصية أعانها الله على فعل الخير لأنه أحسن النية لوجه الكريم.

كثيراً ما كنت أذهب إليه بعد صلاة العصر في مزرعته التي جعلها مفتوحة طيلة اليوم فقد يأتي من يريد الراحة أو الاستشارة أو المساعدة أو قضاء وقت مع صاحب الحكمة.

في وقت العصر الناس مشغولة بالأسواق والقنوات الفضائية والقيل والقال بينما هو رحمه الله إذا جلس في هذا الوقت منفرداً فصاحبه إما كتاب الله عز وجل يقرؤه أو تجده يستمع إلى إذاعة القرآن الكريم التي كانت رفيقته الدائمة في الحل والترحال.

في رمضان الماضي عرف أنني أعزب لسفر عائلتي فكان يُصر أن أتناول الإفطار معه فأجيبه أحياناً وأعتذر أحياناً أخرى برغبتي الإفطار مع والدتي فكان أن قال لي أحد أبنائه: إن أبي يسعد كثيراً عندما تشاركه إفطاره ويتحسن مزاجه ومستوى السكر عنده، فكان أن اعتذرت من والدتي وقلت الإفطار مع الشيخ محمد والعشاء معك فرضيت ورضي ولم يكتف بذلك بل كان يصر أن أتناول القهوة معه بعد صلاة التراويح التي كان يذهب إليها مبكراً ويقوم بتطييب المسجد ليهيئه للمصلين بأحسن ما يكون حتى أن الطريق من منزله إلى المسجد يعبق برائحة البخور قبل وبعد الصلاة.

أتذكر جيداً عندما توفي ابنه الطيار عبدالله في حادث مروري مماثل عندما قابلته بعد مراسم الدفن كيف كان ذلك المؤمن الصابر المحتسب الحامد لله عز وجل على قدره فكان هو من يبعث في نفوسنا الصبر والسلوان وعندما سألته عن حال أم خالد بعد النبأ قال: هي كما تراني الآن صابرة ومحتسبة. وعندما قدمت لها العزاء رحمهم الله جميعهم وجدتها كما قال وأكثر، ولعل ما يذكر هنا أنه بعد وفاة ابنه عبدالله عمل الكثير من أفعال الخير بنية أجرها له وحتى قبل مماته بأيام أكد لي أنه ينوي عمل وقف خيري باسمه رحمهم الله.

في الإجازات تكثر حفلات الزواج وكذلك المناسبات الاجتماعية وكان رحمه الله من النوع الذي لا يعتذر بحجة أنه ارتبط مع أناس قبل آخرين أو أن هذا أهم من هذا فكان يسعى جاهداً أن يمر على الجميع مباركاً لهم ومسلماً عليهم ومقدماً عانيتهم وداعياً لهم بالتوفيق رغم أنه لم يعد قادراً على قيادة السيارة في وقت المساء حيث ضعف بصره من أثر السكر.

موقف حدث أمامي قبل شهر من وفاته تقريباً حيث باع محصول مزرعته من التمر على أحد التجار بسعر مناسب وجيد وبعد فترة لا تتجاوز أسبوعاً هبط سعر التمور في المحافظة فكان أن بادر وقال لذلك التاجر بيعي لك المحصول كما هو البيع بالسوق اليوم رغم أن ذلك يؤدي إلى هبوط أكثر من ثلث السعر وهو سر من أسرار بركة ماله وصلاح أولاده.

أبا خالد لقد كنت مثالاً في كافة أمور الحياة وكنت تعمل للآخرة كثيراً، عهدتك زاهداً ترجو ما عند الله، مخلصاً لولاة الأمر وداعياً لهم بطول العمر والتوفيق والسداد، كريماً سخياً شهماً أميناً حكيماً تجلت فيك كل القيم التي أصبحت اليوم نادراً أن تجتمع في شخص إلا من وهبه الله ذلك من هم أمثالك وهم قليل.

أبا خالد كم أيتام سيدعون لك، وكم من كان معسراً وأصبح ميسوراً سيدعو لك، وكم من أرملة وأيتام كنت أباهم سيدعون لك، كم من متخاصمين أصلح الله حالهم على يديك سيدعون لك كل ذلك وأكثر يكفيك فالناس شهود الله في أرضه. أبا خالد مهما كتبت فلن أوفيك جمائلك ولن أحصي فضائلك وأعمالك ولكن أبشرك أن أبناءك على خطاك سائرون فقد كنت عندهم بالأمس القريب ووجدت كافة أصحابك ومحبيك وأصدقائك في مضوفك بالمزرعة وكأنك مازلت حياً كلهم يذكرونك بالخير ويدعون لك بالمغفرة والرحمة.

Mawdd2@hotmail.com
 

رجوع

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة