Thursday  09/12/2010 Issue 13951

الخميس 03 محرم 1432  العدد  13951

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

أقام رئيس جنوب إفريقيا السابق نيلسون مانديلا سبعاً وعشرين سنة بزنزانة صغيرة باردة لا يخرج منها إلا لأداء الأعمال الشاقة، ثم غادرها بعد أن انحنى ظهره ليصبح زعيم دولته التي جاهد فيها ولها، ليخرج المستعمر. ولو داهمه اليأس مثلما تداهمه أمراض الوحدة والشيخوخة والقهر وقلة الحيلة لمات في زنزانته ونسيه التاريخ وأخرجه من سجلاته، كما ركله المستعمرون حتى أدخلوه زنزانته!

ولم أرَ مثل كلمة اليأس مشتِّتة للقلب، خانقة لروح الأمل، قاتلة للتفاؤل، مدمرة للحياة، مسقطة للهمم عن العمل، لا سيما حين يرافقها الخوف والتردد. وقد يظن أحدنا أنه إذا أمسك بدفتر حساباته وخطّط ميزانيته فإنه سيكون في منأى عن الحاجة والفقر، ويتوقع أنه لو أجرى لنفسه الفحوص الطبية الدورية لكان في منجى من الأمراض، ويعتقد أنه لو اتخذ التدابير والحذر لأصبح في مفازة من الموت!

هيهات ! فالقدر هو الذي يصرِّفنا بتدبير من الخالق عز وجل. والتسليم بذلك من سلامة العقيدة وصلاح القلوب. ولن أكون مفرطة بالفوضوية لدرجة أن أطالبكم بترك الأمور الحياتية كيفما اتفق، استناداً لمصطلح (التساهيل) أو دون تخطيط مطلق، ولكنني أدعوكم - كما أرجو لنفسي - بألا يرافق التخطيط الحرص المصحوب بالتوتر، والتوجس والقلق؛ بل يغلّفه التوكل على الله ويجمِّله الإيمان بقدرته على تغيير الأحوال، وتدبير الأمور بحسب حكمته تعالى. مع الوضع في الاعتبار أسوأ الاحتمالات، والاستعداد لمواجهتها بعزيمة وصبر.

ولا شك أن المرء يفزع من الفشل، ويخاف على رزقه ويرهقه التفكير بالمعيشة، ويخشى أن يخسر تجارته أو يفقد وظيفته، بينما الله عز وجل قد قدَّر على ابن آدم حياته ورزقه قبل أن يولد، وفق نظام رباني محكم. ولو علم أن الرزق والموت كالطوق في عنقه لأدرك أنه لن ينازعه امرؤ فلساً واحدا، ولن يستطيع أن يخطف من حياته يوماً ولا ساعة أو دقيقة. ولكنه مطالب بمراجعة نفسه والبحث عن أسباب الفشل ليتجنبها في المستقبل، والانصراف عن إلقاء اللوم على الآخرين، مما يولّد سوء الطبع والاتكالية والهروب!

وحين يدخل اليأس القلب، فإنه ينخر فيه كالسوسة ويعيث فيه فساداً، فهو يقتل بصمت وبدون سلاح، ويقضي على نوازع الخير عند الإنسان حين يواجه مواقفاً سلبية من بعض الناس فيصبح مرتاباً وجلاً خائفاً من كيدهم ومؤامراتهم، وما يلبث أن يهوي في بئر القنوط وهو أشد أنواع اليأس حيث يصل لمرحلة الاستسلام فينطوي على نفسه، وينزوي على ذاته ثم يبتعد عنهم. وعندها يعيش في تعاسة وشقاء ويكتنفه التشاؤم والقلق، وبالتالي يدخل في مرحلة مرضية نفسية أقلها الاكتئاب. مما تتطلب حالته الحاجة الماسة للدعم والمساندة من لدن عائلته وأصدقائه، وعندئذ يحسن التعامل معه بإيجاد المبررات والتخفيف عليه ومسايرته بدلاً من الاستخفاف به؛ ليتمكن من الخروج من أزمته بأحلام وطموحات جديدة قبل أن يتسرب اليأس إلى جهازه العصبي، فيشعر بالوهن ويفقد الإحساس بقيمة ذاته وأهمية وجوده في الحياة، مما قد يدفعه للانتحار!

وليس أجمل من قصة النبي يعقوب وابنه يوسف عليهما السلام، وليس أروع من توجيهه لأبنائه بحسب الآية الكريمة: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} وذلك بعد غياب يوسف مدة ثمانية عشر عاماً دون أن يعرف له خبراً كما ذكرت بعض التفاسير.

وسيظل الصراع بين الأمل واليأس قائماً، تماماً كما هو الصراع بين الحياة والموت وبين اليقين والشك، وبين الظل والحرور وبين النور والظلام.

ألا، فادفنوا اليأس ولا تصلُّوا عليه أبداً، واسقوا جذور الأمل بمياه التفاؤل؛ لتنمو سيقانه وتورق أشجاره، فقد اشتقنا للظل بعد لهيب الحرور!!

www.rogaia.net - rogaia143@hotmail.com
 

المنشود
اليأس ، راحة أم هروب ؟!
رقية سليمان الهويريني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة