Monday  13/12/2010 Issue 13955

الأثنين 07 محرم 1432  العدد  13955

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

           

جمعت إلى العلا شرف الأبوة

وحُزت إلى الندى فضل المروة

أتيتُك تلميذاً فرفعت قدري

إلى حال الصداقة والأخوة

لا تجتمع خصلتا (الخُلق) و(الدين) في إنسان إلا ويكون قمة في (المروءة)، فحسن الخلق يُعلِّم الإنسان التواضع الصادق ومحبة الناس والتسامح معهم والتودد إليهم، والدين يعلم مخافة الله في السر والعلن والاستقامة والعدل في التعامل مع الناس. وقلة من أفذاذ الرجال الذين تجتمع فيهم هاتان الصفتان الكبيرتان بما تحملانه من مزايا.

ومن هؤلاء القلة الأستاذ محمد صلاح الدين صاحب القلم المتميز الشجاع الذي يصدع بكلمة الحق لا يبتغي بها إلا وجه الله ثم الوطن والأمة. وصاحب الفكر المستنير الذي يرى بنور الله فيلتزم الحق ويثبت عليه مهما اختلف الناس فيه حتى ينبلج الفجر وتظهر شمس ساطعة على الجميع.

وليس مثلي من يشهد وحده لمحمد صلاح الدين بهذه الصفات فقد كشفت الأزمة الصحية الأخيرة التي مر بها عن مدى حب الناس لهذا الرجل، فقد كتب عن خلقه ومزاياه الإنسانية من هم أعلى مني مقاماً وأكثر مني قرباً إليه، ومعرفة بهن وإن أردت أن أكون شيئاً في خضم هذا (الزحام) على التعبير عن (التقدير) له فإني أقفُ منافساً كبيراً لكل هؤلاء في محبته.

عرفت محمد صلاح الدين منذ ما يقرب من خمسة وعشرين عاماً، وكان سبب معرفتي به مسألة إنسانية تخص أحد الأصدقاء من الذين يعملون معه، فذهبت إليه بحماس الشباب وحب فعل الخير، وقدمت نفسي له دون سابق معرفة فهش لي، وأحسن استقبالي ونهض عن مكتبه وجلس معي في غرفة الاجتماعات، وعجبت لكل هذه الحفاوة وهذا التواضع العظيم، ورغم أنه عرف الموضوع الذي أتيت إليه من أجله، وهو ليس موضوع عمل، ومع ذلك فقد آثر أن أكون مجاوراً له لا يفصل بيني وبينه مكتبه فاقتادني إلى غرفة الاجتماعات، وأنصت إليَّ بحميمية ولم يقاطعني قط حتى أتممت حديثي، ولما تأكد أنني قلت كل ما عندي التفت ناحيتي وقال بصوت ودود يفيض صدقاً: أبشر - جزاك الله عني كل خير - لقد ذكرتني بواجب غاب عني في زمن المشاغل. وحاولت أن أنهض وأستأذن حتى لا أثقل عليه، فإذا به يستدرجني في الحديث ويستبقيني، واكتشفت أنه قرأ بعض مقالاتي التي أنشرها في صحيفة المدينة، فسرني ذلك، ووجدت أن ذلك لم يكن مجاملة فقد ناقشني في أحد الموضوعات وأخذت من توجيهه لي فيه. ولم يكن يعرف حتى تلك اللحظة أنني من الدائرين في فلكه ومن المثابرين على قراءة عموده (الفلك يدور) بصحيفة المدينة، ومن عشاق فكره الإسلامي المستنير، وقلت له وأنا أودعه: إنني أدرجت نفسي في عداد تلاميذك قبل أن أراك، أما اليوم فإنني قد أصبحت تلميذاً رسمياً في مدرستك الصحفية!!

وأبى عليه تواضعه العظيم أن يقبل مني ذلك الكلام، وأحسست أني أحرجته بذلك القول، فقد نضح وجهه بالحياء وهو من سمات أدبه وخلقه والحياء من الإيمان. وقال: أبداً.. نحن إخوة بل وأصدقاء ومكتبي مفتوح لك في أي وقت وأي شأن فلا تترد.. ولم أتوقع أن يسير معي إلى باب المصعد ليودعني رغم رفضي بشدة لذلك. وقبل أن أدلف إلى المصعد استوقفني وقال لي بصوته الودود: (تعرف أنك صاحب فضل) فعجبت.. وقلت: أستغفر الله.. فقال: إنك اقتحمت مكاني لتعييني على فعل الخير.. وصمت لحظة أخرى أطرق فيها ثم رفع رأسه وقال: أنت ذكرتني بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن مُعسر أو يضع عنه) فلا تتردد يا بني في فعل الخير أبداً مع من تعرف ومن لا تعرف.

وكان ذلك أول درس عملي تعلمته منه: (تثبيت الخطى على درب حب الخير وفعله للناس). ومنذ ذلك اليوم توثقت صلتي به، ولما استقر بي المقام في الرياض أصبح أول من أقصده عندما أصل جدة ومن أكثر من أشتاق إلى الجلوس معه فيها، فالجلوس معه درس في التواضع والقدوة والمعرفة، فنكران الذات عنده صدق لا اصطناع فقد تحدثت معه مراراً وتكراراً في مسألة جمع مقالات كتبها في مختلف قضايا الوطن والأمة على مدى خمسين عاماً وإصدارها في كتب فكان يعتذر عن ذلك بلطف ويغير اتجاه الحديث.

أما القدوة التي يرسمها شخصه ومسلكه فهي ربيبة تواضعه فتتعلم منه دون أن يشعرك أنه يقدم لك جديداً، وفي الوقت المناسب تراه يعطيك الدليل الشرعي بهدوء ليقول لك لقد حُسم الأمر، وهذا ما جعل صديقه الأستاذ علي الشدي يسميه (فقيه الصحافة السعودية). أما المعرفة فتتمثل في سعة اطلاعه وحرصه، فهو متابع ممتاز لوسائل الإعلام وتتبع الأخبار السياسية وقضايا الأمة من كافة المصادر فضلاً عن اطلاعه على كافة المطبوعات التي تخص اهتماماته باللغتين العربية والإنجليزية. وهو ليس من النوع الذي ترد إليه الكتب فيقرأ العنوان ويضعها على رفوف الزينة بل تجده يتصفح الكتاب بدقة ويتفحصه فإذا وجد فيه ما يستحق اهتمامه وضعه على مكتبه وبدأ في قراءته، وشعاره في هذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم) لهذا كرَّس محمد صلاح الدين حياته وقلمه وجهوده وعلاقاته لخدمة قضايا هذه الأمة وخدمة أبنائها بفعل الخير وتنفيس الكربات - ولا يزال - وسيظل بتوفيق الله - قبسا يشع بالنور ويدعو إلى الهدى وقلبا يفيض بالإيمان ويشيع المحبة، وينبض بالأمل بأن الخير سيبقى في هذه الأمة إلى يوم القيامة.

هذا هو محمد صلاح الدين أبي الروحي وأستاذي ومعلم الناس الخير الذي نسأل الله أن يجعله من الذين قال فيهم نبيه صلى الله عليه وسلم: (إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير) رواه الترمذي.

فبحق كل خير قدمه لوجه الله الكريم أضرع إليه سبحانه وتعالى أن يتم عليه العافية، وينعم عليه بالشفاء، ويكرمه بالعمر المديد في طاعته وبفضل توفيقه ورعايته وهداه.

 

فيض الضمير
محمد صلاح الدين.. مُعلِّم الناس الخير
د. محمد أبو بكر حميد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة