Tuesday  14/12/2010 Issue 13956

الثلاثاء 08 محرم 1432  العدد  13956

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

هناك أنواع من الخلاف تحرص أية جماعة عاقلة على تحاشيها؛ لسبب وجيه وبسيط هو أن ضرر الخلاف بالنسبة إلى أطرافه يكون دوماً أكبر من عائده بالنسبة إلى أي طرف منها. في هذه الحالة، تتخلى الجماعة العاقلة عن خلافاتها، أو هي في أقل تقدير تجمدها وتتعايش معها ريثما تتاح فرص أو تنضج ظروف ملائمة.....

..... لحلها. يقول المنطق: إذا كانت الجدوى التي ستترتب على عملك أقل من الجهد الذي تبذله فيه فدعك منه ولا تقم به. في واقعنا العربي السائد هناك دوماً في أي خلاف طرفان، كلاهما على حق، فإن تخليا عن الخلاف كانا كمن يتخلى عن حقه ويخون نفسه ومصالحه؛ لذلك ترانا نهب بحماسة إلى تبني خلافاتنا والتشبث بها بل وافتعالها؛ لاعتقادنا أن تكبيرها والقتال في سبيلها سيفيد حتماً صاحب الحق من أطرافها، متجاهلين واقعنا الذي تكشفه أمور ثلاثة، هي:

- أن كل أطراف الخلاف تعتبر نفسها على حق؛ لذلك تصعب دوماً معرفة الحق من الباطل والمحق من غيره، علماً بأننا حين نختلف لا نسعى إلى بلورة أسس متفق عليها ومشتركة للتعاطي مع خلافتنا، تبدأ بتحديدها قبل كل شيء ثم بتلمس سبل مشتركة لحلها، فضلاً عن تحديد جدول تنفيذي زمني للتخلص منها، عبر سلسلة حلول وسط وتسويات متتابعة تجعل وقعها خفيفاً على المنخرطين فيها، إن لم تقلصها وتقيد وجودها وتأثيرها. نحن نبدأ دوماً بإعلانات تفيد بأنه لا خلافات بيننا، وأننا إخوة لا تفرقنا مصالح حتى تفرقنا خلافات، لكننا ننهمك، في هذا الوقت ذاته، في حملات مضمرة وصريحة بعضنا ضد بعض، لا نترك فيها خطاً أحمر إلا وننتهكه وكلمة نابية إلا ونستخدمها، باسم الحق والأخوة والمصالح المشتركة، فكأننا نسعى إلى الخلاف بحد ذاته، حباً بالخلاف، وإلا لما استمرت خلافاتنا منذ عقود وقرون.

- إن الخلافات قد تحل وقد لا تحل في مألوف البشر، وإن طرحها دون حلها يؤدي إلى تفاقمها وتغذيتها بعناصر جديدة، تنجب بدورها خلافات جديدة أو تضخم الخلاف القائم وتضعه في مدارات تجعل حله عصياً أكثر فأكثر، بالنظر إلى أن تفاقمه يربط حله بأساليب ووسائل لم تكن ضرورية لمعالجته في شكله الأصلي الأول. بمرور الوقت، واستعصاء الحل، ينجب الخلاف الرئيس خلافات ثانوية تصير رئيسة بدورها وعصية على الحل، وهكذا دواليك إلى ما شاء المختلفون. هذه الآلية تقلص مساحة المشترك في وجودنا وعلاقاتنا كأمة، وتوسع توسيعاً لا يني يتعاظم ويتسارع مساحة الشقاق والاختلاف، حتى تصير أية إشاعة مهما كانت تافهة مناسبة لأزمة كبرى.

- إن سلوكنا قبل حل خلافاتنا يلعب دوراً فائق الخطورة في منعنا من حلها؛ فهو دوماً انفعالي ومشحون بأعلى قدر من التوتر، وهو اتهامي وموجَّه نحو القطيعة وقائم على التخوين، لكوننا لم نعوّد أنفسنا بعد على فكرة بسيطة هي أن الاختلاف من طبيعة الخلق، وأن الله جعلنا شعوباً وقبائل، وأن الخلاف في حكمتنا العربية لا يجوز أن يفسد للود قضية، وحله لا يكون، أخيراً، بالسباب والشتائم، بل بالاتفاق على تجميده، إذا لم تتوافر بعد الرغبة في حله أو الوسائل الملائمة، على ألا يعني تجميده تجاهله والتعايش معه، بل التركيز على إعداد الشروط المناسبة للتخلص منه بالتوافق والتراضي؛ لأن من نختلف معه أخ وشقيق، وبفضل صلات وأواصر تسهم في إقامة شروط ملائمة لحل عادل لا يخرج أحد منه خاسراً، بما أن الخبرة تبين لنا خطأ ما نظنه بديهياً، وهو أنه يكفي أن نكون على حق كي نكسب، وأن الذي على باطل يخسر بالضرورة لأنه على باطل، وأن صاحب الحق يناله بيسر أكبر. في الواقع، لا يكفي أن تكون على حق كي لا تخسر، وأنت تربح إذا عرفت كيف تدافع عن حقك؛ لأن أحداً لا يعطيك إياه مجانا وحبا بالحق، خاصة إذا كان الطرف الآخر عدوا قادرا على منع حقك عنك ومنعك عن حقك، مثلما هو حالنا مع عدونا الغاصب في فلسطين والجولان ولبنان، الذي يمنعنا من استعادة حقوقنا وأراضينا، فلا بد من أن نتوافق كطرف عربي على العمل الجدي لامتلاك كل ما هو ضروري لإجباره على التخلي عن حقوقنا المغتصبة وأراضينا السليبة بالقوة والإكراه، بعد أن فشلت جهودنا لإخراجه منها بالتفاوض والسلام.

توجد في أي خلاف مواضيع مختلف عليها، وهناك حاضنة عامة تلعب دوراً مقرراً في حلها أو تعقيدها، وللأسف في حاضنتنا العربية تعقد خلافاتنا ولا تساعد على حلها. لو أخذنا الخلاف حول التسوية كمثال لوجدنا أن العرب انقسموا حولها إلى فريقين متخاصمين ما لبثا أن صارا متعاديين، واحد معها وآخر ضدها، واحد اعتبرها خيانة وقال بالتحرير بالقوة، وآخر اعتبرها سياسة جائزة لا تمنع أحداً من اللجوء إلى القوة عند اللزوم. لم يقل أحد: تعالوا نتدارس إن كانت التسوية ممكنة أصلاً، وإذا كانت ممكنة كيف نعمل معاً على تحقيقها وبأية وسائل ومراحل وقوى وأهداف.. الخ. هكذا كان عندنا منذ اللحظة الأولى خلافات حول التسوية ولم يكن عندنا ما نحن مختلفون حوله، أي التسوية ذاتها. وبما أن الخلاف حول لا شيء يضعف جميع أطرافه فإن العرب لم ينالوا من خلافاتهم على التسوية أي قدر من القوة، بل اضعفوا بعضهم بعضاً، وحين بلغوا الحد المنشود من الإنهاك والشقاق عرضت عليهم تسويات لا تسوية واحدة، واكتشفوا متأخرين أن الهدف من موضوع التسوية كان دفعهم إلى الخلاف وإضعافهم وامتصاص قدرتهم وتضييعها؛ لإدامة الاحتلال وليس لوضع حد له. مع ذلك، هناك خلاف اليوم أيضاً حول التسوية، أي حول لا شيء.

لو أخذنا مثلاً ثانياً هو خلاف حماس مع فتح لوجدنا أنه مطلوب لذاته، وأنه لا يفيد ولن يفيد أحداً غير العدو، وأن تصويره كخلاف بين حق وباطل يستهدف تعقيده وجعله عصيا على الحل، كما ثبت خلال السنوات الأربع الماضية. نحن هنا في مواجهة خلاف يضر بسائر أطرافه وبقضيتهم «المقدسة»، لا شيء يسوغ استمراره غير الأوهام والأدوار الخارجية التي تتحكم فيه، التي تعمل جهاراً نهاراً على إضعاف وتهميش العرب وبث الخلافات بينهم. هذا خلاف انتحاري، يؤكد ما أثبته الخلاف حول التسوية: أننا لن ننضج بعد للدفاع عن مصالحنا بطرق تفضي إلى تحقيقها، ونغرق في متاهات سلوك وطرق تفكير لا عقلانية أسوأ ما فيها أننا نجعلها معركة بين حق وباطل.

واليوم جاء ويكيليكس بموضوعات خلاف لا حصر لها ولا عدد، فنحن إذن أمام مرحلة جديدة من خلافات لا ترحم، سنكرر فيها سائر أخطاء الماضي، بعد تضخيمها إلى حدود غير مسبوقة في تاريخنا الحديث.

ترى، متى نتعلم كيف نختلف، وكيف نحل خلافاتنا لصالحنا، بدلاً من أن نتعامل معها كمناسبات ننحر أنفسنا فيها، مثلما فعلنا على امتداد تاريخنا الحديث المحزن؟!.

 

ويكيليكس: مناسبة إضافية للاختلاف.. متى نتعلم كيف نختلف؟!
ميشيل كيلو

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة