Wednesday  15/12/2010 Issue 13957

الاربعاء 09 محرم 1432  العدد  13957

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

           

عيونهم تنطق بحجم معاناتهم الكبيرة، وتعبِّر عن حالةٍ مأساوية مبكية، وترسم لوحةً للألم لوعلِّقت على حائط الصمت العالمي الرهيب لما اتسع لها، في وجوههم تعبير حزينٌ شجيٌّ عن إحساسٍ عميق بالألم والأسف؛ الألم لشدَّة المعاناة في أتون هذا الحصار الظالم الذي لم تشهد الدنيا له مثيلاً، والأسف على هذا السكوت المطبق على الظلم والجور الذي أخرس شفاه قوانين العالم المتمدِّن الزائفة في آفاق هذه الكرة الأرضية المبتلاة بظلم ساكنيها لأنفسهم ولها. عيونهم لغةٌ أفصح من كلِّ لغة، وأَبْيَنُ من كلِّ بيان، ولكنها لغةُ الجرح العميق، لغة الوهج والحريق، لغة التبرُّم والضيق، ثم هي قبل ذلك وبعده لغة التعلُّق بحبل الله الوثيق. هبَّت العاصفة محمَّلةٍ بما تمرُّ به من سفي رمال الشواطئ، ومن غبار أتربة المزارع، ومرَّت بتلك الخيام الواهية، وبقايا المنازل المتهاوية، فكشفت في دقائق معدودة مدى الظلم العالميّ الفظيع، لتلك العجوز الواهنة وذلك الطفل الرضيع، الظلم العالميُّ الذي تميَّز عن غيره بأنه يحظى بإجماع أصحاب المسؤوليات الكبرى في العالم، ومالكي القرارات السياسية فيه، المدَّعين العدل والإنصاف، ورعاية حقوق الإنسان، الذين يطلقون ليلَ نهار عبارات «رعاية المصالح» و»تحقيق الاستقرار» الدولي» و»نصرة المظلومين» و»إنصاف الضعفاء والمساكين» وغير ذلك من العبارات البراقة التي سرعان ما تتلاشى أمام عاصفة يشاء الله سبحانه وتعالى أن تهبَّ على غزَّة المحاصرة قبل يومين، فتكشف زيف تلك الشعارات من خلال قطع تلك الخيام التي تطايرت مع هبوب العاصفة، فأظهرت صورة حزينة باكية لحالة مئات الأسر الغزاوية التي لا تجد غير الخيام سكناً بعد أن هدمت قنابل العدو الصهيوني وصواريخه الغاشمة بيوتهم، ومدارسهم ومساجدهم في أيَّامٍ عصيبة تشهد مدى فظاعة الجرم، وفظاعة الصمت العالميّ المتواصل.

صورٌ تمزِّق القلب ألماً لآلاف الأطفال يواجهون العاصفة بدون حواجز، يتلقَّونها بوجوههم وصدورهم، وأجسادهم الغضَّة الرقيقة، ومن حولهم آباؤهم وأمَّهاتهم، وأجدادهم يحتضنوهم ليشعروهم بالأمان، ويخفِّفوا عنهم وَطْأة الحالة التي أصبحوا فيها مكشوفين تماماً أمام زمجرة العاصفة، وغبارها، والصَّقيع الذي جاء معها. خيامٌ واهنة، استطاع فاعلو الخير في العالم أنْ يدخلوها إلى غزَّة المحاصرة -ظلماً وعدواناً- بعد محاولات ومحاولات، ونداءات وصرخات، ومحاوراتٍ ومداورات من خلال منافذ صغيرة فتحت لهم في لحظات قصيرة، عَبْر بعض بوَّابات غزَّة المغلقة، ومعابرها التي تحوَّلت إلى سدودٍ محكمة محروسة بالحديد والنَّار من قبل دولة اليهود الظالمة الغاشمة، وبالصمت السياسي العالمي المؤسف من قبل دُوَل مجلس خوف الأمن، وهيئة الأمم المنفردة التي تُسمى ظلماً وعدواناً بالمتَّحدة، وكيف تكون متَّحدة وقانون «الفيتو» الظالم، يقف في وجه أيِّ اتِّحاد يتكوَّن لمواجهة ظلم ما يسمى «دولة إسرائيل».

خيام واهنة في وجه العاصفة... كيف تنام عيون القانون الدَّولي عنها وعن ساكنيها المحاصَرين المظلومين؟

كيف تهدأ نفوس عقلاء العالم أمام صرخات ودموع أطفالها البائسين؟

كيف ترتدي أجساد أصحاب القرارات الدَّولية أغلى المعاطف من أجود أنواع الأقمشة في موجهة صقيع الشتاء، وتبقى أجساد الضعفاء المحاصرين في غزَّة بلا ملابس، ولا معاطف، ولا جدران، منزلٍ تحميها من هجمات عواصف الشتاء؟

أكاد أجزم أن تاريخ البشرية لم يشهد اتفاقاً سياسياً قانونياً على ظلم المستضعفين كهذا الاتفاق المخيف على حصار غزَّة التي تقابل هجمات الشتاء، في حالةٍ محزنةٍ لا يرضى بها الشرفاء.

إشارة:

اللهم فكَّ أسرهم، واجبر كسرهم، وحقِّق نصرهم ياعظيم.

 

دفق قلم
خيامٌ واهنة في وجه العاصفة
د. عبد الرحمن بن صالح العشماوي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة