Friday  17/12/2010 Issue 13959

الجمعة 11 محرم 1432  العدد  13959

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الأخيــرة

           

المتدينون بالجملة محبوبون من مجتمعاتهم على اختلاف أديانها طالما لم يحاول فريق فرض آرائه على فريق آخر، فتنشأ عندها الحروب الأهلية والنزاعات الدموية. والمجتمع السعودي مجتمع مسلم متدين يحب المتدينين ويكن لهم الاحترام والتقدير، وما ظهر من خلاف بين بعض شرائحه الفكرية والاجتماعية ما هو إلا بسبب إصرار بعض الإسلاميين على أن يفرضوا آراءهم الفقهية على المجتمع كله، سواء أكان ذلك بطعنهم في دينهم أو اتهامهم في نياتهم أو باستعداء السلطة عليهم. بينما لا تجد مقابل هذا الجهد المبذول من بعض الإسلاميين ومريديهم في فرض آرائهم الفقهية جهدا موازيا يهتم بشئون البلاد والعباد الاقتصادية والاجتماعية.

فرض الرأي بالمشاغبة الاعتراضية المحضة هي من الأمور المذمومة دينا وعقلا. قال بعض الحكماء "لو سكت من لا يعلم حتى يتكلم من يعلم لانتهى الخلاف"، وأصل هذا في القرآن، قال تعالى في سورة النساء: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}. والآية قد اختصت أولي الأمر في المجتمعات على افتراض كونهم يتمتعون بالقدرة على الاستنباط وكونهم يعلمون خلفيات الأمور. والمعرفة بالموضوع جزء من إيجاد الحل والقدرة على الاستنباط هو الجزء الآخر. فليس كل أصولي قادر على استنباط الأحكام. ولا كل حاذق منطقي غير عارف بعلم الطب قادر على أن يستنبط من الأعراض موضع الوجع، فلا يستطيع أن يستنبط من فاتته المعرفة. وليس كل من عرف فهم، ولا كل من فهم استنبط. وشاهد ذلك قوله عليه الصلاة والسلام "فرب مبلغ أوعى من سامع" وقوله "رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه"، (وما أكثر النوع الأخير في شتى مجالات العلوم).

ومن فرض الرأي المشاغبة باتهام النيات. فهي إحدى وسائل الجُهال المشاغبين، وهي حجة من لا حجة له، لذا فهي ملجأ ضعاف العقول. ويكثر اتهام النيات خاصة بين المنتسبين إلى التدين، وما ذاك إلا من تزكية النفس التي ذمها القرآن ووصفها بأنها كذب عليه سبحانه، وذلك في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً}، {انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا}، وسوء الظن من غير دلائل بينة، نابع من سوء عمل المرء

"إِذا ساءَ فِعْلُ المَرء ساءَت ظُنُونُهُ

وصَدقَ ما يَعْتادُهُ مِن تَوَهُّمِ".

في الثمانينيات والتسعينيات فُرض الرأي الواحد، وقد أثبتت التجربة فشلها، كما أثبت فشلها من قبل في الدول الشيوعية. فنحن الآن لسنا بأحسن حالا، لا علميا ولا إنتاجيا ولا اجتماعيا ولا تكافليا ولا مودة ولا تعاطفا. وفرض الرأي الواحد هو الذي أخرج عندنا ما يسمى بالصحوة. وإذا استثنينا إفرازات الفكر الإرهابي في تلك المرحلة، فإن أقل الأحكام تحفظا على تلك الفترة هو أن صحوة العقدين السابقين المزعومة لم تكن في حقيقتها إلا نومة أهل الكهف. وعشرون عاما قد لا تُعد شيئا في عمر الشعوب والدول، إلا أن هذين العقدين من الزمان كانا فترة حصاد كثير من الدول لثمرات قرون من التقدم العلمي والإنساني لشعوب العالم، فاستيقظت البلاد فوجدت نفسها ومن حولها كما وجد أصحاب الكهف أنفسهم ومن حولهم عند صحوتهم من سباتهم. وإن مما سكت عنه أن المجتمع اليوم قد تخلص -إلى حد ما- من أيدلوجية فرض الرأي الواحد فلم يبق لأصحاب الرأي الواحد إلا فرضه في شكل مشاغبات اعتراضية تشوش على الفكر فتمنع من إدراك أصل المشكلة الذي هو الطريق الوحيد لاستنباط أسبابها ونتائجها وحلولها.

hamzaalsalem@gmail.com
 

المسكوت عنه
الرأي بعد صحوته من نومة أهل الكهف
د. حمزة بن محمد السالم

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة