Sunday  19/12/2010 Issue 13961

الأحد 13 محرم 1432  العدد  13961

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

كانت تلبيتي لـ»دعوة» وزارة الثقافة والإعلام اليمنية.. التي تلقيتها على لسان وكيلها الأول الأستاذ محمد شاهر، لحضور فعاليات (خليجي عشرين) ومنافساته الكروية على بطولة كأس الخليج.. ليست من أجل الإسهام في تغطيات

«أحداث» تلك الدورة كروياً، ومتابعة من فاز ومن خسر.. ومن تأهل ومن لم يتأهل لأدوارها النهائية بين فرق الدورة الثمان، إذ إن ذلك الأمر كان قد تولاه ومنذ أن حُسم موعد ومكان انعقاد الدورة بكفاءة واقتدار.. كل من سفير الجمهورية اليمنية في «الرياض» الأستاذ محمد علي الأحول، وقنصلها في «جدة» السفير الأستاذ علي محمد العياشي.. حيث وجها «الدعوة» -كل من موقعه- وبتلك الحميمية اليمنية الآسرة.. لجميع رؤساء الأقسام الرياضية في صحافتنا وإذاعاتنا وقنواتنا التلفزيونية، إلى جانب دعوة كبار المحررين الرياضيين والمحللين الكرويين ونجوم الملاعب السابقين.. ل «حضور» أول دورة خليجية تقام على أرض اليمن الواحد، وتغطية أخبارها، والتعليق على أحداثها، ومتابعة أدق.. أدق تفاصيلها، وقد استجابوا ل «الدعوة»، وتدفقوا إلى «عدن» وكما رأيت.. بحماس ملفت، ربما كان في مقدمة أسبابه رؤية مدينة «عدن».. التي يسمعون بها وعنها دون أن يروها، وقد أدوا أدوارهم الصحفية - فيما بعد - بأعلى درجات الإتقان والمهنية.. وإلى الحد الذي جعل من معظم القنوات الرياضية العربية - وليست الخليجية أو العراقية أو اليمنية.. وحدها - تكرِّس ساعات إرسالها لنقل أحداث تلك «الدورة» أولاً، وقبل أي حدث رياضي آخر.. وكأنها صاحبة حق حصري كقنوات «أبو ظبي» الرياضية - صاحبة الحق - في نقل مباريات الدورة عبر قنواتها الرياضية. لقد فوجئت بكثرة أعداد الصحفيين الخليجيين والعرب عامة.. الذين ملأوا قاعتي بهو فندق «ميركيور»، الذي خصص للوفود الإعلامية بأدواره الستة عند هبوطي إليها بعد ظهر اليوم الأول من وصولي إلى «عدن».. وإن لم أتعرف إلا على القلة منهم بعد أن تباعدت بيننا الاهتمامات، فقد دعيت لأرى، ول»أشهد» ميلاد اللحظات الجماهيرية الكروية الأولى في حياة مدينة «عدن» خاصة.. واليمن بصفة عامة، تلك التي قال عنها الزميل والصديق العزيز الأستاذ تركي السديري.. في مقاله الجميل ب «الملحق» التوثيقي الفاخر الذي أصدرته «صحيفة عدن» أثناء انعقاد الدورة.. بأن (اليمن: أول من عرف كرة القدم) عربياً.. مع عام 1839م، ومع ذلك دخلت هذه «الريادة» كغيرها في حياة اليمن واليمنيين.. إلى غيبوبة «التعتيم» الإعلامي الذي أسدل ستاراً من النسيان على إيجابيات «اليمن» خصوصاً، و»عدن» عموماً.. سنوات عديدة إلى أن غادر آخر جندي بريطاني لها في الثلاثين من نوفمبر من عام 1968م مع استرداد اليمن لعافيته السياسية مع تلك التواريخ الباهرة من حياته ونضاله: في السادس والعشرين من سبتمبر 62م.. شمالاً، وفي الرابع عشر من أكتوبر 63م.. جنوباً، لتشهد - بعد كل تلك الأعوام والسنين الطويلة - «عدن»: أول مدن الجزيرة العربية في كرة القدم.. عودة كرة القدم إليها في أول دورة كروية يشارك فيها كل أبناء الجزيرة العربية بخليجهم وعراقهم ويمنهم، فتتحول معها تلك اللحظة إلى لحظة تجاوز وانتصار.. على التعتيم أو النسيان اللذين عانى منهما تاريخ مدينة عدن «الريادي» عربياً في كرة القدم..!!

* * *

لقد أحاط ب «الدورة» قبيل انعقادها.. لغط كبير بين «السياسي» و»الأمني»: بين أقاويل وشائعات.. تتحدث عن عدم قدرة الجمهورية اليمنية «كلياً» على استضافة «الدورة»، وبين أقاويل وشائعات.. لا أحد يدري من أين تتسرب حول عدم قدرة اليمن «جزئياً».. في حفظ أمن «الدورة» وسلامة الفرق الرياضية التي ستشارك فيها والجماهير الخليجية والعربية التي ستشهدها، وقد استمر هذا اللغط طويلاً.. بآلامه النفسية عند اليمنيين وأصدقائهم ومحبيهم، ربما بامتداد السنتين الأخيرتين من عمر التحضير ل «الدورة»: «همساً» في كثير من الأحيان.. و»جهراً» في القليل منه، وإلى أن اقترب «موعد» الدورة، وبدأت تحتبس الأنفاس.. و»الحكومة» والمؤسسات والشركات العامة والخاصة واليمنيون في عمومهم يعملون ليل نهار، وهم يسابقون الزمن.. في وضع اللمسات الأخيرة على تلك الطرق والميادين والمباني، والفنادق التي تم إنشاء بعضها ك»القصر» و»الدوحتين» و»التاج».. وتأهيل بعضها ك «عدن و»الشيرتون» و»ميركيور»، وعلى تلك «الاستادات» التي تم إنشاؤها ك «استاد الوحدة» في «أبين» على ضفاف بحر العرب، و»التلال» في «عدن».. أو الملاعب التي تم تأهيلها ك»الشعلة» و»شمسان» و»المنصور» و»وحدة عدن» و»النصر». في تلك اللحظات المشحونة بالقلق.. والوطن اليمني بملايينه يرقب متلهفاً ساعات العد التنازلي الإلكترونية المثبتة على أركان قنواته التلفزيونية والأرضية.. وصولاً إلى «نوفمبر» شهر الدورة.. وإلى يوم الأحد - الثاني والعشرين منه - لافتتاحها.. وقد أنفقت «الحكومة» ربما كل ما لديها من ملايين الدولارات (550 مليوناً أو ما يزيد عن مائة وعشرين مليار ريال يمني)، لتفوز برضا أبنائها، وبكلمة استحسان وتقدير من ضيوفها وأشقائها الخليجيين والعرب.. انفجر ملعب نادي الوحدة بنار إرهابية «خفية»ّّ!! ذهب ضحيتها أربعة من المواطنين، وجُرح أربعة أضعافهم.. لينتفض اليمن كله، بقيادة الرئيس علي عبدالله صالح وكل أركان حكومته في الدفاع عن هذا «الإنجاز» الرياضي التنموي الحضاري الذي لم تعرفه ربوع اليمن من قبل، والذي تلهف اليمنيون الشرفاء بمختلف طبقاتهم ومناطقهم وأعمارهم إناثاً وذكوراً.. على إنجاحه، والحرص عليه.. كحرص الأم على وليدها الوحيد..!

لقد تحولت آنذاك الشائعات والأقاويل.. إلى أفعال وجرائم.. لم يقدِّر مرتكبوها حق أمتهم في هذه اللحظة التي ينتظرونها، فكان لابد من التصدي لها ميدانياً، وب»اللغة» التي يفهمها هؤلاء.. وهو ما فعلته القيادة اليمنية عندما أصدرت قرارها بنشر ثلاثين ألف جندي ورجل أمن في كل من «عدن» و»أبين».. للحفاظ على ضيوف الدورة ولاعبيها وحكامها ومنشآتها وأمنها قبل وبعد بدئها وإلى منتهاها وختامها، وإذا كانت قد تسربت فيما بعد أخبار أو شائعات عن تأجيل «الدورة» أو نقلها إلى مملكة البحرين.. فإن تلك الأخبار أو الشائعات سرعان ما انطفأت بفضل الإصرار اليمني، والدعم الخليجي اللذان اتفقا على ألا يمنحا الإرهاب وأعوانه من المخدوعين.. فرصة الانتصار في لحظة دعائية كثيفة الأضواء كهذه، ليتتابع وصول الوفود الرياضية.. ويخرج اليمنيون بشيوخهم وشبابهم وفتيانهم لاستقبالهم والترحيب بهم إخوة أشقاء أعزاء، ولينطلق في مساء الثاني والعشرين من نوفمبر، وتحت سمائه الخريفية حفل الافتتاح في استاد «الثاني والعشرين من مايو» على خليج عدن.. وسط حشود خليجية وعربية ويمنية لم تكن تخطر على بال أكثر المتفائلين بنجاح «الدورة»، فقد امتلأ «الاستاد» بأربعين ألف مشاهد (سعة الاستاد خمسة وثلاثون ألفاً).. وبمثلهم خارجه، ليصنع حضورهم الرائع لوحة كرنفالية.. أسعدت ملايين اليمنيين في داخل اليمن وخارجه.. وملايين العرب في كل أصقاعهم ممن كانوا يتابعون حفل الافتتاح الذي بدأ بدخول الفرقة الموسيقية، لتعزف السلام الجمهوري اليمني.. فيتبعها الرئيس علي عبدالله صالح من المنصة ب «إعلان» إشارة بدء فعاليات الدورة: (بسم الله وعلى بركة الله.. نفتتح فعاليات بطولة خليجي عشرين لدورة الشهيد المناضل فهد الأحمد الصباح.. وعلى بركة الله نبدأ).. فكان ل»التسمية» مغزاها السياسي البارع، والذي لا أظن أنه خفي على أحد، ليبدأ بعدها دخول الفرق الثمان بأعلامهم وراياتهم، ثم ليمتلئ الاستاد بألف وخمسمائة فتى وفتاة.. لينشدوا جميعاً «أوبريت» حلم الأجيال، الذي كتب كلماته الشاعر الغنائي اليمني عباس علي الدليمي، ولحنه الدكتور عبدالرب إدريس.. حيث صدح المغني قائلاً:

«في دياركم.. في ظلال البن والجنتين

حيَّا بكم ضوء.. كحَّل بالضيا كل عيْن»

.. ليستغرق الحضور بعدها في متابعة مباراة الافتتاح، ومهارات الطفلين اليمنيين العبقريين كروياً، اللذين فاجآ المشاهدين ب «صغرهما» و»قصرهما» وكفاءتهما الكروية النادرة، فكان جميلاً أن يأمر «الرئيس» عند لقائه - فيما بعد - بأعضاء بالمنتخب اليمني وهيئته الرياضية.. ب «تبنيهما» رياضياً وعلمياً وإلى أن يصبحا نجمين من نجوم الكرة اليمنية.. وهما الطفلان: «مالك الشعيبي» و»صقر الدربي».

كان حفل الافتتاح الذي تابعه معظم أبناء العروبة إن لم يكن جميعهم عبر الشاشات والقنوات الفضائية، كما تابعته عبر قنوات سبأ وعدن واليمنية وأبو ظبي.. مبهراً، غير مصدق.. وكأنه إطلالة - ليس على دورة.. بل على يمن راق جديد، فكان هو بحق «تعويذة» الدورة، وتميمتها، وحارسها الذاتي الأول.. كما تأكد فيما بعد.

* * *

عندما هبطت الطائرة في مطار عدن الدولي بعد ساعة وخمسة وأربعين دقيقة من مغادرتها لمطار جدة.. ووجدت في استقبالي في تلك الساعات المبكرة من صباح يوم الجمعة الأخ العزيز الأستاذ وليد الريمي مندوباً عن الوزارة ووكيلها الأستاذ الشاهر.. كنت أتعجل السلام عليه، وواجب تقديم الشكر لمجيئه إلى المطار في يوم إجازته.. حتى أخلص لأسئلتي عن «الأمن» في عدن وأبين وما حولهما، وعينايَ تمسحان ردهات المطار.. ثم خارجه بحثاً عن أي تواجد أمني غير عادي هنا أو هناك؟ فلم أجد.. لا عشرات، ولا مئات من جنود الأمن يتخللون المطار أو يحيطون به.. من أولئك الثلاثين ألف جندي الذين وضعوا للحفاظ على أمن «الدورة» وسلامتها، وقد أدرك أخي وليد.. ما يشغلني ويلوب في عقلي، ليقول لي بهدوئه الدائم: اطمئن.. فلم يحدث أي شيء يعكر صفو الأمن طيلة الأيام الماضية من «الدورة» (كان قد مضى عليها ساعتذاك أحد عشر يوماً)، وسترى بعينيك خلال وجودك معنا..

قلت: وأين آلاف جنود الأمن الذين جاء ذكرهم في الأخبار..؟

قال: لقد أصبحوا مليوناً ومائتين وخمسين ألفاً، هم مواطنو وسكان مدينتي «عدن» و»أبين». فهم حراس الدورة، وهم المحتفون بضيوفهم الخليجيين والعرب.. وهم المحتفلون معهم بهذا العرس الرياضي العربي الكبير!!

صمتُّ، وأخذت السيارة تنهب بنا الطريق إلى «الفندق».. لأجيل بصري في تلك الشوارع والأرصفة والميادين التي بدت نظيفة لامعة، وكأنها غُسلت في ذلك الصباح بالماء والصابون على طريقة الأستاذ مصطفى أمين ومبالغاته عن شوارع القاهرة في زماناته.. أو كأن أهل عدن جميعهم قد شاركوا في نظافتها وتلميعها.. حتى بدت على تلك النضارة الملفتة، بينما كان البحر بخلجانه وزرقته، وصخوره السوداء، وزَبَده الأبيض.. يتخلل الطريق: فهذا «خور ميكسر».. وهذا «خليج عدن».. وهذا بحر العرب.. وهذا الطريق إلى البحر الأحمر، لنقف على أسوار «فندق ميركيور».. فأرى بعضاً من جنود الأمن الذين كنت أبحث عنهم، وهم يستفسرون، و»يتطقسون»، ويسألون عن هوية كل داخل إلى حرمه.. وعن بطاقته الرسمية، ففي داخل الفندق كان يتواجد ما يزيد عن ألف ومائتي إعلامي.. فكان لابد وأن تكون الحراسة عليهم جادة ويقظة، كما هي عليها بالنسبة للرياضيين من لاعبين ومدربين وحكام.. لنتقدم إلى بوابة الفندق، فيخف اثنان أو ثلاثة من الشباب ليرحبوا بنا ويساعدوننا.. فأرى في لطفهم وحميمتهم وتفانيهم ما ذكرني بما قاله الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن اليمن وأهله.. بأنهم «أرق قلوباً وألين أفئدة». فهذا الترحيب الحار.. وهذه الابتسامات المشرقة لا تصدر إلا عن قلوب رقيقة وأفئدة أرق.

 

«شاهد».. على دورة المفاجآت «السعيدة»..! (1/2)
د. عبد الله سليمان مناع

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة