Sunday  19/12/2010 Issue 13961

الأحد 13 محرم 1432  العدد  13961

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وجهات نظر

 

راحة البال
خالد موفق بالله

رجوع

 

اختلف الناس حول ما يجلب للإنسان راحة البال، وتضاربت آراؤهم حول الآليات والشروط والمسببات التي تحقق لكل شخص غاياته التي يجني من بعدها راحة باله وسكينة نفسه.

وأجمع الكل على ثلاثة محاور أساسية (المنعشات الثلاث)، وتتمثل في سلطة المال، ونعمة الصحة، ومَلَكَة العقل. إذ لا يستطيع أحد من البشر تجاهلها أو جحود عنصر واحد منها، لما لها من أهمية في الحياة. وما من عاقل على الأرض إلا وينشد استقامتها وتمامها مجتمعة.

ويفضل أغلب الفقراء من الناس المالَ على الصحة والعقل، نظراً لحالتهم المادية المزرية التي قضوا حياتهم في جحيمها، حتى صار الغنى لديهم حلماً أشغل انتباههم حتى غضوا الطرف عن إدراك قيمة ما هم فيه من نعمة الصحة، فتعطَّلَ حكم الفكر لديهم وتحولوا إلى شبه دواب أو أضل سبيلاً.. في حين يتمنى ذوو العاهات والأمراض المزمنة من الأغنياء أن يدفعوا كل ما يملكون مقابل سيرهم على الأقدام أو تناول وجبة دسمة أو أكل ثمرة من الفواكه الاستوائية.

والذي يتمتع برجاحة في عقله يعيش عيشة كريمة بنفس راضية، ولا يشغل باله بعَرَض الدنيا، ولا يقضي حياته أسيراً للمشاكسة أو يسلم نفسه رهينة للعادة، لذلك تراه وفياً للتجديد والمرونة وعلى أهبة للانطلاق باستمرار.

وقد يكون المرء غنياً وبصحة جيدة، إلا أنه لا يملك فكراً ناضجاً يرشده في اتخاذ القرارات المناسبة في حياته، فيكون غياب مَلَكَةِ العقل لديه سبباً في خسارة قد تودي بماله وعافيته، فيقعد ملوماً محسوراً.

أما من يتمتع بصحة جيدة وعقل متيقِّظ، فإنه ينعم بحياة أسعد من صاحبنا الذي أخسره عقلُه العاطلُ مالَهُ وعافيتَهُ، لأن العاقل الصحيح يُعمِل تفكيره فتستنير سبل النجاح أمامه ليجني في النهاية حصاد ما كان يسعى إليه ويتلقى مساندة من صحة عقله وعافية بدنه، فيتوفق في اجتياز المكاره وتكاليف الحياة ويقوي على السهر والظروف القاسية.

والإنسان العاقل الذي يشكو من تدهور في صحته بأمراض مزمنة كالسكري ومشكلات القلب وضغط الدم ونحو ذلك من جهة، ويرزح تحت وطأة الفقر وقلة المال من جهة ثانية، فعقله دليله في إيجاد طرق للعيش والكسب على نحو لا يبلغه من كان عقله خاملاً أو معطلاً، فيسلك طرقاً ذكية لجلب المال ومقاومة الأمراض التي استوطنت بدنه، ويُرشده عقلُه كذلك في معرفة الله حق المعرفة والإيمان به، فتطمئن نفسه لرب كريم يرسل مدَدَهُ من السماء على نحو لا يفقهه الجاهل من الناس.

وإذا قمنا بموازنة بين المال والصحة والعقل، فلا تعدو أن تكون إرشاداً أو توضيحاً لكل عنصر وما يحمله من خصيصة، فللمال سلطان في الدنيا، وهو ضرورة ملحَّة في حياة الناس، وبدونه لا يستقيم رغد العيش، ولو تأمَّلنا العالم فسنجد أن الحروب والتناحرات تستوطن وتدوم في المجتمعات الفقيرة، وتنعدم النزاعات والفتن أو تكاد في المجتمعات الغنية المُرفهة.

وحقيق أن المال لا يجلب راحة البال المحضة، إلا أنه يعدُّ وسيلة فعالة لتحقيقها والوصول إليها، لأنه واحد من عدة عناصر قد تطول قائمة من يريد حصرها. وصحة البدن ركن أساسي لا تستقيم الحياة في غيابها، وهي تاج على رؤوس الأصحاء الذين لا يُلقون بالاً له ولا يقدرون قيمته كما يقدرها المرضى الأغنياء الذين يتوقون إلى الأكل والمشي والتنفس وبعض مُتَع العيش التي حُرموا منها، كما أنهم لا يملكون من راحة البال شيئاً، ويرون أن وفرة أموالهم مثل عدمها! فيتحسَّرون على ذلك ويعيشون في خيبة ونكد دائمَين.

وإذا اعتبرنا الصحة والمال نجمين في السماء يدلان التائه في الصحراء على مكان وجوده، فإنَّ العقل قمر ينير له الطريق ويرشده إلى أقرب واحة ليحتمي فيها من الذئاب المفترسة.

وإذا تأمَّلنا إنساناً سلمياً واقفاً، فسيتجلى لنا العقل وهو يحتل الحيز الأعلى من منطقة الرأس، والصحة تَعُمُّ كافة بدنه، ومالُهُ بين صادر ووارد في حركة دائمة بين نقص وفائض، شأنه شأن وقود السيارة الذي يقضي دورة حياة بين داخل ومنصرف لكي يتنقل الركاب من مكان إلى مكان حسب ما تقتضيه المصلحة.. وما دام لكل شيء قيمة في حياة الإنسان، فإن للعقل قيمة عظيمة لا يختلف عليها اثنان، بل هو قيمة الإنسان نفسه!

 

رجوع

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة