Tuesday  21/12/2010 Issue 13963

الثلاثاء 15 محرم 1432  العدد  13963

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الأخيــرة

           

هب أن العلم الحديث استطاع أن يخترع آلة تخترق الماضي، وتعيدك إلى الماضي البعيد، وقُدر لك أن تعود إلى زمن ليلى العامرية عشيقة قيس بن الملوح، التي أصبحت في الأدب العربي رمزاً للرقة والعذوبة والأنوثة؛ وإن أردت (للرومانسية)؛ فتلك التي هام قيسٌ بها حتى وجدوه ملقى على الأرض وقد مات عشقاً كما تقول الحكاية الشعبية، يفترض أنها على قدر معقول من الجمال؛ لكن ليلى العامرية ليست بالضرورة كذلك؛ بل أخالها أقرب إلى نساء المجاعة في إفريقيا هذه الأيام نظراً للجدب والجوع ناهيك عن الأوبئة والأمراض التي كانت تكتنف مرابع قومها في نجد إبان تلك العصور الغابرة؛ أما الرائحة فليس لديّ أدنى شك أنها (مخنزة)؛ خاصة وإن عادت بك آلة (اختراق الزمن) إليها في (عز) الصيف، حيث كانت ترعى غُنيمات أهلها في (الدّهنا ولا النفود)، ودرجة الحرارة تقارب الخمسين درجة مئوية، والحر قد فعل فيها وفي رائحة جسدها الأفاعيل؛ بالله عليك كم (وع) ستنطلق من فمك تجاه هذه المرأة التي جعلها خيالك المُشبع بأساطير الماضي إحدى ملكات جمال الكون؟!

وافترض أنك طلبت من هذه الآلة أن تذهب بك لتحضر إحدى معارك عنترة بن شداد، لترى كيف كانت بطولات هذا الرجل الشجاع الذكي المناور، والذي أصبح مثالاً يُحتذى لأبطالنا المغاوير الأشاوس؛ وهل هو كما كان يقول عن نفسه: (أقدم عندما أجد الإقدام عزمًا، وأحجم إذا رأيت الإحجام حزمًا، ولا أدخل إلا موضعًا أرى لي منه مخرجًا، وكنت أعتمد الضعيف الجبان فأضربه الضربة الهائلة التي يطير لها قلب الشجاع فأثني عليه فأقتله)؛ أم أنَّ (الحكاية) بكاملها ليست أكثر من (رجاجيل بيسرقون غنم ولا بعارين، وربعٍ تفازعوا بيردونهم) ليس أكثر؛ أما (السيوف التي تقطر بالدم)، وتلك المعارك التي يشيب منها الوليد كما كانوا يصفونها في أدبياتهم، فليست في تقديري إلا (سواليف ربع على جال ضوهم) ليس إلا.

وأغلب ما وصلنا من هذا التاريخ كانت في الغالب حكايات شعبية، تناقلها الرواة (شفهياً) قبل أن تكتب، وفعلَ فيها القُصّاصُ الكثير، فأضيف إليها، وضُخِّمَت، ونُفشت، حتى أصبح أبطال تلك الروايات أقرب إلى الإنسان الخارق في مواصفاته؛ أو هو (السوبرمان) كما في حكايات زماننا.. هذا إذا كان الخيال مرتبطاً بالماضي، مستحضراً له، ومكبلاً بأساطيره، أما إذا كان الخيال مرتبطاً بالحاضر والمستقبل، فالأمر يختلف تماماً؛ فالخيال في هذه الحالة بمثابة المحرك الحقيقي للخلق والابتكار والإبداع. بل أن ألبرت أنشتاين، العالم الفيزيائي المشهور، يُصر على أن (الخيال) أهم من المعرفة في نقل البشرية من حال إلى حال؛ وهذا صحيح؛ فلولا خيال أديسون الخصب - مثلاً - ، ناهيك عن إصراره ومثابرته وصبره، لما استطاع أن يخترع المصباح الكهربائي، ويلغي الظلام من الأرض إلى الأبد.

لذلك يمكن القول إن أية أمة تعيش تحت الشمس لا تهتم إلا باجترار الماضي، ولا تعنى بالمستقبل، ولا تكترث بمُحفزات الخيال، ولا تحترم الفنون، وليس للإبداع أي تقدير واحترام في قواميسها، لا يمكن أن تنجب عباقرة يملكون من (الخيال) ما يجعلهم يعيدون إنتاج أديسون أو ألبرت أنشتاين وأمثالهم من أولئك الذين نقلوا البشرية من الجهل إلى هذه الحضارة الشامخة العظيمة التي نعيش في نِعَمها.

إلى اللقاء.

 

شيء من
سواليف على جال النار
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة