Thursday  23/12/2010 Issue 13965

الخميس 17 محرم 1432  العدد  13965

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

كتاب السلفية الجهادية في السعودية وبعض الكتب التي تتناول واقعنا وأطياف مجتمعنا السعودي من أمثال كتاب (السعودية.. سيرة دولة ومجتمع.. قراءة في تجربة ثلث قرن من التحولات الفكرية والسياسية والتنموية) لعبد العزيز خضر غير موضوعية في إصدار أحكامها، وتحميل الأحداث

ما لا تحتمل، وقراءة سير الشخصيات بعين عوراء تتعسف في العرض، وبخاصة أن الكتاب الأخير تناول شخصيات ماتت منذ أكثر من نصف قرن كالشيخ محمد بن إبراهيم وغيره؛ ما يعطي الكتاب صفة السطحية. والمؤلم أن دور النشر تتسابق لنشر مثل ذلك حباً في الربحية على حساب المصداقية واحترام عقل القارئ. وكتابنا اليوم من منشورات دار الساقي، وهي من أكثر دور النشر والتوزيع شهرة في العالم العربي، وفي كل معرض تجد الجماهير تزدحم في موقعها للاطلاع على الجديد والمثير، وهذا يُحمّلها مسؤولية كبيرة فيما تطبعه وفيما تسوقه من فكر للأجيال، وبخاصة في ظل اختلاط الغث بالسمين. وأكاد أجزم بأن هذه الدار لم تحكم كتاب السلفية الجهادية في السعودية لفؤاد إبراهيم بمعايير التحكيم المجمع عليها؛ لأن من يتصفح الكتاب يجد أغاليط في تاريخ الشخصيات المذكورة وتفسير النصوص الشرعية وتحميل الأدلة ما لا تحتمل وتعميم التصريحات الخاصة على أنها عامة تمثل وجهة نظر الدولة، وبناء عليه لا يمكن أن تكون حكماً ذا مصداقية على رأي الأئمة المعتبرين وإلزامهم بشيء لا يلزمهم، وحكماً موضوعياً على مواقف الدولة السعودية من بعض الفتاوى والتصريحات الخاصة.. ولقد تناول المؤلف شخصية الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب بحكم مسبق، وإدانة في محاكمة غير عادلة، ومن ذلك:

1- في الفصل الأول «الوهابية والسياسة» تحدث عن الإمام محمد بن عبدالوهاب مؤسس المذهب الوهابي الذي يؤثر ولا يتأثر كما يزعم في ص 10، وقوله إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب خلق حركة أيديولوجية تتضمن عناصر دينامية صالحة لتغيير اجتماعي سياسي ص11، وقوله «ولذلك كان من الطبيعي أن ترهن منطقة نجد نفسها للعقيدة الجديدة التي وهبتها الأمن والاستقرار» في ص 17. وأقول إن الشيخ محمد بن عبدالوهاب لم يكن مؤسساً لفرقة ولا خالقاً لحركة ولا مبتدعاً لعقيدة، وإنما كان تابعاً لأئمة السلف قبله بدليل اعتراف المؤلف في الصفحة نفسها في قوله: «ولقد بدا واضحاً أن كتابات ابن تيمية وتعاليمه وفكره قد لعبت دوراً توجيهياً في المدرسة الإسلامية السلفية التي كانت تسفر دائماً عن حركة احتجاج ضد البدع..»، وخير ما يفند هذا الافتراء قول الشيخ في رسالة لأهل مكة: «إذا صح لنا نص جلي من كتاب أو سنة غير منسوخ ولا مخصوص ولا معارض بأقوى منه وقال به أحد الأئمة أخذنا به وتركنا المذهب كإرث الجد والأخوة فإنا نقدم الجد وإن خالف مذهب الحنابلة». وقال في رسالة لأهل المغرب: «وهذا الذي ذكرناه لا يخالف فيه أحد من علماء المسلمين، بل قد أجمع عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم ممن سلك سبيلهم ودرج على منهجهم، وقد حذر صلى الله عليه وسلم من حوادث الأمور». وكُتُب الشيخ ورسائله ومؤلفاته بين أيدينا، وهي خير دليل على منهجه - رحمه الله - ومن باب التحدي الصريح لمن يراجعها ويفتشها أن يجد فيها ما يخالف منهج الأئمة والسلف الصالح.

2- قال فؤاد إبراهيم ص 10: «وقد أحدثت دعوة الشيخ ابن عبدالوهاب ومعتقداته صدمة وهدّدت مجموعات دينية مهمة مثل الصوفية بالرغم من حقيقة أن الشيخ نفسه قد تأثر إلى حد ما بالتعاليم الصوفية في فترة ما».. والحقيقة أن الشيخ لم يتأثر بالتصوف البدعي وما يخالطه من خزعبلات وتوسلات وشرك وبدع ودق طبول ورقص على نغمات مزامير الشياطين؛ فالشيخ وقف منه موقفاً واضحاً، وهو من أسرة تميزت بطلب العلم والقضاء والدعوة، وكانت غير راضية عن منهج الصوفية الذي صبغ مؤسسات الدولة العثمانية آنذاك وتبنت نشره في العالم الإسلامي، وخير ما يدل على عداء العثمانيين وأتباعهم في مصر لدعوة التوحيد أن محمد علي باشا حاكم مصر قتل ابن المؤرخ المصري عبدالرحمن جبرتي انتقاماً من أبيه لتعاطفه مع دعوة التوحيد، وقتل عدداً من أحفاد الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب ونكّل بهم وسجنهم في سجون تركيا ومصر، وخير ما يرد هذه الفرية قول الشيخ - رحمه الله -: «أما ما حدث من سؤال الأنبياء والأولياء من الشفاعة بعد موتهم وتعظيم قبورهم ببناء القباب عليها وإسراجها والصلاة عندها واتخاذها أعياداً وجعل السدنة والنذور لها فكل ذلك من حوادث الأمور التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم أمته وحذر منها كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين وحتى تعبد فئام من أمتي الأصنام».

3- نص فؤاد إبراهيم ص11 على أن الذي بين الحاكم الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب كان تحالفاً واتفاقاً، ولم يكن مبايعة من الثاني للأول، قال ص12: «ولذلك تمسك باتفاقية مشروطة مع الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وذكر فيها شرطين مركزيين، الأول أن يبقى الشيخ في الدرعية حتى لا يستبدل محمد بن سعود في حال خروجه عنها، والثاني أن يدرك تماماً الموقف الشرعي من كمية المحصول الذي يأخذه من رعاياه الخاضعين لسلطانه»، بل إنه صوّر الإمام محمد بن سعود حاكماً ضعيفاً في قوله ص15: «وبصورة إجمالية فإن الشيخ ابن عبد الوهاب لم يكن عالم دين فحسب بل كان مسؤولاً عن تنظيم القوات العسكرية وإدارة الشؤون الداخلية والخارجية وكتابة الرسائل إلى العلماء في الجزيرة العربية وإبلاغ الدعوة ومطالبة الناس بطاعة الحاكم في الدرعية وحتى الشؤون المالية كانت تُدار بالتشاور معه...» وقال ص 22: «ومع ذلك وبالرغم من أن الشيخ ابن عبدالوهاب يسبغ نظرياً على الأقل أهمية مستقلة على موقع الإمام الحاكم إلا أنه لم يجسده على أرض الإمارة التي أقامها في الدرعية؛ فقد تقمص بصورة منفردة دور الإمام الحاكم...». ولي وقفات مع ما سبق:

أ- هذا الكلام خطأ تاريخي لم يستند إلى دليل؛ لأن واقع الشيخ محمد بن عبد الوهاب يؤكد أنه الرجل المطارَد بلا قوة ولا منعة من أتباع أو قبيلة، ولم يستطع حماية نفسه من أمير العيينة وشيخ بني خالد الذي هدد كل من يساند الشيخ؛ فلم يستطع تبليغ دعوته فضلاً عن الحفاظ على حياته من حكام الأقاليم المحيطين بالدرعية، فكيف يُبرم اتفاقاً وتحالفاً مع حاكم قائم مثل الإمام محمد بن سعود ويرضى الإمام بتقاسم السلطة كما يزعم المؤلف.

ب- الشروط لا تعني عدم المبايعة من الشيخ محمد للإمام؛ لأنه ورد في السُّنة النبوية وسيرة السلف عبارة (ابسط يدك أبايعك على أن...)، ووجود الشيخ في العيينة وتبعيته لابن معمر جعله يبايع الإمام محمد بن سعود حينما قرر الاستقرار بالدرعية، ويؤكد هذا ما نقله فؤاد إبراهيم من قول الشيخ ص21: «الأئمة مجمعون من كل مذهب على أن من تغلب على بلد أو بلدان له حكم الإمام في جميع الأشياء ولولا هذا ما استقامت الدنيا؛ لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا ما اجتمعوا على إمام واحد». والدليل على تخبط المعلومة في ذهن المؤلف أنه يتناقض مع نفسه من حيث لا يشعر فنجده يصرح في ص23 بأن الإمام زار الشيخ ونقل عنه قوله له «إن هذا دين الله ورسوله الذي لا شك فيه فأبشر بالنصرة لك ولما أمرت به والجهاد لمن خالف التوحيد»، ورد عليه الشيخ: «وأنا أبشرك بالعز والتمكين والنصر.. فأرجو أن تكون إماماً يجتمع عليه المسلمون وذريتك من بعدك». وهذا النص عند ابن بشر، وهو يؤكد سلفية الإمام محمد بن سعود قبلا، وحَمْل همّ الدعوة إلى توحيد الله بعدا، وإن إماماً يقف في وجه القوى المحيطة به ويتبنى الجهاد ويبسط نفوذه على الجزيرة العربية ومن حولها يستحيل أن يكون ضعيفاً يا فؤاد!!!

4- نص فؤاد إبراهيم ص20: «طور الشيخ محمد بن عبدالوهاب فكرة الخروج لدى الشيخ ابن تيمية ليرفقها بمشروع سياسي طموح يتعزز بتوسعة إطار التكفير بحيث يستوعب المجتمع»، ومسألة التكفير من الافتراءات التي أطلقها الخرافيون والمبتدعة والمشعوذون؛ لأنه سحب البساط من تحتهم، وقد اعترف المؤلف من حيث لا يشعر في ص11: «وبناء على رواية ابن غنام فإن غالبية معاصريه كانوا منغمسين في عبادة الأولياء والأشجار والأحجار بدلاً من عبادة الله.. وكان في وادي حنيفة على سبيل المثال ضريح لزيد بن الخطاب وكان مركز أماني الناس وأحلامهم»، وهذه الفرية لم تكن بهذا التعميم فقد وضع شروطاً وموانع للتكفير، وميز بين المعين وغيره، يؤكد ذلك قول الشيخ في روضة الأفكار للشيخ حسين بن غنام: «وإذا كنا لا نكفر مَنْ عبد الصنم على قبة عبد القادر والصنم على قبر أحمد بدوي وأمثالهما لأجل جهلهم وعدم مَنْ ينبههم، فكيف نكفر من لم يشرك بالله أو لم يهاجر إلينا ولم يكفر.. سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ». وأما من تعمد وكابر وتحدى على علم الشرك بالله والتبرك بغيره فالقرآن وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجته من الإسلام كما حصل لقريش التي تعبد الأصنام والأحجار لتقربهم إلى الله زلفى ولمن أراد أن تكون له ذات أنواط يتبرك بها، والواقع في تلك الفترة التي هيمنت فيها الدولة العثمانية وفرضت على الأمة أجندتها كان هناك من يعتقد في النخلة القائمة في اليمامة وقدرتها العجيبة لمن قصدها من العرائس أن تتزوج لعامها، ومن يعتقد في الغار القائم في الدرعية ويحج إليه للتبرك كما يحج المسلمون لبيت الله الحرام، ومن يعتقد من أهل مصر في شجرة الحنفي ونعل الكلشني وبوابة المتولي..

إن موقف الدعوة من توحيد الله جل وعلا ونبذ مظاهر الشرك والخزعبلات والخرافة موقف واضح، وقد شرحه الشيخ محمد بن عبدالوهاب في رده على افتراءات سليمان بن محمد بن سحيم، والله من وراء القصد.

abnthani@hotmail.com
 

قراءة في كتاب السلفية الجهادية لفؤاد إبراهيم
قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب: (سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ) (2)
د. عبدالله بن ثاني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة