Monday  27/12/2010 Issue 13969

الأثنين 21 محرم 1432  العدد  13969

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

من المؤكد أن مظاهر تدهور الأراضي تنذر بحدوث كارثة بيئية قد يكون لها الأثر السيئ على مستقبل الزراعة بشكل خاص وعلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي بشكل عام.. فسوء إدارة الموارد الطبيعية والري المكثف قد ألحق الضرر بالأراضي..

ولقد حان الوقت لقيام المؤسسات المعنية بالنشاط الزراعي (وزارة الزراعة ووزارة المياه والكهرباء) بالبدء في الحساب الدقيق للموازنة المائية الفصلية للنشاط الزراعي القائم.. وهذا ما يستدعي معرفة الاحتياطات المائية للتمكن من تحديد النشاط الزراعي الفصلي بهدف الوصول إلى زراعة مستدامة..

تلك مقتطفات من ضمن ما جاء في دراسة علمية ضخمة امتدت لسنوات من العمل الميداني (استبيانات ومسوح) والمختبري، وتدق ناقوس الخطر. الدراسة عنوانها «متابعة وتقييم تدهور أراضي الزراعة المروية بالمملكة». وصدر من هذه الدراسة جزءان كل منهما في كتاب، الأول عن منطقة وادي الدواسر والآخر عن منطقة حائل، وهما من تأليف الباحث عبد الله علي الهندي مدير عام المركز الوطني لبحوث الزراعة والثروة الحيوانية، وعزيز محمد مغربي خبير منظمة الأغذية والزراعة لمنظمة الأمم المتحدة، وشارك معهما في الدراسة ثمانية من الباحثين الزراعيين والكيميائيين.

الباحث الرئيسي للدراسة وهو عبد الله الهندي يعد من الكفاءات الوطنية المعروفة حيث له العديد من الأبحاث المحكمة علمياً والمنشورة في مجلات علمية عالمية، وهو ذو خبرة طويلة في وزارة الزراعة، إذ سبق له أن كان مديرا عاما لإدارة الأبحاث الزراعية، ولإدارة التنمية الزراعية. وكان الهدف الرئيسي للمشروع هو دراسة الخواص الفيزيائية والكيميائية لمواقع النشاط الزراعي، ورصد وتحديد مظاهر التدهور وإعطاء التوصيات اللازمة والحلول الممكنة. وتضمن المشروع أربعة محاور بحثية أهمها الاستبيانات الحقلية وتحليل وتقييم مظاهر تدهور التربة ومياه الآبار.

يوضح الكتاب الأول أن النشاط الزراعي المكثف الذي امتد لأكثر من ثلاثة عقود بمنطقة وادي الدواسر.. قد ألحق الضرر بالأراضي الزراعية ومصادر المياه الجوفية الصالحة للزراعة المروية. حيث يلاحظ تراجع كميات مياه الري في 47% من المزارع وتدهور نوعيتها في 81% منها بسبب ارتفاع محتواها من الأملاح، حسب الاستبيان. أما حسب المسح الميداني فتشير النتائج إلى بروز ظاهرة التملح في 72% من المزارع واستفحالها الواضح في 38%. كما تشير النتائج إلى أن مياه الآبار مالحة وغير صالحة للزراعة حسب المعايير المعتمدة دوليا في 20% من المزارع المشمولة بالدراسة.ويشكل ارتفاع منسوب الماء الأرضي مصدر خطورة على التربة وعلى المحاصيل على حد سواء. إذ إن تشبع التربة بالماء يتسبب في تغيرات سلبية للخواص الكيميائية تؤثر عكسيا على نمو المحاصيل الزراعية كما يؤدي إلى اختناق الجذور وموت النبات.

ويخلص الكتاب الأول إلى أن تدهور الأراضي في وادي الدواسر يعود إلى سوء إدارة الموارد الطبيعية ومدخلات الإنتاج الزراعي وغياب الصرف الزراعي. وقد تسبب الري المكثف والمستمر في إضافات سنوية لكميات كبيرة من الأملاح التي تراكمت في قطاع التربة.. وساهم استخدام التسميد المكثف غير المدروس في هذا التملح. وأوضحت الدراسة أن بعض المزارعين لجأ إلى تطبيقات لحلول فردية ومؤقتة، لكن لا بد من التعامل مع هذه الظاهرة بجدية واتباع برنامج متكامل عن طريق توعية المزارع عبر الإرشاد الزراعي بأفضل طرق تطوير إدارة الموارد الطبيعية.

وأخيراً، يقترح الكتاب الأول حلولا لمعالجة تدهور الأراضي، تستند على قواعد علمية، وتأخذ في الاعتبار الظروف الخاصة للمملكة وسلامة البيئة ويكون لوزارة الزراعة وللمزارع دور هام فيها. ويشمل هذا البرنامج العديد من النقاط أهمها ترشيد استخدام مياه الري والأسمدة المعدنية، وغسيل الأملاح من التربة، واعتماد الدورة الزراعية.

وفي الكتاب الثاني عن منطقة حائل نجد أن ظاهرة تدهور الأراضي تشابه ما يحصل في منطقة وادي الدواسر، حيث تراجع منسوب مياه الآبار في 30% من المزارع وفي نضوب عدد من الآبار في المزارع الأخرى.. وانخفاض نوعية مياه الري في 48% من المزارع وارتفاع نسبة الملوحة بها.. وبظهور تملح جزئي أو شامل للتربة في 73% من المزارع. وكانت الخلاصة العامة للدراسة لتربة منطقة حائل هي تملح 40% من مواقع النشاط الزراعي..

ويوضح الكتاب الثاني أن أهم عوامل تدهور التربة في منطقة حائل هو الإفراط في الري والتسميد المكثفين وغياب الصرف الزراعي. ويطرح حلولا مشابهة لتلك المقترحة لمنطقة وادي الدواسر، مع الاختلاف في التفاصيل الجزئية لمنطقة حائل. إذ أوضحت الدراسة أن أراضي المنطقة الوسطى (في منطقة حائل) بالدرجة الأولى والمنطقة الشمالية الشرقية بالدرجة الثانية هي الأكثر تضرراً حيث تسبب ارتفاع منسوب الماء الأرضي فيها وصعوده إلى منطقة الجذور في بعض المواقع وظهوره فوق سطح الأرض في مواقع أخرى في تملح التربة وإتلاف المحاصيل الزراعية.

من الناحية العلمية يتفق كل من علق على هذه الدراسة البحثية الضخمة، خاصة من أساتذة الجامعات، بأنها من أجود ما ظهر من دراسات حيث تميزت بالضبط المنهجي الصارم والدقة التحليلية، ويمكن أن تكون نموذجا تطبيقيا عند دراسة تدهور الأراضي. لذا فإن أخذ نتائج هذه الدراسة وتوصياتها على محمل الجد يعد أمراً حيوياً لإصلاح تدهور الأراضي في بعض المناطق ووقف تمدده في مناطق أخرى.

وأكثر ما ركزت عليه توصيات الدراسة هو ترشيد استهلاك المياه عبر اختيار نظم الزراعة المقتصدة للمياه واستخدام نظم الري ذات الكفاءة العالية وإدخال المحاصيل ذات الاحتياجات المائية المنخفضة، خاصة أن وزارة الزراعة اعتمدت سياسات تؤدي إلى خفض المساحات المزروعة بالقمح، لكن بالمقابل نلاحظ زيادة مستمرة للمساحات المزروعة بالأعلاف كالبرسيم، وهي التي تستهلك سنوياً ما بين أربعة وخمسة أضعاف استهلاك القمح من المياه في وحدة المساحة! ومشابه لذلك ما يحصل من توسع مستمر في المساحات المزروعة بالنخيل الذي يتطلب كميات ضخمة من المياه للحصول على إنتاج اقتصادي مجد، رغم أن النخيل من أكثر أشجار الفاكهة المتحملة للجفاف.

لذا فإن هذه الدراسة هامة جداً كخلفية علمية لمراجعة السياسات المائية التي حققت نتائج إيجابية في خفض استهلاك المياه في بعض المحاصيل، بينما يُغفل عن استمرارية التوسع في محاصيل مستنزفة للمياه وتعمل على مزيد من الإهدار المائي، لدرجة أننا لو وازنَّا بين الترشيد والتبذير لرجحت كفة التبذير!!

alhebib@yahoo.com
 

تدهور الأراضي بالمملكة
عبد الرحمن الحبيب

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة