Monday  27/12/2010 Issue 13969

الأثنين 21 محرم 1432  العدد  13969

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

كفار، لا يصلون، أعداء، فهم من يدعم إسرائيل! بلاد خطرة وشعب فاسد، يريدون تغريب المرأة المسلمة وتدمير قيم المجتمع العربي والسعودي..الخ

هذا ما كنت أسمعه عبر السنين عن تلك البلاد التي اسمها (الولايات المتحدة الأمريكية)، أكبر وتكبر تلك الصورة في داخلي، تتجذر في أعماقي، وتعززها وتدعمها الفوضى المنظمة التي تخلفها سياستها الخارجية هنا وهناك..

لم تتغير تلك النظرة و الصورة المشوهة لها في داخلي إلا حينما حملني القدر على حين غرة إليها، حيث يتلقى والدي -شفاه الله- العلاج في إحدى المستشفيات في مدينة (لوس أنجلس) التابعة إلى ولاية (كاليفورنيا) شاهدتها عن قرب، وتأملتها عن كثب،بعيوني أنا وليس بآراء مكررة ومشروخة عنها، تردد مرة بعد مرة بلا تفكير ويحملها الجيل بعد الجيل.. زرتها وشعرت أني أحط في عصر آخر أو كوكب مختلف, صدقت حينها فقط أن المسافة التي تفصلنا عنها مسافة أزمنة قبل أن تكون مسافة أمكنة..

يلفتك منذ لحظة وصولك إلى أرض المطار ذلك النظام الصارم والاحترام المثالي والمقدس له، الابتسامة التي لا تغيب عن وجوه سكانها، والتحية يحييك بها الجميع أينما كنت يسألونك عن أحوالك، ويشاركونك آراءهم بالطقس وآخر الأخبار، تساءلت حينها هل هم سعداء إلى هذه الدرجة؟! هل حياتهم مثالية إلى هذا الحد؟! الإجابة كانت لا!! فهم بشر تتأرجح حياتهم بين الأفراح والأتراح لكن.. هذا هو أسلوب حياتهم، تلك هي طباعهم.. وأكرم بها من أخلاق..

تجربتي الحقيقة كانت في المستشفى حينها كانت الصدمة الحقيقة، فبعد معاناة والدي المؤلمة التي لم ولن أتمناها لعدو أو صديق في المستشفيات السعودية، حيث الفوضى والأخطاء المتكررة، والمستوى المتدني للخدمات التي لا تليق بدولة غنية ومتطورة مثل المملكة، كان المستوى المتقدم للطب في الولايات المتحدة يفوق كل التوقعات، يحطم ويسحق كل ما قيل سابقاً عنها بعقلي ويضع ويفرض تصورات جديدة مختلفة كلياً، لا أخفيكم أيها القراء أن والدي حط رحاله هنا وهو بحالة طبية حرجة منذ شهرين من الآن وهو اليوم إنسان مختلف بصحة أفضل وجسد أقوى بفضل الله سبحانه، ثم بفضل فريق طبي بمستوى عالٍ ومستشفى تشعرك أنك في وطنك وبين أهلك، ذلك الإخلاص والتفاني المتناهي الذي يقدمه كل العاملين في المستشفى بدءً من عمال النظافة البسطاء وصولاً للممرضات وانتهاءً بالأطباء أصحاب الرواتب التي تقدر بالملايين، هناك أشياء مشتركة بينهم، ابتسامة حميمة تمد جسراً إليك بالحب والتعاطف معك، التواضع الذي يجعل طبيباً أو بروفيسوراً يدلّك أرجل وأيدي المريض ويلبسه جواربه، و يقدم له بعضاً من وقته المزدحم بالبحوث والمراجعات ليمنحك نصيحة وهمسة أخ لا طبيب،-ذلك مشهد لم أره يوماً في مكان آخر-. تطل غرفة والدي على مركز أبحاث زجاجي مهيب، أشاهده عبر النافذة الساعة الثامنة صباحاً فأراه مزدحماً بأطباء من مختلف الجنسيات والألوان سخروا حياتهم بكل ما فيها لخدمة البشرية ومساعدة الإنسانية، وأطل مرة أخرى الساعة الثانية بعد منتصف الليل فأرى أنوار الغرف مضاءة بظلال أشخاص هم هناك يسهرون ويحلمون ويضعون العرق في مكانه الصحيح لاختراع دواء جديدة يخفف معاناة ووجع المرضى عبر المعمورة.

الجدير بالذكر أن إغداق الرعاية والعناية لم يقتصر على المرضى فسحب، بل إن مرافقيهم كان لهم اهتمام من نوع آخر، فلهم عظيم التقدير والاحترام لدى المجتمع الأمريكي، حيث خصصت المستشفى التي يرقد فيها والدي جلسات تعارف بين مرافقي المرضى في المشفى لهدف تبادل التجارب ومشاركة القصص والحكايات، محاضرات توعية، و(جلسات يوغا)، وموسيقى.

كما تصادف هذه الأيام أعياد الميلاد هنا، لم تقوَ المستشفى أن تمر هذه المناسبة دون أن تنشر وترش الفرح والسعادة في قلوب المرضى وأبنائهم، فخصصت غرفة واسعة ورصفتها بالهدايا التذكارية والألعاب حتى السقف فبدت الغرفة كحلم حقيقي لكل طفل، تمتع بانتقاء الهدايا التي يحب مع والدته أو والده المريض ويغلفها بعد ذلك إن أحب، كل ذلك عطايا مجانية سخية من المستشفى لمرضاها ومرافقيهم، حالة من الفرح والسعادة انطلقت حتى الأفق وعمت الأجواء، الكل ينسى المرض والألم اليوم، الكل يبارك و يتشارك بالهدايا، هذا يعلق، وهذا يمزح، وهذا يتمنى، أما الأطفال ففرحتهم أكبر وأبلغ من كل الكلمات التي أعرفها ولا أعرفها.. مرة أخرى-لم أرَ ذلك المشهد يوماً-!! هذا جانب ما شاهدته بعيني ولم أسمعه أو أقرأه أو ألتقطه من التلفزيون.

كم هي عظيمة أمريكا التي عرفت وشاهدت، كم هو حضاري ومتسامح ذلك الإسلام الذي يمارسه هؤلاء غير المسلمون وهم لا يعلمون!

هل هؤلاء الكفرة الذين سمعت عنهم؟! هل كل هؤلاء فاسدون ومفسدون كما كنت أسمع عبر سنواتي العشرين الماضية؟!

لا جدال أننا نختلف معها في أمور كثيرة، في الدين والمذهب والسياسة وقد يكون فيها أناس فاسدون كأي مكان في العالم، لكن لا أنكر أن هناك وجه مشرق وجميل يتفوق على ذلك الوجه البشع، ويكفي أن كل ما ينتقدها ويرميها بأقسى التهم يشد الرحال إليها ويقطع البحار والقارات حين يباغته المرض والسقم طالباً المساعدة وطامحاً للشفاء في أرضها.

هذا جانب متواضع وبسيط أردت أن أشارككم إياه من أمريكا كما عرفتها, أمريكا الحضارة والطب والعلم والنقل واحترام الآخر مهما كان لونه وجنسه ودينه، أمريكا الابتسامة التي لا تغيب، الإخلاص الذي لا يضمر، حتماً هو كذب ما كنت أعرف.. وحقاً هي جميلة تلك الحقيقة التي عرفت.. إلى اللقاء.

 

ربيع الكلمة
أمريكا الوهم, أمريكا الحقيقة!
لبنى الخميس

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة