Tuesday  28/12/2010 Issue 13970

الثلاثاء 22 محرم 1432  العدد  13970

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

           

يحلو لبعض «كَتَبةِ» الصحف هذه الأيام أنْ يخرجوا عن المألوف بحجة «الخروج عن المألوف» وهي حجة لكلِّ من يستسلم للهوى دون ضابط، فيخلط بين التجديد المقبول، والتطوير القائم على أسسٍ سليمة، وبين الجنوح إلى الفوضى هَرَباً من المألوف وإن كان هذا المألوف جميلاً.

وهذا الخروج عن المألوف يحدث في الأمور الصغيرة، كما يحدث في الأمور الكبيرة، وهو محمود إذا كان خروجاً إلى الأسلم والأصوب، والأنفع للإنسان ومجتمعه، وهو مذموم إذا كان بعكس ذلك.

ومما يخرج به بعض الكَتبة عن المألوف في الأساليب العربية السليمة كلمة «أما قبل» بدلاً من كلمة «أمَّا بعد» معللاً لذلك بأنه حرٌّ في أن يستخدم ما يشاء في كتابته، متسائلاً: ما الفرق بين «أما بعد» و»أما قبل» ولماذا نتمسك بها، ونصر عليها، ونحكم بالخطأ على من أتى بعكسها، وما الضرر الذي يحدث من ذلك؟

قال لي أحد القراء: رأيت صديقاً لي يكتب: «أما قبل» مكان «أما بعد» فنبهته إلى ذلك، فقال لي: لا فرق، كلاهما سواء، وإنما تعودت أنت على تلك، فاستنكرت هذه، فلم أستطع محاورته لعدم معرفتي بحقيقة الأمر، فما رأيك؟

قلت: المشكلة تكمن في نزعة المخالفة «المجردة» التي يجنح إليها بعض من حصََّل شيئاً من العلم والثقافة، فرأى نفسه فوق حجمها الطبيعي، وأكبر مما هي عليه، وظنَّ أنه جدير بأن يصطنع لنفسه ما يريد من الأفكار والأساليب، وهذه النزعة شديدة الخطورة، لأنها تقود صاحبها إلى اتخاذ المخالفة أسلوباً لا ينفكُّ عنه، فإذا وجد من يطبِّل له ويشجعه نسي نفسه، وفقد عقله، وأصبح يتخبَّط بلسانه، وقلمه تخبُّط الذي به مسٌّ من الجنّ.

ومع أنَّ هذه المسألة «أما قبل» ليست من المسائل المهمة التي تحدث بها المفاصلة والمخاصمة، إلا أن استخدامها للخروج عن المألوف «فقط» مؤشر سلبيٌّ، خاصة إذا كانت «أما بعد» مرتبطة بأسلوب عربي صحيح، وباستخدام نبويٍّ كريم، وبدلالة لغوية لا تخفى على عارفٍ بلغتنا العربية الفصحى وأساليبها الراقية.

للتجديد مجالاته التي لا تُغلق أبداً، والتطوير سمة محمودة في حياة البشر، ولكن ذلك مرهون بعدم الانفلات المطلق من مجموعة القيم التي تتفق عليها الأمم، وتتناقلها الأجيال سياقاً تاريخياً ثابتاً؛ لأن هذا الانفلات هو الذي يجني على البشر، ويحوِّلهم إلى متمردين يضرُّون بأنفسهم ومجتمعاتهم.

وإنما يحدث الخلل هنا من «جَهَلةِ المتعلمين» الذين يتلقون بعض المعلومات من هنا وهناك، وينطلقون منها إلى دروب التخبط بغير علم، وما أجمل ما قال ابن حزم - رحمه الله - في الأخلاق والسير: «لا آفة على العلوم وأهلها أضرّ من الدخلاء فيها، وهم من غير أهلها، فإنهم يجهلون، ويظنون أنهم يعلمون، ويفسدون ويظنون أنهم يصلحون».

فقوله هذا ثمين جداً يكاد يشخِّص ما تعاني منه الساحة الثقافية من هذا الصنف من «الكَتَبَة».

بين «أما بعد» و»أما قبل» فرق كبير في المعنى وفي الاستخدام اللغوي السليم، سيكون موضوع المقالة القادمة - بإذن الله تعالى-.

إشارة:

سلامٌ، وأمَّا بعد يا سرَّ لوعتي

فإنك في عيني وإنك في قلبي

 

دفق قلم
أما بعد وأما قبل
د. عبد الرحمن بن صالح العشماوي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة