Wednesday  29/12/2010 Issue 13971

الاربعاء 23 محرم 1432  العدد  13971

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

خاتمة الموضوع:

أرسل لي مواطناً رسالة عن اضطراره لمعالجة الفشل الكلوي خارج الوطن وضمنها بسؤال (محرجٍ) لماذا لا يوجد علاجٌ للكلى في بلدي؟ ولما لم أكن ألمّ بتفاصيل المرض لعدم تخصصي، عرضت الموضوع على أطباء, فأفادوا بعدم وجود جهاز لغسيل الكلى!

وعملنا على تحقيق مطلب المواطن (الذي لا بد أنه كان مطلب المئات غيره). ولولا تلك الرسالة لما خطر في بالي. لا أدري لماذا غاب الاهتمام بهذا الجانب؟ الشيخ جميل الحجيلان وزير الصحة (1390-1394هـ).

كان هذا الأمر قبل ما يقارب نصف قرن حين لم يكن معروفاً بمجتمعنا السعودي ما يسمى بقواعد المعلومات ولا استطلاعات الرأي ولا التعداد السكاني ولا قياسات الأداء ولا الجودة النوعية ولا تيارات الوعي بحقوق الإنسان وعلى رأسها حق الرعاية والعلاج الصحي, ولا حقوق المواطنة، ولا الحق في التأمين الصحي. ولا مفهوم الخدمات الصحية الثلاثية بل حين كان مفهوم الرعاية الصحية لا يتعدى الفهم الرعوي البسيط بأنه «طبابة» لأهل الحظوة و»الزقرت», ولم يتحول بعد إلى جزء من التصور الوطني لشروط بناء دولة ومجتمع يلتزم كل منهما تجاه الآخر بمنظومة من الحقوق والواجبات على قدم المساواة. فكان يقع على عاتق وزارة الصحة المستجدة نسبياً وقتها في البناء المؤسسي للجهاز الحكومي كل المهام المتعلقة بالشأن الصحي من المهام التشريعية والتنفيذية إلى مهمة الرقابة إن وجدت وقتها. هذا بالإضافة لمحدودية التمويل حينها من ميزانية الدخل العام الذي لم يكن قد شهد إلا بعد ذلك التاريخ بعام تلك القفزة المالية الكبيرة نتيجة ارتفاع أسعار البترول (عام 1975م) بعد قطعه عن الدول الغربية مؤازرة لحرب أكتوبر في المواجهة العسكرية من الصراع العربي الإسرائلي في ذلك التاريخ. أي أن تاريخ تلك الرسالة التي حدت بوزير تصادف أن له قلب شجاع وأذنان ليسمع صوت المواطن ويقر بقدرة وحق ذلك الصوت لإعادة النظر في وضع صحي ناقص قد كانت قبل مرحلة الطفرة المالية وقبل كل ماذكرناه أعلاه من التغيرات. فما الذي تغير في السياسة الصحية داخل وزارة الصحة والقطاع الصحي عموماً؟ وما مطلب الإصلاح الوطني في مجال الصحة الآن؟

مقدمة الموضوع:

المشهد الصحي السعودي

تمر تحت يدي كتباً ملفتة أتصفحها وقد تغريني بالقراءة غير أنني أقدم عليها قراءات في التخصص أو في الشعر والإبداع بشكل عام، ثم تأخذني المشاغل اليومية التي تبدأ من مطلع النهار وقد لا تنتهي إلا مع آخر قطرة في ضوء الليل، فتصبح من القراءات المؤجلة كالكثير من الأحلام التي قد لا نعود إليها. غير أن ظرفاً صحياً مرّ به أحد أفراد الأسرة (بسم الله عالجميع) قد وضعني في مهب ممرات المستشفيات الحكومية والأهلية معاً. فبرق في ذهني كتاب كنت أجلت قراءته وأن لم أنس عنوانه الملفت «المشهد الصحي السعودي» لمحات الماضي، تشخيص الحاضر، استشراف المستقبل» لكل من الدكتور محمد الخازم ود. حنان عبدالرحيم الأحمدي. وحين انكببت على قراءة الكتاب وجدت أنه أقرب إلى الدراسة الميدانية التي حاولت رصد «المشهد الصحي» عن طريق المراجعة التاريخية والصحية الإحصائية وباستخدام أداة الاستبيان لاستقراء آراء عدد من المختصين ممن لهم تجربة في مجال العمل الطبي أو الإداري بوزارة الصحة أو المستشفيات حول طبيعة الواقع الصحي القائم بالمجتمع السعودي وإشكالياته المزمنة والطارئة. مع استطلاع رؤاهم في تحديات هذا الواقع ومقترحاتهم للبدائل والحلول. والحقيقة أنني وجدت هذا الكتاب يتحلى بميزتين أساسيتين من ميزات الدراسات الميدانية الجادة وهما, المصداقية الموضوعية في تصوير الواقع دون مجاملة أو تبرير والشجاعة النقدية التي لا تتجاهل الإيجابيات لكنها تكشف مواقع الخلل وكامن القصور في المشهد الصحي السعودي.

صلب الموضوع

غير أنه بما أن الكتاب، من وجهة نظري ليس إلا, لم يقدم قراءة تحليلية للواقع الصحي بالمجتمع السعودي يستثمر التصوير الميداني الذي قدمته تلك الشهادات التي نجح بأسئلة استبيانه الشفافة في استنطاقها، وكذلك بما أن المؤلف والمؤلفة تركا فراغاً منهجياً في جهدهما البحثي النير بعدم استخلاصهما من الرصد التاريخي الإحصائي ومن الشهادات بعض التوصيات والمقترحات, فقد رأيت أن أقوم بمحاولة ذلك وإن كان باختصار مخل، على أمل أن تحمل بعضاً من رأي المجتمع وصوت المريض إلى من قد يهمه الأمر أو بالأحرى إلى من بيده الأمر.

أولاً، لقطات ميدانية من المشهد الصحي كما جاء في عدد من شهادات الكتاب:

- واقع الخدمات الصحية بالمملكة لا يتعدى المتوسط (ص 77)

- عدد الأسرة (23) سريراً لكل 1000 شخص وهو رقم متوسط بالمقارنة لدول خليجية ودول أخرى بالمنطقة.

إن رحلة المريض للحصول على الخدمات الصحية رحلة شاقة جداً وغير واضحة وتعتمد على الأشخاص أكثر من اعتمادها على النظام. (ص63)

الرعاية الصحية غير متوفرة للجميع بمستوى واحد، فالخدمات الصحية في المدن تختلف عنها في القرى، وكذلك الخدمات الطبية المقدمة في القطاعات العسكرية تختلف عن تلك المقدمة من وزارة الصحة (ص155).

النظام الصحي لدينا يمكن وصفه بأنه نظام لسد الحاجات أكثر منه نظام مبني على تخطيط إستراتيجي مدروس ومقر من السلطة العليا للدولة (ص69).

النظام لا يستجيب كما لا ينبغي للحالات الصحية الحرجة والطارئة (ص 85-86).

عدم تناسب ما يصرف على القطاع الصحي مع الخدمات المقدمة (ص155).

ضعف مستوى خدمات الرعاية الأولية وعدم ثقة المستفيد يتسبب في تكدس أعداد المرضى بالمستشفيات بحثاً عن علاج (ص 106).

النظام الصحي يعلم كسرة النفس والاستعطاء لأن الوصول لبعض المستشفيات لا يتم إلا بناء على الألقاب والمحسوبيات.

أعادتني هذه اللقطات إلى موضوع سبق أن كتبت عنه بمسمى «الأمن الصحي» وكتب عنه الزملاء مئات المرات دون أن يبدو أن هناك من يقرأ. غير أن الله مع الصابرين وهنا حزمة من التوصيات والمقترحات مما استخلصته مع بعض الإضافات عما جاء في تلك الشهادات.

وكتمهيد لهذه المقترحات والتوصيات لا بد من التذكير ببعض أهم عناصر النظام الصحي العادل ومنها وجود رؤية وإستراتيجية وتشريعات واضحة وخطط تنفيذية مجدولة زمنياً مع التقييم المستمر لنوعية الخدمات الصحية القائمة من خلال المعايير الدولية لجودة الرعاية الطبية ومن خلال استطلاعات رأي المرضى أنفسهم، ضمان الرعاية الصحية على قدم المساواة من الجودة والفرص لجميع المواطنين وأفراد المجتمع. جعل التأمين الصحي حق وفي متناول اليد وجعل تكلفة الخدمة الصحية في طاقة المواطن أيا كان دخله أو موقعه على السلم الاجتماعي. هذا بالإضافة إلى بناء الخدمات الصحية على قاعدة مربع الرؤية السياسية والرؤية الإدارية والرؤية المهنية ورؤية المجتمع. (ص 119- 123). ومن المقترحات العملية للوفاء بمطلب الإصلاح الوطني لهذا المجال الحيوي من حياة المواطن والمقيم بالمجتمع:

1 - إصلاح رؤيوي لفلسفية النظام الصحي يقوم على المرتكزات الصحية في عالم اليوم التي تنطلق من التمركز على المريض وعلى حاجة المجتمع الصحية. كما يقوم على فك ارتباط سياسة التمويل بمقدم الخدمة وربطها بالمستفيد. ومن أمثلة ذلك في الواقع المحلي بناء صندوق وطني للخدمات الصحية يمكن من خلاله شراء الرعاية الصحية للمواطن في حالة عدم توفرها في وزارة الصحة.

2 - إصلاح هيكلي لبنية الخدمات الصحية بما لا يكون دون إيجاد بنك معلومات لواقع الخدمات الصحية في جميع أنحاء المملكة. وما يتطلب مبدئياًً تفعيل دور مجلس الخدمات الصحية المقر من المقام السامي وإعطاؤه صلاحية ليكون مجلساً تشريعياً وتنفيذياً لتكامل الخدمات بين القطاعات الصحية المختلفة في كل أنحاء البلاد.

3 - إصلاح تشريعي يقوم بصياغة أنظمة قانونية تنظيمية دقيقة ومحكمة لإدارة الجهاز الصحي بما فيها جانب التمويل والصرف وذلك لجعل الإدارة وحقوق المرضى والعاملين تحتكم للنظام وليس للأشخاص.

4 - إصلاح إداري لأطر العمل الطبي والخدمات الصحية وعلى رأسها تطوير آلية المراقبة المالية والقانونية والإدارية وجودة الأداء في كل ما يتعلق بالخدمات الصحية وأجهزتها التنفيذية.

5 - إصلاح تنفيذي داخل المنشآت الصحية وإصلاح عام يكون فيه استجابة للمتغيرات الصحية والحقوقية والديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية بشكل عام.

أضيف لذلك بعض المتفرقات المقترحات الهامة مما جاء في المرجع المشار إليه:

- إعادة هيكلة الرقابة في الدولة كديوان المراقبة العامة أو الرقابة الذاتية لدى الجهات المقدمة للخدمات، تطوير نظام المراقبة على القطاع الصحي الخاص بحيث يكون النظام توجيهياً واستشارياً ورقابياً».

- توحيد وتفعيل النظام الإسعافي والطوارئ مع توسعات أقسام الطوارئ وتجهيزها وجعلها حقاً لأي حالة إسعافية في أي منشأة طبية كانت.

- التأمين التأمين التأمين تطوير نظام التأمين التعاوني وتقنينه والتوعية به.

- مع تفعيل اللوائح التنفيذية الخاصة بضمان حقوق المرضى ومقدمي الخدمات الصحية في القطاع العام وفي القطاع الخاص لئلا تستحوذ شركات التأمين الصحي على نوعية الخدمات للمؤمن عليهم.

- الإصلاح يجب أن يكون استجابة للمتغيرات الصحية والحقوقية والاجتماعية والديموغرافية والمالية وجود مصادر إضافية للتمويل بجانب الخزينة العامة للدولة.

كما لا بد أن يشمل ذلك القطاع الصحي الأهلي وإتاحته للعامة.

 

مطلب الإصلاح الوطني في مجال الصحة.. هل هناك مساحة لرأي المجتمع وصوت المريض
د. فوزية عبدالله أبو خالد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة