Thursday  30/12/2010 Issue 13972

الخميس 24 محرم 1432  العدد  13972

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

إذا خيِّل إليك أنك تتذوّق شهداً وتتمايل طرباً وأنت تقرأ أو تسمع الدُّرر من شعر فارس عبس عنترة، وتستمتع بما تستحضره الذاكرة من صور خيالية جميلة، كنت قد اختزنتها في ماضي عهدك عن طيب الذِّكر الفارس الأبي العفيف، وجواده الأصيل الوفي، فإذا بصوت ينبعث بقربك عبر مسلسل تلفزيوني من إنتاج مؤسسة إعلامية فنيه مبتدئة تبحث عن دخل كبير في وقت قصير, يعكِّر صفو مزاجك ويقلب حلاوة الشهد حنظلاً وعلقماً، في اللحظة التي تسمع فيها الممثل الذي يقوم بدور عنترة في المسلسل الهزيل وهو يؤنب شيبوب على خطأ ارتكبه، يقول: (أنا ما عنديش يَمّه ارحميني، سأجعل هذا الأمر في خبر كان)!! رجل صبغ وجهه بالسواد ونسي يديه، كثّ شعر الرأس أغبره، مشوّه الصورة رثّ الثياب، هكذا يصوّرون عملاق الفروسية والشعر والحب العذري، من أين جاؤوا بتلك الصورة المشوّهة عنه، ومن أي مصادر استقوها، هل يقبل مخرج أو مؤلف مسلسلات تاريخية، حتى وإنْ كان يقتبس من الكتب بدون جهد يذكر، أن يقال عنه ما يقال بسبب ذاك القصور والارتجال؟! لا الفارس هو الفارس ولا الجواد هو الجواد، وعبلة وشيبوب وزبيبة كانوا في مهب رياح شداد ومالك، لغة ركيكة تمتزج بلهجة إقليمية معاصرة، فكيف حضرت كان وأخواتها ذاك الزمان ؟! عنترة يتلقّى الصفعات والرّكل (على مدى أيام) لمجرّد أنه تجرّأ وركب أحد جياد سيده، في تكريس للعنصرية والعبودية المقيتة التي وُصمت بها بعض قبائل العرب، فتحاول هذه المسلسلات إحياء هذه الادعاءات، أو تضخيم ما كان قد حدث من حالات فردية لا يمكن تعميمها على كل الذوات العربية، وهم من عُرفوا بالذّود عن المجموع بلا تفرقة، ومن كان يملك مملوكاً حين شيوع تلك الشريعة كان يعدّه كابنه أو كسائر أفراد القبيلة, غير أنه لا يهينه وهو من يحميه، ولا يذلّه وهو من ينمّي ماله وحلاله، ولا يقلل من شأنه وأبناؤه يتعلّمون منه الفداء بالنفس والضرب بالسيف والقفز على ظهور الجياد، وهي تعدو في ميادين المبارزة والسباق أمام أعين رجالات وفتيان القبيلة، كما كانت له مكانته وشأنه ودوره في تأمين جوانب الحمى وحواشي المراعي ومَواطن الماء، هو ركن أساس إنْ اهتز تهتز معه ثقة القبيلة، وإنْ زاد ثباته وتقوية عزيمته، فهو الفارس مخاطب الجياد (وشكا إليَّ بعبرة وتحمحم)، وهو من لا يضرب بالسيوف لهواً وعبثاً، وإنْ ناور بها في ضوء الشمس، يثني عطفه عن أقرانه بحركة بهلوانية، مقبّلاً سيفه اللامع (كبارق ثغرك المتبسم) والوجد مع اشتعال الوطيس (ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني)، يا له من قلب رقيق وشعور لطيف يحمله هذا الصنديد

(اثني عليَّ بما علمتِ فإنني

سمح مخالقتي إذا لم أُظلم)

العنيد في ساحات القتال (أغشى الوغى وأعفُّ عند المغنم)، فكيف يجرؤ أولئك على تصويره بتلك الصورة المشوّهة ؟!

 

الأبجر يحاور عنترة
علي الخزيم

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة