Wednesday  26/01/2011/2011 Issue 13999

الاربعاء 22 صفر 1432  العدد  13999

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

متابعة

 

جدي رحمه الله

 

رجوع

 

في اليوم السادس من شهر ذي الحجة المنصرم..

وعند الساعة العاشرة مساء.. هاتفني والدي الحبيب.. بنبرة لا ككل النبرات!!

باسم: حاول أن تبحث لي عن أقرب فرصة حجز من الرياض إلى جازان.

سألته بكل خوف ووجل: عسى أن يكون الطارئ خيراً؟!

فأجاب.. جدك مريض جداً.. نقلوه للمستشفى قبل قليل.. وهو في حالة حرجة.

تسارعت نبضات القلب.. اسودت الدنيا ..

مباشرة.. تذكرت لحظة مهاتفة والدتي رعاها الله لي..

ليلة عاشوراء من العام قبل الماضي.. لتخبرني بوفاة جدي لأمي رحمه الله.. فما أشبه الليلة بالبارحة .

بدأت محاولات الاستشفاع.. لدى موظفي الخطوط الجوية.. فأوضاعها لايدرك سوءها إلا من عايش مثل هذه اللحظات.

وما إن مضت ساعتان إلا والهاتف يرن بنبرة أشد حزناً.. وأعظم وقعاً..

إنها نبرة والدي.. ينقل لي خبر وفاة جدي..

لا إله إلا الله.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.. لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى.

هنا عادت الذكريات إلى الوراء.. تخيلته -رحمه الله- وهو يقف في منتصف الطريق عائداً من المسجد.. ليلتقط بعض أنفاسه ..

لقد كان المشي ينهكه كثيراً قبل مرضه.. وآخر أيام نشاطه.

تذكرته رحمه الله..

ولايكاد أحد من أهل البيت يبدي شيئا من حاجياته.. إلا وقد انسلّ من البيت بكل هدوء..

وخرج ليحضر للمحتاج ما أراد.. ربما خرج في ساعات متأخرة من الليل.. ليحضر قطعة أثاث.. أو شيئاً من كمالياتٍ يمكن تأجيلها.. لكن همة الكبار.. والعزيمة على الخدمة والإصرار.. كانت هي ديدنه رحمه الله.

لا أنسى كيف كنا نسعد ونأنس بزيارته لنا في الرياض.. حيث نكون على موعد معه للسهر إلى أنصاف الليالي..

نتجول معه في نكتة عابرة.. ومواقف رائدة..

يا لله.. كم هي جميلة تلك الأيام..

رحمك الله رحمة الأبرار..

فقد أمضيت سبع سنوات من عمرك وأنت طريح الفراش..

تصاب بجلطة تلو جلطة.. حتى إذا أذن الله بقرب الرحيل.. وإذا بالكبد يُصاب.. لتموت مبطوناً.. عساك تنزل نُزل الشهداء.

رحمك الله فقد أغمضت عينيك للأبد وانتقلت إلى الدار الآخرة ونسأل الله أن يغفر لك ويرحمك برحمته التي وسعت كل شيء وأن يجعل قبرك روضةً من رياض الجنة وأن يسكنه جنات الفردوس الأعلى..

رحلت يا جدي وما تركت سوى دموع تبكي على ذكراك..

رحلَت روحك عن أهلك وبيتك, تركتنا مع عيون وقلوب ترثيك بوداع لا رجعة فيه إلا في جنة الخلد بإذن الله.

رحمك الله.. ومنّ بالصبر على أهلك وناسك وأحبابك..

أحببناك وأحبك مكانك وبيتك وشارعك ومتجرك.

أعطيت للبيت بعد الله نوراً ووجوداً وحياة وابتسامة, واليوم وقد رحلت, ورحل النور والسرور..

ونرى اليوم فراشك يبكيك, بل نرى البيت, زوايا البيت جميعا ترثيك وتبكيك..

تبكي لمكانتك التي تحيط بالمكان.

تبكي أبناءك وبناتك وأحفادك الذين اجتمعوا بعيون دامعة وقلوب مكسورة حول جدتي الغالية التي شد الحزن والوحدة عليها, باحثين عنك جميعا

داعين لك بالمغفرة والرحمة والسعادة الحقيقية والأبدية في الآخرة..

ومع أنني لست بشاعر..

إلا أنه لمثلك تفيض المشاعر.. فأقول لك في مقطوعة شعرية:

فارقتنا جسداً وروحُك لم تزل

طَوَّافةً وظلالُ عطفِك ما رحل

رحل الكريمُ وفي يديه بقيةٌ

من جودِهِ وأثارةٌ مما بذلْ

عيدٌ به عشرٌ تبشرنا وما

ندري بأنك قبلَه تقضي الأجل

فرحلت ليلة جمعةٍ حِجّيةِ

ودّعتَ في الثلثِ الأخيرِ على عجلْ

وأتى علينا العيد.. يا عيدُ انقضِ

ما أنتَ عيدٌ.. لا عطورَ ولاحُلَلْ

لكنها بشرى رحيلٍ طيبٍ

واللهُ أكرم بالكريمِ إذا وصلْ

يا أيها القلبُ المليء سماحةً

يا وجهَ خيرٍ لا يُخافُ ولا يُمل

قبل الكبيرِ بكى الصغيرُ وكيف لا؟

يا من تربعّ كل قلبٍ واستحل

يا طيباً والذكريات تعيدنا

قُلنا وقال.. أتى.. مضى.. أعطى فعَل

في كل عام كنت تقضي حجةً

حُسن الختام وقبلَه حُسنُ العمل

ستظل ذكرى في القلوبِ سطورُها

كنتَ العزيزَ على القلوبِ ولم تزلْ

لك في سجل البذل أطيبَ سيرةٍ

ما ردَّ كفُّكَ كفَّ مُحتاجٍ سأَلْ

ما كنت تعبس في الوجوهِ ولا تُرى

فظاَ ولا مُستكبراً مهما حصل

عانيت.. كافحتَ الحياةَ مُكابداً

قد كُنت (سيناريو) حياتك والبطل

وبقيتَ فينا الظلَّ والدفءَ الذي

بسَطَ الحنانَ ومدَّ ظلاً يُستظَلّ

ورحلت مبطوناً لعلك ترتقي

نُزُلَ الشهيدِ عساك تنزلُ إذْ نزَلْ

رغم الثمانين التي بُلِّغْتَها

ما كُنت يوماً عالةً.. ما كُنتَ كلّ

لك أيها الجد الكريمُ وفاءنا

ولِجدِّنا (الأعجمْ) دُعاءٌ متَّصِل

في ليلِ عاشوراء غادرنا، فكُنْ

نِعْمَ الرفيقُ وأنتما نعْمَ الرجُلْ

يا رب في جناتك اجمعنا بمن

رحلُوا وثبِّتْ في الحياةِ منِ ارْتَحَلْ

رحم الله جدي (الأعجم) ورحم الله جدي (علي) ورحم أمة المسلمين أجمعين.. آمين

باسم بن محمد السبعي - الرياض

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة