Friday  18/03/2011/2011 Issue 14050

الجمعة 13 ربيع الثاني 1432  العدد  14050

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

أفاق اسلامية

 

متخصصان شرعيان يحددان لـ(الجزيرة):
منهجية الإسلام في التعامل مع الأحوال المتقلبة والأزمات

رجوع

 

الرياض - خاص بـ(الجزيرة»

من سنن الله في هذا الكون تغير الأحوال والظروف التي يعيشها الإنسان بين فترة وأخرى، وكما يقال : (دوام الحال من المحال).. والإنسان في مسيرة حياته تنتابه فترات يسعد فيها، وأخرى يحزن فيها.. والشارع الحكيم في تناوله لأحوال الإنسان سواء في القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة يدعوه إلى الصبر والاحتساب في حالة البلاء، والشكر والثناء في حاله النعم.. قال تعالى :{وأما بنعمة ربك فحدث}، وقال -عز وجل-: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (عجباً لأمر المسلم إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سرّاء شكر؛ فكان خيراً له، وإن أصابته ضرّاء صبر؛ فكان خيراً له)، تبعاً لذلك وضع الإسلام منهجية للمسلم في كيفية التعامل مع هذه الأحوال المتقلبة، وضغوط الحياة المختلفة.. حول تلك المضامين السابقة تحدث اثنان من المختصين في العلوم الشرعية.

الشكر والدعاء

يقول د. مانع بن محمد المانع عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: إن الحياة الدنيا حلو ومرَ صحة ومرض غنى وفقر شباب وهرم فراغ وشغل وهي ممر للآخرة وهي متاع وهي دار تزود لما بعدها هكذا خلقها الله تعالى والأنبياء وهم صفوة الخلق -عليهم الصلاة والسلام- مروا بهذه الحياة بكل ما فيها من آلام وآمال وحلو ومر وحياتهم كانت جهاداً وكفاحاً وابتلاء وهو أشد الناس بلاءً وإذا قرأ المسلم القرآن الكريم رأى ما فيه من الحوادث وتقلب الأحوال وقد رسم القرآن الكريم والسنة المطهرة منهجية إذا التزم المسلم بها واجه أعباء الحياة بصدر رحب وعرف حقيقة الدنيا.

أولاً: أمر القرآن الكريم بالصبر في تسعين موضعاً في كتاب الله عز وجل لمواجهة أعباء الحياة وظروفها وآلامها وحلوها ومرها وما فيها من تقلبات.

ثانياً: بين القرآن الكريم والسنة المطهرة أن الحياة دار ابتلاء وامتحان وأن الابتلاء سنة إلهية ماضية فيجب على المسلم أن يعيي ويدرك حقيقة هذه السنة الإلهية.

ثالثاً: أمر المسلم بأن لا يفرح ويبطر بل يشكر ويصبر في السراء يشكر وفي الضراء يصبر وأن السعادة الحقيقية للمسلم أن يكون إذا أعطي شكر وإذا ابتلي صبر وإذا أذنب استغفر، وأشار إلى قصة قارون وكيف فرح وبطر فكانت عاقبته وخيمة.

رابعاً: أشار القرآن الكريم وكذلك السنة المطهرة إلى حقيقة الدنيا وأنها لهو ولعب وزينة وتفاخر وتكاثر في الأموال والأولاد، وأنها حقيرة لا تساوي عند الله جناح بعوضة ومع ذلك فهي متقلبة بأهلها مليئة بالفتن والظروف والهموم لهذا على المسلم أن يعرف حقيقتها وحقارتها فيأخذ العبرة والعظة والاستعداد لها.

خامساً: السعيد من وعظ بغيره والله سبحانه يبتلي عباده وعلى المسلم أن ينظر إلى من هو أسفل منه ولا ينظر إلى من فوقه ليدرك ما هو فيه من النعم ويشكر الله عز وجل.

سادساً: على المسلم أن يشغل نفسه بالطاعة والعبادة وطلب العلم والتزود من هذه الدنيا بالعمل الصالح {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} والسنة النبوية رغبت في العمل وشغل الوقت بما ينفع (احرص على ما ينفعك) ولا تستسلم للبطالة والتفكير والملل.

سابعاً: جاءت النصوص الشرعية لبيان أن زينة الحياة وجمال الحياة وغاية الحياة العمل الصالح وكسب الحسنات مع ما في الحياة من تقلبات.

ثامناً: لا راحة للمؤمن من العناء والهم والجهد إلا في الجنة ورغبت النصوص في ذلك ليستقر المسلم في دار الكرامة والراحة واللذة الأبدية والسعادة السرمدية جعلنا الله من السعداء هكذا جاءت الشريعة الإسلامية لمواجهة تقلبات الأحوال والظروف الدنيوية.

الإيجابية حتى في مواجهة الأزمات

ويبين الشيخ محمد بن عبدالعزيز المطرودي عضو الدعوة والإرشاد بنجران وخطيب جامع البخاري وعضو اللجنة الاستشارية لمؤسسة الراجحي الخيرية: جعلَ اللهُ الشَّريعة الإسلامية بيِّناتٍ من الهُدى والفرقان؛ كما قالَ تعالى {وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ}، وقال: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} والبيانُ هو: إظهارُ المقصُود بأبلغِ لفظٍ، وأوجزِ عبارةٍ، يَعرفُ ذلك عامَّة النَّاس وخاصَّتهم، وقدْ جَعلَ اللهُ تعالى هذهِ الشَّريعة مُحققة لمصَالحِ البشريَّة الفرديَّة والجماعيَّة؛ كَما قالَ تعالى {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}.

وعِندَمَا تَكُوْنُ حَياةُ الفَردِ منَّا أَوْ المُجتمعاتِ مُتوافِقةً مع الفطرةِ التي فَطرَ الله الخَلْقَ عليهَا؛ فممَّا لا شَكَّ فيهِ أننَّا سنحظى بقدرٍ كَبيرٍ مِنْ الهدُوءِ النَّفسيِّ وَالعَاطِفيِّ وَالاجتماعيِّ وَغيرِ ذلكَ مما نُريدُ ونحبُّ، وَاليوم أصبحَ الهدوءُ والانسجامُ لدى بعضنا أَبعدَ من الثُريا، فَليسَ الهدوءُ عند بعضنا إلا أماني؛ وأصبحتْ الأزمةُ أو التَّأزُّمُ يُسيطرُ على مَقاطِعَ ومفاصلَ كثيرةٍ من حياتِنا فلا نتمتع بلحظاتِ هُدوءٍ حتى تتعكرَ مشاعِرنا: مِنَ الماضي والحاضرِ والمستقبل!!، وندخل دوامةً من المشاعرِ المتناقضةِ التي تعصِفُ ببراءةِ قلوبِنا وتجعلها كيتيمٍ على قَارعةِ طَريقٍ !!.

إنَّنَا نَرى أشخاصاً تعلُو مظاهِرَهم البَهْجةُ من حُسنِ اللباس، والرَّائحةِ الزَّكيَّة، وَلكنَّ وجوهَهُم تعلوهَا قَتَرةُ حُزْنٍ، ويلُفُّها هُدوءٌ مُزيَّفٌ؛ فهذهِ مظهريةٌ جوفاءُ سُرعانَ ما تنفجرُ.

وإنَّ الكَبَدَ والتَّعب جُزءٌ من بشريةِ النَّاس كَمَا قَالً تعالى {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} والمرءُ في سيرهِ إلى الله مُتقلِّبٌ بين حاليْن؛ حال رخاء وحال شدة، ولا نجاةَ للعبد إلا بتوافر الأسبابِ العلميَّة والنفسيَّة التي تجعل منه مؤمناً راضياً بما يقدِّره الله عليه، ولذا نجدُ في كتابِ الله تعالى ما يوضِّح هذه القضيَّة؛ خاصَّةً في قصصِ الأنبياء والرُّسل -عليهِم الصَّلاة والسَّلام-، قال تعالى {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} وإنما فُضِّلَ المؤمنُ على غيرهِ بصبرهِ وشكرهِ، ولذا كانَ من أركانِ الإيمانِ أن نؤمنَ بالقدرِ خيرهِ وشرِّهِ، وأن نعلمَ أنَّ ما أصَابنا لم يكنْ ليُخطِئنا، وما أخطَئنا لم يكنْ ليُصِيبنا، والأحاديثُ والآثارُ والمعاني في هذا الباب كثيرة.

إنَّ كُلاً من البشرِ يكدحُ، وينصبُ، ويتعبُ، ومن أوَّل لحظةٍ يعرفُ فيهَا الإنسانُ الدُّنيا يبدأ الكدحُ والنَّصبُ، فالبحثُ عن الرزقِ والمالِ والكساءِ، والجاهِ والمنصبِ، والنَّصبُ في طلبِ العلمِ، ونشرِ السُّنة والدَّعوةِ، وإنَّ الذي يتعبُ في الأمرِ الجليلِ، ليس كمَن يتعبُ لأمرٍ حقير، فإنَّ المآلات تكشف عن سعادةِ السُّعداء، وشقاوةِ الأشقياء، وإنَّ العقيدة الصَّحيحة، الخاليَة من لوْثةِ البدعة، ودَنَسِ الشِّرك؛ من شأنهَا أن تثبِّتَ المؤمِن، وتجعلَ نفسهُ طيَّبةً، زكيَّةً، راضيةً، لا يزيدهَا الخيرُ إلا قرباً من الله، ولا تمنحهَا البَلايا إلا رضىً بقدرِ الله، روى الإمامُ أحمدَ في مسندهِ، ومسلمٌ في صحيحهِ عن صُهيب، قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (عجبًا لأمرِ المؤمنِ إن أمره ُكلُّه خير وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابتهُ سرّاء شكَر فكانَ خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاء صبرَ فكانَ خيرًا له).

ومن مُعطياتِ الاعتقادِ الصَّحيح أنه يمنحُ النفسَ تفاؤلاً يعصِفُ باليأسِ والقنوطِ، ويملأ النفسَ سروراً، جاءَ في المسند أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (إن قامتْ السَّاعة وبيد أحدكُم فَسِيلةٌ فإن استطاعَ ألا يقوم حتى يغرسها، فليفعل ) ولا شكَّ أن منزلةَ الصَّبر والشُّكر من الأصولِ التي حَوَتْ أصُولاً من معَاني الإيمانِ ومنازلهِ، ومنهَا التَّوكُّل على الله، قال الله تعالى {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} ومن لازمَ الصَّبر والشُّكر المحافظة على الأوامر، والبُعد عن المحرماتِ، قال الله تعالى {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} كمَا أنَّ قراءة كِتابَ اللهِ والتدبُّر لآياتهِ يُورث قلبَ المؤمنِ والمؤمنةِ زكاءً وصَلاحاً، ومطالعة سيرة النبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام لها أثر ٌكبيرٌ في تبصيرِ العبدِ بما ينبغي عليه فعلهُ حالَ الرَّخاء والشِّدة وقد قالَ عمر رضي الله عنه: (لو كانَ الصَّبر والشُّكر بعيرين ما باليْتُ أيّهما ركبت)

والهدوءُ الذي نُريد يُرادفُ السَّكينة، والسَّكينةُ لفظٌ قرآنيٌّ بلاغيٌّ يحمِلُ في تضاعيفهِ معانٍ شفافةٍ ورقيقةٍ جُمِعَ شتاتها في كلمةِ السَّكينةِ التي تعني السُّكونَ والرَّاحَة بل والتَّرف النفسيّ! وَكُلنا يُحْفَظُ حِديثَ ابنِ عِباسٍ: (أحفظ اللهَ يحفظك، تَّعرفْ عَلى الله في الرَّخاء يَعْرفكَ في الشِّدة)، وَاللهُ تَعالى يَقُولُ عَن يُونس عليه السلام: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ {لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}.

كَما أنَّ النَّظر إلى الأمورِ بإيجابيَّةٍ وحُسْنِ ظنٍّ خاصَّة في المواقفِ الصَّعبة ومحاولةُ تطويعها حتى يكونَ فيها قبسٌ من ضَوءٍ، ونسلَمَ من غوائلها، من بَابِ قولِ الله تعالى {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} وبعدها: لن تُزعزعَ حياتنا أيُّ قضيةٍ، وتعودَ الحياةُ أجملَ مما كَانتْ، بل أحلا من الشَّهد في أفواهنا.

ولو تأمَّلنا في واقعِ حياةِ الأنبياءِ في أُسَرِهِم لوجدْنا أنَّ تلكَ القِيَم مُشتركةٌ بينهم فبيتُ نوحٍ ولوطٍ كان هادئاً مع أنَّ زوجتيهما خَانتاهما بأنْ كانتا عَلى غَيرِ دينهما، وتنقلانِ أخبارهَما إلى قومهما، وفي خبرِ مَريمَ مَا يُسلي ويَذْهَبُ بهمومِ مَنْ أُصِيبَ بمُصيبةٍ تَجعلُ النَّاس يقفونَ منهُ موقِفَ الرَّيبةِ، ويصور القُرآنُ ذلكَ الألمَ الذي جَثم عَلى قَلْبِها {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا} فتأمَّلوا ذلك!!.

إنَّ الأحزانَ التي تمرُّ بنا إنَّما هي جُزءٌ من حياتِنا البشريَّةِ؛ لكن ينبغي ألا تُفقدَنا الأحزانُ هدوءنا، ونفقدَ الأمَل، ونقِفَ عندَ تلك النُّقطة !! ونجعلَ حياتنا كورقةٍ تذروها الرِّياح، وإنَّ المرءَ الذي أحاطَ نفسهُ بأسْوارِ اليأسِ والقُنوطِ لا يُمكنهُ أنْ يحظى بلحظاتِ هدوءٍ داخلَ بيتهِ الصَّغيرِ ومع زوجهِ وصِغَارِهِ.

سَوْفَ يَصْفُو لكَ الزَّمانْ

وَتَأتيكَ ظُعونُ الأحبةِ الغِيابْ

وَليالي الأحْزانِ تَرْحَلْ

فَالأَحْزَانُ مِثْلُ المسَّافِرِ الجَّوابْ

فلا بد للمُكلَّفين من معرفةِ هَذه العقيدة الطَّيبة، وما يتِّصل بهَا من قواعدَ شرعيَّة وتربويَّة لا سيَّما في هَذا الزمن الذي انتشرَ فيه التَّشتُّت العقَدي، والاضْطِراب الفِكْري، وكثُرتْ العقائدُ الفاسِدة، والنَّظريَّاتُ البَاطِلة، والثَّقافاتُ البشريَّة المختلفةُ والقاصِرة، فأثرتْ هذه الثَّقافاتُ في مجتمَعاتِها، ولما انفلتَ زمَامُ الدَّين توجَّهوا إلى الإباحيَّة، والفوضَى الأخلاقيَّة؛ فأهلكُوا أنفسهُم، ودمَّروا الشَّعوبَ والأجيَال من ورائهِم؛ فانتشرتْ الجريمةُ حتى جعلُوا لها نظاماً في قوانينهِم البائِسَة، وأصبحتْ الجرائمُ تُحصَى بالثَّواني بعد أن كانتْ تُحصَى بالعُقودِ والسِّنين، فظهرَ عجزُ التَّشريعاتِ البشريَّة، والأنظمةِ الأرضيَّة عن ردِّ الإنسانِ عن الشُّبهَات والشَّهوات، ألا سَاء ما يحكمون.

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة