Thursday  14/07/2011/2011 Issue 14168

الخميس 13 شعبان 1432  العدد  14168

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

تقاطع

 

الجزيرة تفتح ملف الليبرالية السعودية (2-2) وتبحث عن حقيقة وجودها في المجتمع السعودي ومدى تأثيرها تنموياً

رجوع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

حوار وإعداد - محمد بن عيسى الكنعان

في الحوار السابق حول (الليبرالية السعودية) على هذه الصفحة تطرق الضيفان الدكتور خالد الدخيل والدكتور محمد الهرفي إلى جملة مسائل وقضايا يمكن أن تُسهم في تحديد واقع الليبرالية في مجتمعنا، من خلال استعراض مؤشراتها التنموية ومظاهرها الحياتية؛ حيث تحاورا حول مفهوم وطبيعة الليبرالية ابتداءً، ومتطلباتها في أي مجتمع، وكيفية تحقيق ذلك، والمظاهر التي تعكس الواقع الليبرالي وصولاً إلى حقيقة وجود الليبرالية السعودية وعلاقة ذلك بالإعلام. وإكمالاً لذلك الحوار الثري يتناول الضيفان مسائل أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها، خاصة مسألة (المرجعية الحضارية) لأي مجتمع، وعلاقة ذلك بمرجعية المجتمع السعودي المرتبطة بالشريعة الإسلامية، وموقف الليبرالية من المؤسسة الدينية من جهة، ومن جهةٍ أخرى مجالات التأثير الليبرالي خلال التحولات التي يعيشها المجتمع السعودي، بما في ذلك الصحوة الإسلامية، وأخيراً موقف الضيفين من المحاضرة التي ألقاها الدكتور عبد الله الغذامي عن الليبرالية السعودية وأشعلت الجدل الفكري بين كُتّاب الرأي.

بين الليبرالية والصحوة

إذا كان الدكتور الهرفي في تعليقه السابق يشير إلى أن الليبراليين ليس لهم وجود حقيقي، إنما سيطرة مضخمة، فهل هذا يعني أن الليبرالية في السعودية لا تعدو كونها ردة فعل على الصحوة الإسلامية وتحديداً طيف السلفية السعودية من تلك الصحوة؟ محمد الهرفي يستبعد هذه الفرضية؛ لأنه يرى أن مشكلة الليبرالية مع الإسلام وليست مع الصحوة، ويقول في ذلك: «أستبعد هذه الفرضية؛ فالفكر الليبرالي سبق ما يسمى بالصحوة كثيراً؛ فهو فكر غربي بامتياز، لا علاقة له بالإسلام، فضلاً عن أن يكون له علاقة بما يسمى الصحوة». غير أنه ينبه إلى مسألة أخرى فيضيف: «ولكنَّ هناك شيئاً آخر لا بد من الإشارة إليه، هو أن التيار الإسلامي أياً كان تسميته (سلفي، صحوة.. إلى آخره) يغيظ كل من لا يحب الالتزام بالإسلام؛ فهو يعمل على مقاومته بكل الرسائل؛ لكي يحقق الحرية التي يريدها لنفسه، بغض النظر إذا كان ملتزماً بالليبرالية أو بعيداً عنها.. فهذه ردة فعل على ما يرونه قيوداً على أهوائهم بغض النظر عمن يفعل ذلك؛ لأنهم - أحياناً - يقاومون فكر الدولة وهي ليست صحوية ولا سلفية».

الدكتور الدخيل أيضاً يستبعد هذه الفرضية، ولكن برأي مختلف تماماً عن رأي الهرفي، فيقول موضحاً: «بدايةً الصحوة انطلقت في أواخر الثمانينيات أو منتصف الثمانينيات من القرن الميلادي الماضي، وإذا أردنا الحقيقة يجب أن نسأل من الذي قام بتأسيس الدولة؟ من الذي أنشأ هذه المؤسسات؟ هو التيار الحداثي الليبرالي؟». ثم يؤكد أن الصحوة هي ردة الفعل على الليبرالية التي تمثل الحداثة، فيضيف: «لهذا أقول العكس هو الذي حدث، فالتيار الصحوي جاء ردة فعل على ذلك، وسبق أن كتبت عن هذا. فعندما نشأت الدولة السعودية الأولى في القرن الثامن عشر، والدولة السعودية الثانية في القرن التاسع عشر، وبداية الدولة السعودية الثالثة في بداية القرن العشرين كان المثقف الوحيد للدولة هو رجل الدين، بل الدولتان السعوديتين الأولى والثانية لم يكن فيهما مثقف في المجتمع أصلاً إلا رجل الدين.. وهو المطوع بالتعبير الدارج.. وهو الصيغة الوحيدة للمثقف، والبقية أميون»، ثم يتساءل الدخيل: «في ضوء ذلك يأتي السؤال: متى بدأت الصحوة؟ بدأت عندما أخذ التغير الاجتماعي في نهاية الخمسينيات يتسع.. أو ما يسمى التحديث. من أبرز مظاهر ذلك بداية التعليم المدني في مقابل التعليم الديني، ونمو المؤسسة البيروقراطية للدولة. عندها بدأت صيغ جديدة مختلفة للمثقف في البروز. ثم بدأ يظهر كتّاب ومثقفون ومتعلمون ليس على غرار ما كان عليه الأمر مع المؤسسة الدينية؛ وبالتالي بدأ أصحاب الخطاب الديني يشعرون بنوع من المنافسة مع القادم الجديد. وقد وصل الاستياء ذروته في ثمانينيات القرن الماضي».

الليبرالية ومرجعية المجتمع

هذا التباين في دور الصحوة والليبرالية داخل المجتمع ألا يدل على أن الصراع الفكري الدائر بين التيارات في المجتمع السعودي يعود لتعارض المرجعيتين (الدينية) و(الوضعية) لكل تيار؛ ما ينفي وجود ليبرالية بحكم ثقافة المجتمع الدينية وطابع الدولة الديني؟ حتى في الشريعة هناك شيء وضعي - هكذا يقول الدخيل -، مضيفاً: «من الممكن أن تضع نظاماً أو حكماً أو فتوى غير مستمدة مباشرة من القرآن أو الحديث. تستخدم آلية القياس الفقهية وتستخرج على أساسها رأياً فقهياً إسلامياً. في المحصلة النهائية هذا رأيك أنت، وهو رأي وضعي. فمثلاً الشأن السياسي كله وضعي. لا توجد تعليمات دينية واضحة عن هذا الشأن، لا في الحديث ولا في القرآن، كيف يكون النظام السياسي وضعياً ثم تحاكمني لأني أتبنى رأياً وضعياً؟! هذه قسمة ضيزى، وموقف متناقض. أين المرجعية في هذه الحال؟ المرجعية يجب أن تكون العقل، والمصلحة، والدستور». كما يوضح بشأن مسألة القيم باعتبارها من المسائل الفاصلة بين المرجعيات، فيقول الدخيل: «إذا كانت العلاقة مع الغرب مرتبطة بالقيم فهذا صحيح. لكن يجب أن يكون هناك فرز وتمييز. كل القيم التي تخص الغرب حصر في تاريخه وثقافته، هي ذلك. لكن هناك قيماً إنسانية مشتركة. نحن نستورد المنتجات كلها تقريباً من الغرب. كيف تفصل المنتجات عن القيم؟ كل ما تم استيراده من الغرب تطلب أنظمة معينة وقوانين معينة، استوردنا سيارات فصيغت أنظمة، وضعت مستشفيات فصيغت أنظمة، استوردنا نظم التعليم فصيغت أنظمة. إذن المستوردات تأتي معها بقيم. التغيرات الاجتماعية أتت بقيم اجتماعية مختلفة. بسبب هذه التغيرات بدأت الأُسَر تتفكك، في السابق كان الشاب يقيم مع أهله في المنزل بعد الزواج، اليوم صارت المسألة معيبة. انتشرت في المجتمع السعودي الأسر الصغيرة بدلاً من الأسر الكبيرة. هل الغرب مسؤول عن ذلك أم أنها طبيعة صيرورة المجتمعات؟ كيف يأتي من يريد التعامل مع الزمن بشكل آلي: أنت تأخذ الأشياء المادية كالمنتجات والآخر يأخذ القيم، لماذا هذا الفصل؟ هل نحن في جزر معزولة عن بعضها أم في مجتمع واحد».

على النقيض تماماً يؤيد الهرفي الرأي القائل بوجود صراع فكري بسبب اختلاف المرجعيات، فيقول: «أتفق معك في ذلك؛ فالتيار الإسلامي مرجعيته من القرآن والسنة، أما التيار الليبرالي فمرجعيته غربية بحتة لا تؤمن بالأديان كلها؛ لأن في الأديان قيوداً وإن اختلف بعضها عن البعض الآخر، لكنها في نهاية المطاف قيود يرفضها الفكر الليبرالي. وهذا هو السبب الصحيح لذلك الصراع الذي نشهده في بلادنا بين بعض التيارات الفكرية، ولو كانت مرجعيتهم واحدة لما اختلفوا مطلقاً. السعودية دولة مسلمة بحكم دستورها، والمواطنون كلهم مسلمون، ومن هنا يصعب تطبيق مبدأ يختلف مع أبجديات الإسلام، إلا ما كان منه مطابقاً لتعاليم الإسلام».

تعارض الإسلام والليبرالية

هذا يقودنا إلى سؤال محدد: هل تتعارض الليبرالية مع الإسلام، وتحديداً في مسألة المرجعية، وإن كانا يتفقان في الدعوة للقيم الإنسانية؟ يجيب الدكتور الدخيل: «رغم الغموض والالتباس في السؤال إلا أنني أتساءل حوله كثيراً. مثلاً في بريطانياً التي ظهرت فيها الليبرالية لا بد أن يكون الملك الذي هو رأس الدولة رأس الكنيسة أيضاً. هذا في الدستور، وهو مطالب بأن يحافظ على البروتستنتية، والملكة حالياً هي رئيسة الكنيسة. وبالنسبة للمجتمع السعودي فعندما نتحدث عن هذا المجتمع بمنطق ديني فهذا يعني قراءة معينة للنص للقرآن والسنة، وفَهْم معين للشريعة، وهذا مشروع لنا، ولكن لا يجوز أن نجعل من هذا الفهم قراءة وحيدة وأبدية ودائمة وقاطعة، لا يجوز الاختلاف معها؛ لذا فالليبرالية - وهنا أستخدم كلمة الليبرالية لعدم وجود مصطلح أفضل، ولأنها هي إلى الآن تعبر عن الفكرة - لا بد أن تطبق داخل إطار الهوية العربية الإسلامية للمجتمع السعودي، هذه ثوابت.. هويتك العربية الإسلامية ثابت. أما مقولة مرجعية دينية فهي ملتبسة؛ لأن مقولة مرجعية إسلامية تختلف عنها. المرجعية الدينية مرتبطة بتفسير معين للنص، تفسير يحدد ويغلق هذه المرجعية من قبل المؤسسة الدينية. ولذلك ليس من الضرورة أن أتفق مع كل ما تقوله المؤسسة الدينية. لكن عندما تقول مرجعية إسلامية فلا توجد مشكلة مع هذه المرجعية؛ لأنه ليس هناك مشكلة مع الكتاب والسنة؛ لأنك بهذه الحالة تعطيني حرية حركة، ومساحة أرحب للتفكير. كما أشرت الحرية لا تتعارض مع الإسلام؛ وبالتالي الليبرالية بين قوسين أو مزدوجين لا تتعارض مع الإسلام؛ لأن المطالبة بحقوق الناس وحرياتهم في إطار القانون وفي إطار الدولة لا يتعارض مع الإسلام؟ لهذا فمرجعيتي هنا في السعودية واضحة هي النظام الأساسي للحكم، ومرجعية هذا النظام هي الكتاب والسنة.. وهذا أيضاً لا يتعارض مع الليبرالية. القوانين والعقلانية التي تتأسس عليها لا تتعارض مع الكتاب والسنة أو المرجعية الإسلامية، المرجعية الإسلامية مساحة واسعة تستوعب كل الآراء والاختلافات، فقد تجد فيها صالح الفوزان، وقد تجد فيها مفتي مصر علي جمعة، أو القرضاوي. ومن الماضي ابن تيمية وابن رشد، مثلاً. هنا لا ترتبط برأي واحد، أو تفسير أوحد؛ لذلك عندما أقول مرجعية إسلامية وليست دينية؛ لأن المرجعية الدينية تعطي لنفسها قدسية، وتعتبر رأيها هو الرأي الوحيد والنهائي، ولا يجوز الخروج عليه،هو ما يتعارض مع روح الإسلام، ومع نص القرآن، وليس الليبرالية فقط. هذه الممارسة باسم الدين تتعارض مع الليبرالية بالتأكيد، لكن الإسلام أيضاً لا يقبل بذلك. وبما أن القرآن ترك الشأن السياسي مفتوحاً، فهذا يعني بالضرورة أن مجال حرية الاختيار مفتوحة، أو الحرية السياسية في إطار الثوابت. والشأن السياسي هو الإطار الضروري للتشريع أصلاً؛ لأنه لا تشريع من دون إطار سياسي أو من دون سلطة. ولا تستقيم الحرية السياسية من دون حرية في التشريع، وذلك حسب البيئة، والمصلحة، والعرف، والسوابق التاريخية. وكل ذلك يبقى ضمن الثوابت طبعاً».

غير أن الدكتور محمد الهرفي يؤكد تعارض الليبرالية مع الإسلام، فيقول بوضوح: «أعتقد أن الليبرالية تختلف تماماً في أصولها ومرجعيتها عما جاء في الإسلام؛ لأن الليبرالية غربية المرجع والأصول، ولكن هذا الاختلاف لا يمنع من القول إن هناك اتفاقاً بين الإسلام والليبرالية في بعض القضايا المهمة. ولأن الإسلام أمر أتباعه بالاستفادة من كل دين أو مذهب فيما لا يختلف مع ثوابته فإن من مصلحة المسلمين الاستفادة مما جاءت به الليبرالية من محاسن، مع أن الإسلام جاء بها، وأهمها الدعوة للحريات العامة وحقوق الإنسان والمساواة بين الناس ومحاربة الفساد.. وكنت أتمنى أن ننسب هذه القضايا للإسلام؛ لأنه سبق الليبرالية بالدعوة لها، ولأننا مسلمون».

مجالات التأثير الليبرالي

ولكن على افتراض وجود ليبرالية في السعودية ما المجالات التي أثرت فيها وفق المنطق الليبرالي الحقيقي؟ يجيب الدخيل: «أبرز هذه المجالات الاقتصاد، والبنية البيروقراطية للدولة، والتعليم، والثقافة، والفن. حتى التيار الديني تأثر بالفكر الليبرالي، وأصبح هناك ما يُعرف بالإسلامي المنفتح أو الإصلاحي. صارت الحرية والديمقراطية والانتخابات من المصطلحات المتداولة والمقبولة حتى داخل هذا الخطاب. ظهرت أعداد كبيرة من النساء اللاتي احترفن الكتابة كمهنة، وهو من أبرز المؤشرات على وجود تغير ثقافي في الاتجاه الليبرالي. صارت المرأة تتهيأ لمزاحمة الرجل. كم عدد اللاتي لديهن زوايا في الصحف السعودية؟ بخلاف الصحفيات. على الأقل ما بين (50 %) إلى (60 %) من الكاتبات يتناولن حقهن في حرية الفكر. الكتابة في الشأن الليبرالي انتشرت، ظهرت كتابات كثيرة، بخلاف الكتابة عن هامش الحرية، وحق الحرية هذه وغيرها مؤشرات لها دلالتها. مرة أخرى، الاقتصاد لدينا قائم على الفكرة الليبرالية؛ لأنه قائم على حرية السوق من حيث المبدأ. هناك شوائب، مثل فكرة الكفيل التي لا تتفق مع الرأسمالية. لكن تبقى حرية رأس المال مَعْلماً واضحاً. أيضاً التعليم يتجه للأخذ بالفلسفة الليبرالية، فالتركيز على فكرة العلم والمعرفة والعقل وحرية التفكير واختلاف المناهج لا يخرج كثيراً عن هذه الفلسفة. العلم وسلطة العقل من أهم مرتكزات الليبرالية. في الماضي كانت الحقوق تستند إلى التقليد والموروث.. أنت أرستقراطي تأخذ حقوقك لأنك كذلك، قد تستحقها أو لا تستحقها، لكن تأخذها بالوراثة. المؤسسة الدينية كانت هي المصدر الأساسي للمعرفة. وكان شيء من ذلك موجوداً لدينا أيضاً. الآن تغيرت الأمور، وتغيرت الفرضيات، بتغير المجتمع».

ما ذكره الدكتور الدخيل من مجالات لا يعتبره الدكتور الهرفي شأناً ليبرالياً خاصاً، إنما يحيل التأثير الليبرالي إلى بعض المفاهيم الجديدة التي لم تكن معروفة سابقاً، فيقول: «ليس هناك شيء ذو قيمة عملية استطاع الليبراليون فعله بحسب المنطق الصحيح لفكرهم للأسباب التي أشرت إليها سابقاً، لكن للإنصاف استطاع بعضهم إقناع بعض الشباب بهذا الفكر كما هو، كما استطاعوا نشر بعض المفاهيم التي لم تكن قبل مثل: حقوق الإنسان، منظمات المجتمع المدني، العدالة والمساواة.. وهذا يحسب لهم».

تحولات المجتمع السعودي

في سياق ما سبق هل يمكن اعتبار التحولات الجارية في المجتمع السعودي مُعبّرة عن تأثير ليبرالي فعلي أم أنه تنازل من قبل التيار الديني تحت الضغط الشعبي أو الرغبة السياسية؟ محمد الهرفي يرى أن التيار الديني ضعيف بل هو أقرب للموت، في مقابل قوة التيار الليبرالي الذي يعتبره منظماً في قضية يريدها، ويقول في ذلك: «بودي أن أقول إن التيار الديني أصبح ضعيفاً، وكذلك المؤسسات الدينية، ولا أبالغ إذا قلت إنها تموت موتاً بطيئاً، لكنه يطول، أماً التيار الذي يدعي الليبرالية فهو على قلة المنتمين له إلا أنه أقوى بكثير من التيار الديني؛ لأن أفراده يعملون باتفاق تام وبتنسيق شديد في كل قضية يريدون إثارتها، ولعل قضايا مثل عمل المحاسبات وقاضي المدينة وغيرهما من القضايا تؤكد صحة ما أشرت إليه»، ثم يضيف: «المجتمع السعودي يتعرض لبعض التحولات الجذرية، قد يكون ما يفعله دعاة الليبرالية سبباً في التحولات، ولكن ضغط التحولات الدولية، وهي مؤثرة في الوضع الداخلي، كان له أثر كبير في هذه التحولات المجتمعية التي نراها. من ذلك أضيف إليه ما أعتقده أن صانع القرار السعودي لم يكن يمانع في بعض هذه التحولات التي يراها من أساسيات تنمية المجتمع، وهنا لا بد أن أؤكد أن ضعف التيار الديني وتفككه أسهم بدرجة واضحة في ظهور الأثر الواضح لدعاة ما يسمى بالليبرالية، وأعتقد أن آثار تحركاتهم في موضوع الاختلاط أو الأماكن التي تعمل فيها المرأة، وما شابه ذلك مما دأبوا على طرحه، ستظهر أكثر في المستقبل القريب».

خالد الدخيل يرى المسألة من زاوية أخرى، يؤكد في بدايتها أن التيار الديني لم يتنازل إنما هناك أمور فرضت نفسها عليه، ويقول: «التيار الديني لم يتنازل، ولا يريد أن يتنازل، بدليل أنه يتهم الليبراليين أو أصحاب التيار الليبرالي بالكفر والعمالة للغرب. هذا ليس تنازلاً، إنما هي أمور فرضت نفسها على الجميع، كما أننا اليوم في النظام الرأسمالي العالمي؛ فالسعودية اليوم جزء من هذا النظام؛ فهي عضو في هيئة الأمم المتحدة، وعضو في منظمة التجارة العالمية، وعضو في قمة العشرين، غير العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والاتفاقيات مع الدول والتحالفات، نحن جزء من منظومة عالمية، فعندما تجمع الإطار الذي تتحرك فيه الدولة والتغيرات التي تتفاعل تظهر لك الحقيقة الليبرالية، أما الذين يتكلمون عن الليبرالية وفق المنطق السائد من أصحاب التيار الديني فهؤلاء يتكلمون لغة عمرها على الأقل (50) عاماً، ولا يأخذون في الاعتبار كل التغيرات التي حصلت في المجتمع، رغم أن التركيبة الاجتماعية في السعودية حصل لها ما يشبه الثورة، طبقة التجار قديماً حلت محلها طبقة رجال أعمال مختلفة، طبقة رجال أعمال الشركات، الشركات المساهمة، طبقة رجال أعمال مرتبطين بالشركات العالمية، وكذلك سيدات الأعمال، كما لدينا اليوم 28 جامعة غير الكليات، وعدد الطلاب اليوم خمسة ملايين بعدد سكان المملكة في بداياتها، كل هذه التغيرات عندما تؤخذ بعين الاعتبار تشير إلى أن الفكر الليبرالي في الأخير سيفرض نفسه بدليل أن جماعة الصحوة تغيروا هم كذلك، وتخلوا عن تطرفهم، وبدؤوا يتكلمون عن الحرية، وعن الوسطية، وعن الاعتدال، وعن قبول الاختلاف والرأي الآخر.. ودخلوا في الانتخابات البلدية.. رغم أنهم كانوا يكفّرون فكرة الديمقراطية».

محاضرة الليبرالية السعودية

خلال شهر ديسمبر من العام المنصرم 2010م ألقى الدكتور عبد الله الغذامي محاضرته الشهيرة عن الليبرالية السعودية تحت عنوان (الليبرالية الموشومة)، ضمن فعاليات البرنامج الثقافي (تواصل) في جامعة الملك سعود بالرياض. تركزت تلك المحاضرة على فكرة محورية، هي نفي الادعاء بوجود ليبرالية في المملكة، سواء على مستوى الأفراد أو النخب أو التيار؛ ما أدى إلى سيل من المقالات المتباينة في موقفها على مستوى جميع التيارات الفكرية بالساحة المحلية، خاصةً كُتّاب الرأي والأساتذة الأكاديميين وطلبة العلم الشرعي، وقد كان من بينهم ضيفا هذه الصفحة الدكتور محمد الهرفي والدكتور خالد الدخيل؛ حيث كتب الهرفي في صحيفة (عكاظ) مشيداً بالدكتور الغذامي تحت عنوان (عبد الله الغذامي.. إني أحترمك)، ذكر فيه تعليقاً على عبارة الغذامي التي قال فيها إنه «لا يوجد ليبرالي سعودي.. الليبرالية فكر ووعي فلسفي وإنتاج معرفي، وهذا لا يوجد»، بقوله: «هنا أختلف قليلاً مع الدكتور الغذامي؛ فهناك ليبراليون قلة، لكن الغالبية العظمى منهم لا يعرفون من الليبرالية إلا الحديث، أما أفكار الليبرالية كما جاءت عند رعاتها الأوائل فهي منهم براء. قِلّة في مجتمعنا من يصرح بأنه ليبرالي، ومن هؤلاء الدكتور عبد الرحمن الحبيب، والدكتور ممن أحترمه، وإن كنت أختلف معه، أحترمه لأنه صريح ويقول ما يعتقد، وهذا النوع من الناس من السهل أن تحاوره، وأن تصل معه إلى مشتركات فكرية». أما الدكتور الدخيل فقد كان رأيه مختلفاً حول محاضرة الغذامي، وكتبه على مدار مقالين نشرتهما صحيفة (الحياة)، أكد خلالهما أن فكرة المحاضرة جعلتها من دون إشكالية واضحة، ومن دون منهج محدد، ومن دون هدف علمي. بل وصفها بأنها نوع من (العبث الثقافي)، مدللاً بقوله: «وبما أن الغذامي يصف الليبرالية بأنها موشومة؛ لأنها لا تلتزم بنموذجها المثالي، فإنها - وبالمنطق نفسه - صفة تنطبق على كل المفاهيم والحركات التي عرفتها البشرية. وهذا استنتاج يكشف حجم الخطل في تعريف الغذامي، ورؤيته، وما تنطوي عليه من بساطة منهجية مثيرة للدهشة». مشيراً إلى أنه فات على الغذامي أنه قال في بداية محاضرته إن ممارسات الناس لا تصلح حكماً على المصطلح. كما يشير الدكتور الدخيل إلى موقف الغذامي من مسألة الحرية التي هي أساس الليبرالية، بقوله: «لأن قضية الحرية لم تكن يوماً من اهتماماته، أو من شواغله الفكرية والسياسية». ولتبرير هذا الموقفيلجأ إلى كلمة حق يراد بها باطل، عندما يقول «أنا مفكر حر، أنتقد وبس». لكن ماذا ينتقد؟ لم ينتقد الغذامي يوماً الخطاب الديني على مدى مسيرته الثقافية، التي تمتد إلى ما يقرب من عقود أربعة». وفي موضع آخر يقول الدخيل: «كيف أجاز المحاضر لنفسه فصل الليبرالية عن الحداثة، وعلى أي أساس، وهي من أهم وأخطر إفرازات الحداثة، بل هي في القلب من الحداثة؟ وإذا لم تكن الليبرالية منهجاً حداثياً بامتياز فما عساها تكون؟».

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة