|
الجزيرة - شيرين الرفاعي:
شكلت مواقف المملكة العربية السعودية الرسمية والشعبية تجاه إنسان الصومال بل وشعوب العالم وخصوصا الإسلامية والعربية أنموذجا في العمل الإغاثي والدعم الإنساني، والمبادرة الأخيرة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- بأن يكون اليوم الاثنين بداية لانطلاق الحملة الوطنية في جميع مناطق المملكة لتقديم التبرعات للتخفيف من معاناة الشعب الصومالي ووضعه الراهن وانفلات الأمن في مناطق وسط وجنوب الصومال الأمر الذي قد تسبب في نزوح السكان لينتهي الأمر بمجاعة ضربت البلاد ودفع ثمنها الكثيرون فيما ينتظر الآخرون رحمة الله ثم الدعم الإغاثي والإنساني «الجزيرة» التقت عددا من المختصين والمهتمين لإلقاء الضوء حول معاناة الشعب الصومالي ومبادرات خادم الحرمين الشريفين القاضية بحشد الدعم للشعب الصومالي.
بداية يقول الأمير عبد الله بن فيصل آل سعود مدير اللجنة الدولية في الهلال الأحمر السعودي إن مبادرة حكومة مولاي خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- بتخصيص مبلغ 50 مليون دولار لشراء مواد غذائية للمتأثرين من الجفاف والمجاعة في الصومال, قدمت إلى برنامج الغذاء العالمي بالإضافة إلى مبلغ عشرة ملايين دولار لتأمين الأدوية واللقاحات بالتنسيق مع وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية, بالإضافة إلى توجيهه -حفظه الله- بتأمين كميات من التمور للمتأثرين من كارثة المجاعة فهذه المبادرات مجتمعة بالإضافة إلى الحملة الوطنية الشعبية لتقديم التبرعات والتي تنطلق اليوم. وتأتي ضمن المبادرات الإنسانية للمملكة بمساعدة كافة الشعوب وكان هذا ديدن المملكة في كافة أوجه المساعدات التي تقدم إلى شعوب العالم.
وأضاف سموه: وقفة حكومة المملكة مع إخوانهم المسلمين في كل مكان لا شك أنها ستشكل رصيدا مضافا لمواقف المملكة وإغاثتها ودعمها المحتاجين أينما وجدوا: وأبان سموه أنه ومن منطلق رسالة هيئة الهلال الأحمر السعودي في العمل الإنساني تتابع الهيئة الأوضاع الإنسانية في الصومال وفي بلاد القرن الإفريقي باهتمام كبير من خلال دورها الدولي الإنساني في المتابعة وإبلاغ المسؤولين في الدولة بأوضاع الإنسانية في البلاد العربية والإسلامية وأن الهيئة حاليا غير متواجدة حتى الآن في الصومال, ولكنها تأمل أن تتواجد ميدانيا لمد يد العون والمساعدة للسكان في الصومال وأن يكون لها دور مع وزارة المالية من حيث التنسيق والعمل الجماعي نظرا لخبرة الهيئة في مجال الإغاثة الإنسانية الذي اضطلعت به منذ عشرات السنين في مناطق كثيرة من العالم وتأمل الهيئة في مسارعة أبناء المملكة بمد يد العون لإخوانهم في الصومال من خلال الحملة التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين أيده الله بنصره وستنطلق اليوم. وسيكون ريع هذه الحملة عملا جليلا يقدمه أبناء المملكة دون منّ أو أذى لإخوانهم المسلمين في الصومال.
من جانبه رأى الدكتور محمد آل زلفة عضو مجلس الشورى السابق أن ما تشهده الصومال اليوم من أحداث مؤلمة وتركها وحيدة يفرض على جامعة الدول العربية اتخاذ إجراءات صارمة وحازمة في معالجة مشكلة الصومال التي تحولت إلى مرتع للقراصنة تغذيها وتشجعها بكل أسف دول إقليمية وعلى رأسها إيران, لأن في ذلك خدمة لمصالحها, وتحول الصومال إلى إحدى البؤر المهمة لنشاط القاعدة التي من منهجها إغاثة الفساد في الأرض وللأسف باسم الإسلام.. ولعل من المصائب التي يشهدها الصومال من المجاعة والفقر والجفاف الذي لم يشهد العالم مثيلا له مما جعل المنظمات الدولية تسارع إلى مساعدة أهل الصومال الذين يموتون جوعا في الطرقات بينما نجد منظماتنا العربية والإسلامية لا تحرك ساكنا, وإن تحرك بعضها فليس خدمة لكل من تضرر من المجاعة بل يراعون لمن تذهب إليهم مساعداتهم إذا كانوا على شاكلتهم في التوجه. وأضاف آل زلفة :الصومال بلد عضو في جامعة الدول العربية يرزح تحت محنة طاحنة منذ عشرين عام إذ أصبح مرتعا خصبا للحروب الأهلية منذ سقوط حكومة زياد بري بل أصبح ساحة مباحة لحروب المتطرفين والملتزمين والمتشددين وبؤرة صالحة لإيواء القاعدة الذي اتخذت منه مركزا تهدد فيه المناطق المجاورة فالصومال يحتل موقعا جغرافيا متميزا فهو يطل على خليج عدن وباب المندب أهم ممر مائي عند مدخل البحر الأحمر ولأهمية موقع الصومال كان في عهد قريب مكانا تنافس بين القطبين الكبيرين, المعسكر الشرقي في عهد الاتحاد السوفيتي وبين المعسكر الغربي ممثلا بالولايات المتحدة الأمريكية, وكان قبل ذلك مكانا للصراع بين القوى الاستعمارية في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين, حيث كانت بريطانيا التي كانت تمثل في تلك الفترة هم قوة استعمارية قد بسطت نفوذها في عام 1849م.
وبذلك ضمنت تحكمها في باب المندب أهم نقطة وصل بين البحر الأحمر وخليج عدن ثم بحر العرب والمحيط الهندي حيث تمثل عدن أهم نقطة في سلامة الطرق البحرية الموصلة بين بريطانيا ومستعمراتها في الشرق وخاصة الهند. وذلك بعد ضمان تحكمها في أهم الممرات المائية مثل مضيق جبل طارق وقناة السويس.
من جانبه يقول الدكتور نواف الفغم -عضو مجلس الشورى-: إن الأعمال الخيرية هي أعمال تعبدية تطوعية وأعمال غير تطوعية ذات أهداف نبيلة, شرعها الشارع الحكيم لتكون طهورا وتزكية للنفس البشرية
. فتعددت من حيث الهدف منها ووجوهها وأشكالها ومستوياتها وتكويناتها وتركيباتها وغاياتها والكثير الكثير من أغراضها, وفي المملكة أرض الخير والرسالة وأرض العطاء والنماء الرحمة والتكافل فيها قرابة سبع مائة جمعية خيرية مسجلة لدى وزارة الشؤون الاجتماعية إضافة إلى جمعيات أخرى في قطاعات أخرى مختلفة, وبلغ إجمالي الإعانات التي قدمتها الوزارة لهذه الجمعيات هذا العام 436.432.731.55 ريال وما يميز هذه الجمعيات إنها ليست محلية النشاط بل إن معظمها إقليمي بل وأيضا دولي النشاط فعبر هذه الأرقام تبوأت المملكة المركز القيادي بين دول العالم بل هي تقود العالم في هذا الاتجاه كما هو الحال في غيره ولله الحمد والمنة فنجد المبادرات والتبرعات السخية من ولاة الأمر في كل محفل يضيء سماء المؤتمرات والندوات الدولية عن طريق إنشاء صناديق دولية خاصة أو دعما سخيا لصناديق أخرى كانت المملكة هي من إنشائها و كفل لها الديمومة والاستمرارية فنجد هذه الجمعيات والأعمال الخيرية في السودان والصومال وإيران والصين وكولومبيا وفي جميع أصقاع الأرض مكونة نور وهدى وبلسم شفاء مواساة للبشرية.
جمعاء بلا استثناء مطبقة حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «في كل فلذة كبد رطبة أجر», فأنا أدعو بهذه المناسبة أن تكون الشفافية في التحصيل والصرف لهذه الجمعيات والاستمرار على ذلك النهج والاستفادة من كل ما هو جديد في هذا المجال من عملية الضبط والربط لإعمال هذه الجمعيات.
إلى ذلك قال نجيب الزامل عضو مجلس الشورى: لا أستطيع نسيان «خيرو» الطفل الذي سماه والداه طمعًا في الخير أو شيئًا منه، ولكن منذ ولادته قبل ست سنوات لم يعرف أي معنى لأي خير على الإطلاق.. مات «خيرو» بعد أن فقد جهازه الدماغي إرسال حتى ومضات الألم، وانشق جلدَه عميقًا من تحت عينيه.. واكتشف الأطباء بعد موتٍه أنه كان أعمى منذ أكثر من أسبوع لفقدانٍ تام لفيتامين ألف هل نعرف دربَ العدم؟ إنه الطريق الذي يمتد عبر غرب جنوب القرن الإفريقي، حيث تقع الآن أعظم وأروع مأساة بشرية على الإطلاق.. هذا ما قالته «اليونيسيف».. لم تحفظ ذاكرة الأرض روعًا ولا جوعًا ولا جفافًا كما يحصل الآن في القرن الإفريقي الأجوف المتصدع جوعًا وعطشًا. إنه الطريق الذي يسلكه أشباهُ الأموات من مدن وقرى عبر الساحل الترابي، حيث القحط والجفاف والحر، وحيث يرى السالكون جثث من سبقوهم وعظام حيواناتهم، فيموتون هم على أقدامهم. كم قصة ستحتفظ بها كثبان الهول.. أمٌ تموت أمام أبنائها، وأهلٌ يكملون الطريقَ لا يستطيعون دفن رفات أبنائهم.. إنه «دربُ الهولِ الأعظم»* الآن.. يصل بعضهم إلى «داداب» أكبر تجمع لاجئين على الكوكب، بشمال شرق كينيا وهي منطقة، للمفارقة، ضربها الجفاف. يسع المخيمُ 70 ألف لاجئ بالأصل، وصله من أيام الحرب قرابة 400 ألف من الصوماليين، وحتى الأمس وصله آخرون تعدوا النصف مليون.. تصورا المأساة وأضاف الزامل: أما الآن فسؤالي هل نبكي ونتوجع فقط؟ إني أطالب، بل أستغيث بحكومتي أن تقدم الإغاثة من المنبع إلى المصب، وليس عن طريق السلطات الرسمية في الصومال أو كينيا فهذا ما تفعله دول غربية الآن، وكما يفعل اتحاد تجمع الكنائس، وكما تفعل هيئات مدنية عالمية مثل أطباء بلا حدود. وإني أطالب، بل أستغيث بالشعب السعودي كافة أن يقف من أجل كل «حميدو» يشهد الموتَ في درب الهول الأعظم.. من أجل أن نبصر بقلوبنا قبل أن يفقد ألف حميدو البصر!* حملة اسمها «درب الأمل الأعظم» هي ما أطلبه من شبيبتنا الذين يجارون المستحيل بالخير والعطاء والتخطيط والتنفيذ، بل أستغيث بهم وهم ممتنون، طوع بنان الحكومة لو تبنت «درب الأمل لأعظم».. حملة إنقاذ مليون حميدو. فاليوم فقط مات 100 حميدو بعد نزاع مع ما لا يمكن منازعته. هل أقول إني أبلغتُ فاللهمّ أشهد. نعم، ولكن لن يكفيني هذا ولن يحميني، فأنا مسؤولٌ ومُساءَل.. مسؤولٌ ومُساءَل!
من جانبه أكد الاقتصادي عبد الحميد العمري أنه لا يمكن إغفال أو تجاهل أن التدهور السياسي وعدم الاستقرار الداخلي للصومال طوال السنوات الماضية، وما أفضى إليه عبر تلك السنوات الطويلة من انفلات حالة الأمن الداخلي بصورة مخيفة جداً؛ نتج عنها انحدار مؤشرات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتنموية في الصومال إلى أدنى مستوياتها تماماً! التي ساهمت مجتمعة في خلق بيئات خصبة لوجود حالة من النزاعات الداخلية المميتة يقف وراءها تدخلات سافرة أجنبية لا يرضيها استقرار الصومال، أو تمكّن وانتشار جماعات إرهابية خارجة على النظام، وصولاً إلى انتشار العصابات الإجرامية التي امتد خطرها إلى البحار الإقليمية المحاذية للصومال عبر العمليات الإجرامية بقرصنة السفن العابرة لتلك البحار دون أدنى اعتبار لأبعادها الخطيرة على استقرار منطقة القرن الإفريقي والشرق الأوسط والعالم بوجهٍ عام.
وأضاف العمري: المملكة كانت ولا تزال على المستوى الرسمي والشعبي الأولى في مد يد العون منذ اهتزت أُسس الاستقرار السياسي والاقتصادي في الصومال الشقيقة عربياً وإسلامياً، وقدّمت الكثير من العون والدعم لتلك الدولة المنكوبة؛ سواءً عبر مساهمتها الصادقة في رأب الصدع والخلاف بين القوى السياسية المتنازعة بكل ما رأت أنه سيُنجح الجهود الرامية لإعادة الاستقرار السياسي والاقتصادي للصومال، متضمناً كافّة أوجه الدعم والمساعدة الاقتصادية والمالية والعينية والتبرعات الإنسانية والطبية والحيوية اللازمة، وهو ما تأكّد للعالم بأسره في الوقت الراهن؛ أن حل الأزمة الصومالية التي أفضتْ في أحد نتائجها المريرة إلى ضرب المجاعة المميتة لنصف المجتمع الصومالي، وأن الجهود الحثيثة التي تقودها المملكة سواءً على المستويين العربي والإسلامي أو على المستوى الدولي إذا لم تتضافر معها جهود المجتمع الدولي، ومختلف الأطياف المتصارعة داخل الصومال فإن دائرة المجاعة والهلاك القاتلة والكثير من الكوارث الإنسانية غير المسبوقة من شأنها أن تتسع بدرجات خطيرة جداً، ستستعصي على السيطرة عليها وعلى نتائجها الوخيمة ليس في الصومال فحسب، بل قد تمتد للشرق الإفريقي بأسره. المعونات الإنسانية والغذائية والاقتصادية التي تفوق تكلفتها مئات الملايين من الدولارات قد تخفف نوعاً ما من وقع الكارثة ولكنها لن تحل صلب الأزمة الهائلة التي تعصف بالصومال، ما يقتضي بالضرورة المبادرة والإسراع في تكامل الجهود المبذولة دوليا لأجل ترسيخ الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، وتضميد أسباب الفرقة والشقاق الصومالي، وإيقاف التدخل الأجنبي السافر في الشأن الداخلي، ودعم جهود الحكومة المعترف بها دولياً تجاه تصديها للجماعات الإرهابية والعصابات الإجرامية.