ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Tuesday 10/07/2012 Issue 14530 14530 الثلاثاء 20 شعبان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

نستيقظ كل صباح لنتساءل: هل اشتعلت حرب جديدة في المنطقة أم لا؟.. فالوضع في المنطقة والعالم متأزم بشكل غريب، وهناك أزمات اقتصادية واحتقان سياسي غير مسبوقين، وهذه عادة هي أجواء الحرب الموسعة.. فالقوى المسيطرة مفلسة،

والقوى الصاعدة الغنية تريد مزيداً من السيطرة تتناسب مع قوتها.. وهناك بؤر عالمية هي أشبه بفوهات البراكين تقلل من حدة الاحتقان حيناً مثل مصر، ليبيا، اليمن، وأخرى تؤججه كإيران وسوريا، وجميعها للأسف في منطقتنا.

فإيران اليوم في مأزق كبير، والنظام فيها يصر على عدم التراجع ويهدد المنطقة والعالم مستغلاً موقعه الجغرافي بالقرب من أهم مصادر الطاقة العالمية الحيوية من النفط والغاز التي تمد العالم بنصف حاجته من الطاقة تقريباً.. وهي تعتمد التهديد العسكري كورقة تفاوض رئيسة، وعلى سياسات السيطرة والابتزاز بدل سياسات التعاون والبناء.. وإيران تدرك تماماً أنه في حال إشعالها حرباً موسعة في المنطقة لن تخرج منتصرة، بل إنها قد تخرج كخاسر أكبر وربما كدولة محتلة، لكنها تراهن على قدرتها على إيذاء جيرانها وأعدائها أيضاً.

والأزمة السورية هي أولى الجبهات غير المباشرة بين إيران وبين من يرغبون في الحد من نفوذها المتنامي الهدام.. فاعتماد الطائفية والاحتقان الديني لنشر النفوذ يُعدان من وجهة نظر تاريخية أسوأ أنواع الاصطفاف السياسي.. وفي سوريا تحاول إيران أن تتمدد مذهبياً، ووجدت في نظام الأقلية المذهبي القمعي السوري حليفاً مواتياً، ولكن ظروف المنطقة قادت أغلبية الشعب السوري المقموع إلى صدام مع نظامها مما جعل إيران في مواجهة مع الشعب السوري.. ولو ضمنت إيران أن الربيع السوري سيحفظ لها شعبيتها لربما ضحت بالنظام، ولكنها لا تستطيع الرهان على ذلك.. ولذا قررت أن تدخل بكل ثقلها إلى جانبه.. فانقلبت شعبيتها وادعاءاتها بدعم دول مواجهة إسرائيل إلى دعاية مضادة لها وللنظام، الذي أدرك الشعب أنه يعمل حقيقة لصالح إسرائيل، وأن إيران تستخدمه، هو وحزب الله، كقواعد صواريخ لردع إسرائيل من ضرب قدراتها النووية العسكرية.. ولذلك فإيران تناور عبر حلفاء هم في أحسن الأحوال غير شرعيين.. وهي تناور لكسب الوقت للحصول على السلاح الذري لتبتز به المنطقة والعالم.

الشعب السوري تخطى حاجز الخوف ولن يقبل بتغييرات تجميلية لنظام عاجز عن مواكبة التطورات العالمية والتاريخية. نظام تنازلَ عن الجولان وعن موقعه العربي بتحالفه مع النظام الإيراني من أجل خلق جو من الاستقرار الداخلي لا يتأثر بالمحيط العربي المباشر.. فقد أثبتت الأيام أن الشعب السوري، على عكس النظام، كلٌ لا ينفصم عن المحيط العربي وعما يحصل فيه من تغيرات وتبدلات؛ لا سيما وأن النظام بالرغم من تحالفه مع إيران، عجز عن تحقيق النمو الاقتصادي المقبول والأجواء الكفيلة بتحقيق الاستقرار الداخلي، وهو ينتقل اليوم من تخويف الشعب لإرعابه بالقتل العشوائي المتعمَّد للأطفال والنساء، والانتهاك الجماعي للأعراض، والقتل بطرق بشعة غير تقليدية، والهدف ليس الحفاظ على الرئيس الحالي، بل الحفاظ على النظام برمته فيما لو تمت تسوية تشمل تغيير وجه النظام عبر انقلاب أو تنازل.

ويبرز من بين الجوانب الأخرى غير المرئية للأزمة عدم جدية التهديدات الأمريكية والإسرائيلية لإيران التي كثر تردديها، إذ أبرزت الأزمة أن الحكومة الأمريكية ليس لديها الشهية ولا الرغبة أو ربما القدرة على خوض حرب جديدة في المنطقة في ظل عدم تعافي الاقتصاد الأمريكي وفي ظل عدم وضوح الرؤية فيما يتعلق بإعادة انتخاب الرئيس أوباما.. أما إسرائيل فقد فضلت الانتظار الحذر لعدة أسباب أولها خشيتها من الصواريخ الجديدة بعيدة المدى التي زودت بها إيران حزب الله والقادرة على إصابة العمق الإسرائيلي في ظل هشاشة الوضع السياسي الإسرائيلي الداخلي، وحساسية التوازنات الدقيقة للائتلاف الحاكم الضعيف.. كما أن إسرائيل لا تريد الدخول في حرب مع إيران تؤثر في توجهات الثورات الشعبية التي تمر بها بعض الدول العربية الرئيسة كمصر والتي قد تتسبب في زيادة التعاطف مع إيران كضحية هجوم إيراني، وهي أيضاً غير واثقة من البديل القادم للأسد في سوريا.

أما روسيا والصين فقد طبقتا حرفياً مبدأ التحالف مع الشيطان في سبيل مصالحهما، وهما لا ينظران للمصالح المستقبلية القريبة المباشرة في الشرق الأوسط، بل تراهنان على المصالح الدولية البعيدة المدى في مناطق إستراتيجية أخرى من العالم مثل أفريقيا ودول أمريكا اللاتينية ووسط آسيا، حيث تشكّل هذه المناطق مع الشرق الأوسط مناطق تخلخل سياسي يتشكّل معه شكل العالم الجديد.. وعليه فهما يعملان على جبهتين، الأولى سياسية تعتمد على منع انفراد الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين بقرارات الهيئات الدولية ومجلس الأمن كما كان يحصل سابقاً بتكرارهما استخدام حق الفيتو.. والثانية، تهديدهما بدعم سوريا وإيران عسكرياً في حال شن حرب عليهما.. ويدعم الموقف الصيني والروسي انتقال الثقل الاقتصادي والمالي العالمي لهما بعد إفلاس أمريكا وأوربا، وحاجة الدول الغربية الصريحة والواضحة للدعم المالي الصيني، أو في أقل تقدير تعاون الصين لإنعاش الاقتصاد العالمي بتشجيع الاستهلاك الداخلي أو رفع قيمة اليوان لزيادة القدرة التنافسية للبضائع الأوربية.. أما روسيا فقد حققت فوائض ضخمة من ارتفاع أسعار النفط والذهب ولم تعد بحاجة للدعم الاقتصادي الغربي الذي كانت بعض الدول الغربية تساومها عليه.. كما أن الصين بالذات وإلى حد أقل روسيا تدركان أن دول المنطقة المعادية لإيران وروسيا لن تستطيعا اتخاذ مواقف حاسمة ضدهما، فالصين هي السوق الأول الوحيد الآخذ في النمو للنفط وكافة السلع والمنتجات الأخرى للخليج وتركيا.

ما يتضح من الأحداث اليوم هو أنهما ليس لديهما شهية للحرب ولكنهما يوسعان دائرة المناورة. النظام السوري أدرك مؤخراً أنه لا مجال لاستمراره بشكله السابق، ولذلك سيحاول تقدير أقل المسالك سوءاً له في المرحلة الحالية، وقد يسعى لتوسيع الحرب لخلط الأوراق خصوصاً مع تركيا التي يعرف السوريون ألا شهية لديها للحرب في ظل الاستقرار السياسي، والنمو الاقتصادي، والشعبية الجارفة للحكومة.. وروسيا ربما ترغب في حرب محدودة في المنطقة، كحرب بين سوريا وتركيا، تبرز فيها تطور قدرتها التسليحية وتسمح لها بمساحة مساومة أكبر، وتحد بها من نفوذ تركيا في الجهوريات الإسلامية السوفيتية سابقاً.. وهناك إشاعات تقول بأن طاقماً روسياً هو من أسقط الطائرة التركية.

الوضع اليوم هو حالة ترقب، والأطراف لا ترغب في حرب في المنطقة، ولكن إيران تجابه سياسة الحصار الاقتصادي الشديد بسياسة الإبقاء على “سياسة حافة الهاوية” brinkmanship بالتهديد المستمر بإغلاق مضيق هرمز لرفع أسعار النفط، وذلك لهدفين: الأول زيادة دخلها من كميات نفطها المُباع، والثاني، زيادة الضغوط الاقتصادية الأمريكية والأوربية، والإبقاء على الكلفة الاقتصادية المرتفعة لحالة التأهب الدائم لقوات وأساطيل الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، أي أن يدفع الغرب ثمن حصاره الاقتصادي عليها، فهي تفضل إبقاء المنطقة ساخنة وغير مشتعلة.. وهي بذلك ترتكب مخاطرة كبرى إذ إن أي خطأ أو احتكاك عسكري مقصود أو غير مقصود قد يقود للسيناريو الأسوأ والأكثر رعباً الذي تكلم عنه هنري كسينجر، هو أن تنجر دول المنطقة إلى صراع دولي، ويمكن أن يكون سيناريو كسينجر حقيقة في حالتين، الأولى: دخول دول الأطلسي في حرب مع سوريا إلى جانب تركيا وتورط روسيا فيها إلى جانب إيران؛ الثانية: هو تزايد وتعاظم القوة الإيرانية والنفوذ الروسي بشكل يسوّل لهما الطمع في منابع النفط في المنطقة، فقد كانت سياسة الغرب التي لا تحيد هي منع الدب الروسي من الوصول للمياه الدافئة في الخليج.

latifmohammed@hotmail.com
Twitter @drmalabdullatif
 

سياسة حافة الهاوية
د. محمد بن عبدالله آل عبد اللطيف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة