ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Thursday 19/07/2012 Issue 14539 14539 الخميس 29 شعبان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

الأستاذ محمد الكتاني واحدٌ من الأدباء والمفكرين المغاربة والعرب الذين لهم كتابات معتمدة وله كتاب صغير الحجم كبير الدلالة عن الحوار في الإسلام؛ سنتوقف اليوم على بحث معمق قام به عن المفاهيم التي تدل على

«الحوار» أو تتصل بمعناه التي غلب بعضها في استعمال القرآن، بدل «الحوار» الذي لم يستعمله إلا في ثلاث آيات. وهي قوله تعالى: {فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أنا أكثر مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَرًا} (الكهف-34) والثانية قوله تعالى: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثمَّ سَوَّاكَ رجلاً } (الكهف-37) والثالثة هي قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوجها وَتَشْتَكِي إلى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إن اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}(المجادلة-1).

والآية الأخيرة تدل على تطابق معنى الحوار مع معنى الجدل في الدلالة على إدارة القول بين متخاطبين في موضوع معين.

وللجدل والحوار مستويات متفاوتة، من سنخ الجدل. تدل عليها ألفاظ المناظرة والمحاجة والمناقشة. فالمضمون واحد، وإن تعددت أساليبه، وهو تبادل الآراء مع الغير، مخالفة أو مفاوضة، أو بحثًا عن الحق أو تأييدًا للاعتقاد.

أما الحوار فهو المحادثة بين شخصين، يتحدث أحدهما، ويجيبه الثاني، أو يرد عليه ويراجعه، إما على أساس المساءلة والإجابة، وإما على أساس إبداء الرأي من جهة، ومراجعته من طرف الجهة الأخرى.

ولفظ «الحوار» في اللغة العربية مصدره «الحوار» وهو الرجوع في الشيء وإليه. ومنه قوله تعالى: {إِنَّهُ ظَنَّ أن لَّن يَحُورَ بَلَى إن رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا} (سورة الانشقاق14-15). أي كان يعتقد أنه لن يرجع إلى الحياة بعد الموت، ويبعث حيًا ليوم الجزاء. وفي نص الحديث: «من دعا رجلاً بالكفر وليس كذلك حار عليه. أي رجع إليه ما نسبه للغير».

وربما خصّوا الحور بالرجوع من الصالح إلى الفاسد، قولاً أو عملاً، ومنه الحديث: «نعوذ بالله من الحور بعد الكور». فمعناه من الزيادة إلى النقصان. ومنه أيضًا الحديث الذي رواه عبادة ابن الصامت: «يوشك أن يرى الرجل من ثبج المسلمين للقرآن لا يحور فيكم إلا كما يحور صاحب الحمار الميت»، أي من أوساطهم، لا يرجع فيكم بخير، ولا ينتفع بما حفظه من القرآن، كما لا ينتفع بالحمار الميت صاحبه.

واشتقوا «المحور» للعود الذي تدور عليه البكرة، لأنّه يمكنه أن يديرها إلى أي اتجاه.

وذكر الراغب الأصفهاني في معجمه عن القرآن، أن الحور هو التردد بالذات أو بالفكر. يقصد التردد بين جهتين. ومنه قولهم حار الماء في الغدير إذا تردد فيه، أي تماوج ذات اليمين وذات الشمال. ومنه اشتقوا قولهم حار في الأمر إذا تردد.

وهكذا الفكر بالنسبة لأيِّ موضوع، فإنه يتردد بين شتّى المعاني والتصورات.

والتحوير هو الترجيع. وذهب بعضهم إلى أن «الحواريين» جمع حواري مشتق من الحور. قال تعالى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إلى الْحَوَارِيِّينَ أن آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمنًا وَاشْهَدْ بِأَنَنَا مُسْلِمُونَ} (المائدة-110). وقال تعالى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أنصاري إلى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أنصار اللّهِ} (آل عمران-52). وقد ذهب معظم المفسرين في تفسير لفظ الحواري إلى تأويل بعيد. فاعتقدوا أن الحواري هو الذي يغسل الثياب ليرجعها إلى بياضها الأصلي. ولما كان أغلبية أنصار عيسى عليه السلام من القصارين، الذين يدأبون على تنظيف قمصانهم، أطلق عليهم الحواريون، بنقل المعنى من الثوب إلى لازمه. ولهذا فسر بعضهم هذا الاسم بمعنى أنهم أطهار الثياب. ووصف الخبز الأبيض أيضًا «بالحواري» أي خالص البياض (ولا يفهم لذلك معنى).

وقد اختلفت آراء المفسرين حول علاقة معنى «الحواري في القرآن» باللفظ الأصلي للغة. ومن الصعب ترجيح رأي على آخر، ولاسيما إذا علمنا أن القرآن الكريم استعمل ألفاظًا معربة من شتّى اللغات. مثل القسطاس والاستبرق والحواري.

والراجح كما ذهب إلى ذلك الأستاذ محمد الكتاني أن لفظ الحواريين معرب عن الحبشية (هواريا) أطلقه القرآن على صحابة عيسى عليه السلام. ومعناها في لغة الحبشة رسول باعتبار هؤلاء الصحابة كانوا رسلاً مبشرين بدينه. ويجمع عندهم اللفظ على صورة جمع المؤنث. فيقولون (هواريات). وقد تم نقل هذا اللفظ إلى اللغة العربية، على يد الأحباش الذين كانوا يدعون إلى النصرانية في بلاد العرب.

ومن مشتقات «الحوار» بمعنى الرجوع لفظ «الحوار». وصيغة فعَّال مثل صيغة مفاعلة تدل على اشتراك طرفين أو أكثر في تبادل الكلام. ومثاله في المفاعلة حاجة محاجة وحجاجًا، وناظره نظارًا ومناظرة ونازعه نزاعًا ومنازعة، وجادله جدالاً ومجادلةً.

وفي لسان العرب التحاور هو التحاور بين متحدثين. ومن كلام العرب كلمته فما أحار إلى جواب. أي ما رجع إلى حوار أو محورة.

ثم تمخض معناه للدلالة على المناقشة، في أمر مختلف فيه، بين طرفين أو عدة أطراف، بأسلوب مدعوم بالاستدلال. إما لتقريب النظر بينها، أو الإقناع برأي أو موقف، مع مراعاة احترام الرأي المخالف. وهو من آداب الإسلام في الحوار. وقد كان الإمام الشافعي يقول: «رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب. ونتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا فيما اختلفنا فيه».

ونستخلص من هذا التحليل اللغوي أن للحوار معنيين أساسيين:

أولهما معنى تبادل الآراء حول قضية محددة، بأن يعرض المحاور رأيه، فيراجعه صاحبه. ثمَّ يتداولان هذه المراجعة، للإبانة عمّا لكل منهما من أفكار أو دلائل، إلى أن يصلا إلى الاتفاق المرغوب فيه.

وثانيهما السعي إلى إظهار الحق أو الصواب بالمراجعة لآراء المخالفين، في موضوع معين، أخذًا وردًا، وتعقيبًا على كلٍّ ملاحظة. أو مقولة بالتي هي أحسن.

أما المناظرة فهي من الألفاظ ذات الصلة بهذا المعنى. وهي مشتقة من النظر، والنظر هنا هو النظر العقلي، وليس الحسي. وربما كان المعنى العقلي مأخوذًا من المعنى الحسي، وهو النظر إلى الشيء بحاسة العين، ولما كان التقابل بين شيئين يوحي بالمقارنة بينهما أو بأن كلاً منهما ينظر إلى الآخر حسيًا، استعملت كلمة المناظرة بمعنى التقابل، وبمعنى التوازن والتماثل. وهذا التماثل مشروط في أطراف المناظرة. التي هي بمعنى الحوار. لأنَّه لا يحق لأحد أن يحاور غيره في موضوع إلا إذا كانا معًا مؤهلين لذلك، أو متكافئين، علمًا ومعرفة وخبرة بالموضوع.

والمناظرة اصطلاحًا، هي تبادل وجهات النظر في موضوع معين، من أجل تمحيص الأفكار المتعلقة به، والنظر فيها على أساس توخي الحق أو الصواب فيه. ولا تصح إلا بين متماثلين في العلم والاطلاع على ذلك الموضوع. وبهذا المعنى تكون أعمّ من المجادلة، التي هي منازعة فكرية حول موضوع معين.

وهناك مفهوم المناقشة. وقد أصبح رائجًا في عصرنا، في معنى المحادثة والحوار اللذين يهدفان إلى التقصي للمسائل في موضوع من الموضوعات. وبهذا المعنى تأخذ صورة (الحوار) المفتوح، الهادف إلى تبرير حكم أو استخلاص نتيجة أو التأكَّد من أمر. مثل مناقشة الأطاريح في الجامعات التي هي عبارة عن حوار دائر بين أعضاء التحكيم وبين الطالب المدافع عن عمله. ومثل المناقشات التي تتم في الندوات بعد عرض بحث أو رأي، من أجل إبراز ما ينطوي عليه من تفاريع أو تفاصيل. فإذا جرت في المحاكم سميت محاكمة ومداولة. وإذا جرت في البيع والشراء سميت مساومة.

والمعنى اللغوي للفظ المناقشة هو الاستقصاء في الحساب حتَّى لا يترك شيء ويقال: انتقش منه جميع حقه وتنقشه، إذا أخذه فلم يدع شيئًا. قال الحارث بن حلزة اليشكري في معلقته الشهيرة:

ونقشتم فالنقش تجشمه النا

س، وفيه الصحاح والإبراء

ومعنى قوله: إنه لو كان بيننا وبينكم محاسبة عرفتم الصحة والبراءة. وفي الحديث الشريف: «من نوقش الحساب عذب» أي من استقصى في محاسبته وإيقافه على أخطائه. وفي حديث الإمام علي: يجمع الله الأولين والآخرين لنقاش الحساب، وللحديث بقية.

 

عن المفهوم اللغوي للحوار
د. عبد الحق عزوزي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة