ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Friday 27/07/2012 Issue 14547 14547 الجمعة 08 رمضان 1433 العدد 

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

في تنشئة الأبناء ثمة اعتبارات ينبغي ألا نتغاضى عنها.. وذلك لما لها من انعكاسات غير مرغوبة على تفكيرهم وتوجههم، ولعل أخطر هذه الانعكاسات هي تلك المتوالدة من نظرة الأبناء إلى المال.. فكيف نُمَكِّنُ أبناءنا وباقتدار على كيفية التعامل مع النقود بحكمة دون الخضوع لها؟

إشكالية العلاقة بين الأبناء ولغة المال هي إشكالية مريرة يعاني منها كثيرٌ من الآباء والأمهات.. خاصة في زمنٍ تحول فيه المجتمع إلى ما يُسمى مجتمع الاستهلاك العشوائي المفرط، وبالتالي لم يعد الأبناء يعيشون في جزرٍ معزولة وبعيدة عن واقع المتغيرات.. وإنما في مجتمع طاله كثير من أوجه التغيير في ظل انفتاحٍ عالمي واسع.

الحقيقة التي لا غبار عليها ولا يمكن بأي حالٍ من الأحوال أن ننفيَها أو نتغافل عنها تشير الى أن غالبية الأسر في مجتمعنا إن لم يكن جميعها تُجْمِع بأنه حال وصول الأبناء مرحلة معينة من العمر خاصة مرحلة المراهقة.. تبدأ المطالبة بالمال بشكلٍ دائم وإصرار مستمر كونه حقاً من الحقوق التي لا تحتمل أي مجادلة أو مناقشة من الوالدين.. وبالتالي فإن ما يُسمى التقنين هو أمر مرفوضٌ تماماً لديهم مهما كانت الأوضاع المادية والحالة المعيشية للأسرة.. فإذا كان المال هو وسيلة وليس هدفاً.. وقيمتهُ تكمن في مساعدته لنا على أن نحيا حياة سعيدة في إطار حدود الدخل الذي نتحصل عليه.. إذاً فمن الضروري أن يدرك أبناؤنا مدى المعاناة والجهد الذي يبذله الأبوان للحصول عليه.. وأن الشعور بقيمته الحقيقية تكمن في أننا نستطيع أن نمتلك ما نريد وننهض بأعباء الحياة ومتطلباتها دون إفراط أو تفريط.

ما يلفت نظري في مجتمعنا وللأسف الشديد هو المبالغة المفرطة في التعاطف مع الأبناء والإفراط في مجاراة ميولهم المادية إلى حدٍ نقف أمامه عاجزين عن التحكم في مشاعرنا إزاء هذه المواقف السلبية.. وحتى لو امتنعنا عن تلبية مطالبهم المادية في بداية الأمر فإن مشاعر الأسى وتأنيب الضمير تتملكنا وكأننا مقصرون فتتأجج عواطف الأبوة وحنان الأمومة وننسى أننا امتنعنا في لحظة لنعود في نفس اللحظة لتنفيذ طلباتهم بل قد نضاعف لهم المصروف كسباً لرضاهم حتى لو انتهى الأمر بنا للاستدانة.. وهذا ما أفقد الأبناء القدرة على تحديد ماهية وقيمة المال وفق الترجمة الصحيحة.

إذن كيف نكون عمليين في تعاطينا مع دورنا كأهل تجاه الأبناء ونعزز لديهم المقولة (المال عصب الحياة وليس هدفها)؟ وكيف يتعلم أبناؤُنا احترامَ المال وقيمته؟ وما هي حدود الاستجابة لرغبات الأبناء المادية؟

للأسف الشديد كثيرٌ من الأسر في مجتمعنا تتجاهل مزية القدوة الحسنة وتأثيرها في تكوين سلوكيات الأبناء.. كما أن الابتعاد عن الموروث الديني والثقافي انعكس سلباً عليهم وهنا مكمن الخطر الذي أسس علاقة وعيٍ غيرِ صحيحة بين الأبناء وطريقة تعاملهم مع المال علاقة تتطور تدريجياً حتى تتمكن منهم في سن النضج وأثناء الدراسة إلى أن يصل مداها إلى فترة ما بعد الزواج.

فإذا كان إغداق المال على الأبناء بلا حدود وزيادة السخاء المادي عليهم يعطي نفس مفعول الحرمان والتقتير فنحن نخطئ حين نترك الحبل على الغارب لتبذير المال وإنفاقه دون وعي أو مبالاة.. ونخطئ أكثر حين نحرمهم أو نقتر عليهم بدعاوى مختلفة وغير مقنعة.. ويحضرني في هذا المجال موقفٌ من أجمل وأروع المواقف التي حدثت على مرأى من عيني ولعل في رواية هذا الموقف خلاصة لمضمون هذه المقالة.

قبل فترة.. وبينما كنت أتسوق ضمن مجموعة متسوقين في أحد المحلات التجارية.. لفت نظري ابن أحد الأسر التي كانت تتسوق يقف أمام قسم الألعاب ويتناول لعبة يبدو أنه قد أعجِب بها أخذ يقلبها بين يديه ويتفحصها جيداً.. فضولي منعني من أن أتحرك من مكاني فظللت أراقب المشهد وأنا أقول في نفسي لو أنه طفل آخر لالتقط أي لعبة دون أدنى مبالاة ووضعها في عربة التسوق لتكون ضمن حساب المشتريات.. الشاهد في الأمر ما إن انتهى الأبوان من التسوق التفت الابن لأبيه وقال وبالحرف الواحد (بابا هل تسمح ميزانية هذا الشهر أن أشتري هذه اللعبة) أجاب الأب وبكل هدوء (لا.. لا تسمح) فكيف تكون ردة فعل الابن في تلك اللحظة..؟ ردة فعلٍ مفاجئة وغير متوقعة بالنسبة لي.. قال الابن لأبيه (شكراً يا بابا) وباقتناع تام أعاد اللعبة إلى مكانها.. تملكني إعجابٌ ممزوجٌ بدهشة من موقفٍ قل أن يحدث.. تدقيقٌ وتفحيصٌ في لعبة وهل هي مناسبة أم غير مناسبة.. روعة ولباقة الابن في طريقة عرضه على والده شراء اللعبة بقوله: (هل تسمح الميزانية.....) والأجمل من ذلك كله إجابة الأب المقتضبة الهادئة المتزنة التي لم تؤد إلى انفعال الابن أو غضبه بل كان الاقتناع سيد الموقف.

كم نحن بحاجة إلى أن نخطو خطوات أمامية لتفنيد وتصحيح مسار سلوكياتنا المالية مع أبنائنا.. فالحياة قائمة على اتخاذ القرارات بعد دراستها لكن كثيراً من الأسر حولت الحياة إلى ماكينات صرف لا تفتر عن الدوران تملؤها في لحظة وتسحب في نفس اللحظة.. عملية ميكانيكية تتكرر بشكل يومي وتحت مسمياتٍ مختلفة وبراقة.. إنه فن المراوغة مع النفس بالحيل اللفظية لتبرير واقعٍ فرضناه على أنفسنا.

zakia-hj1@hotmail.com
 

عود على بدء
أبناؤنا ولغة المال
زكية إبراهيم الحجي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة